عادي

إسرائيل في «قفص العدالة»

22:42 مساء
قراءة 4 دقائق

د. أحمد سيد أحمد *

لأول مرة منذ إنشائها عام 1948 تمثل إسرائيل أمام القضاء الدولي، بعد الدعوى التي رفعتها ضدها دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهو ما يعد تطوراً مهماً في طريق محاسبة إسرائيل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني ليس فقط خلال الحرب على غزة وإنما خلال العقود السابقة.

لم تخضع إسرائيل للعقاب أو المحاسبة القانونية الدولية طوال تاريخها رغم جرائمها العديدة ضد الشعب الفلسطيني، بسبب الحماية الأمريكية لها في مجلس الأمن الدولي واستخدام الفيتو ضد أي قرار يدين إسرائيل، كذلك بسبب الاعتبارات السياسية وصعوبة محاكمتها أمام المحكمة الجنائية الدولية لأنها ليست عضواً في المحكمة، وبالتالي هذه أول مرة تمْثل فيها إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية عالمية تابعة للأمم المتحدة، بسبب اتهامها بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، حيث سبق أن فصلت محكمة العدل في قضية تخص إسرائيل وهي الفتوى الاستشارية غير الملزمة التي أصدرتها المحكمة في عام 2004 بشأن عدم شرعية الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن هذه المحاكمة التي بدأت الخميس 11 يناير تمثل تحولاً مهماً باتجاه محاسبة إسرائيل.

جريمة الإبادة الجماعية

تضمنت وثيقة الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية والمكونة من 84 صفحة، العديد من الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وتندرج تحت مفهوم الإبادة الجماعية الذي ورد في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جرائم الإبادة الجماعية في عام 1948، ويتضمن الفعل العمدي للقضاء كلياً أو جزئياً على مجموعة من السكان لاعتبارات عرقية أو لغوية أو دينية. حيث نتج عن القصف العشوائي الإسرائيلي أكثر من 25 ألف ضحية، 75% منهم من النساء والأطفال، إضافة إلى 7 ألاف مفقود تحت الأنقاض، وأكثر من 60 ألف مصاب، وتدمير 50% من مباني قطاع غزة كلياً، ونزوح أكثر من 1,9 مليون فلسطيني بما يمثل أكثر من 90% من سكان القطاع خارج منازلهم ومناطقهم، وارتكاب جريمة التهجير القسري عمداً للفلسطينيين من خلال تحويل غزة إلى جحيم ومكان لا يمكن العيش أو الحياة فيه، عبر القصف العشوائي الشامل والتدمير الكامل والحصار التام ومنع الغذاء والكهرباء والمياه والدواء والوقود، واستخدام سلاح الجوع ضد الفلسطينيين لكسر صمودهم وإرادتهم وتهجيرهم قسراً بهدف تفريغ قطاع غزة من سكانه وتصفية القضية الفلسطينية، كذلك استهداف المدارس والمستشفيات وخروج أكثر من 26 مستشفى كلياً عن الخدمة من أصل 36 مستشفى، وكذلك استهداف المساجد والكنائس والأماكن التراثية واستهداف أكثر من 107 صحفيين، وغيرها من الجرائم التي تخالف اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية، كما تمثل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، وتثبت أن إسرائيل لديها نوايا مسبقة من قبل جنودها في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وأنها تجاوزت مبدأ الدفاع عن النفس الذي أعلنته، إلى سياسة العقاب الجماعي، وهو ما يتطلب محاكمة القادة السياسيين والعسكريين على ارتكاب تلك الجرائم.

المحكمة ووقف العدوان

استمعت محكمة العدل على مدار يومين، 11و12 يناير/كانون الثاني إلى مرافعات ممثلي جنوب إفريقيا وإلى دفاع إسرائيل، وبدأت المحكمة مداولاتها، ومن المنتظر أن تصدر قراراً خلال أسبوعين، يتضمن إما رفض الدعوى، أو قبولها واتخاذ قرار أو ما يسمى بالتدابير الاحترازية، يلزم إسرائيل بوقف عدوانها على قطاع غزة، لحين الحكم النهائي في الدعوى الذي قد يأخذ سنوات. وقرارات محكمة العدل الدولية ملزمة لأعضائها ولا يجوز استئنافها، وإذا لم تنفذ إسرائيل قرار المحكمة في حال صدوره بوقف العدوان، فيتم تحويل الأمر لمجلس الأمن الدولي لتنفيذه وهنا قد تقوم أمريكا باستخدام حق الفيتو، خاصة أن الإدارة الأمريكية اعتبرت أن رفع الدعوى ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية ليس له فائدة.

أما إذا صدر حكم بعد سنوات يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، ففي هذه الحالة يتم اتخاذ إجراءات عقابية ضد قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين عبر تشكيل محكمة جنائية دولية خاصة على غرار ما حدث في يوغوسلافيا السابقة ورواندا. لأن محكمة العدل تفصل فقط في النزاعات بين الدول، ولا تحاكم الأفراد، بينما المحكمة الجنائية الدولية هي من تحاسب وتحاكم الأفراد المتورطين في ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية.

محاكمة سياسية وقانونية

وبغض النظر عن حكم محكمة العدل الدولية، فإن هذه المحاكمة تمثل أهمية كبيرة لأنها محاكمة سياسية وقانونية لإسرائيل على ما ارتكبته من جرائم ضد الشعب الفلسطيني بعد عملية طوفان الأقصى وما قبلها، وهو ما يكشفها أمام المجتمع الدولي خاصة بعد انهيار سرديتها حول عملية طوفان الأقصى وأنها تدافع عن نفسها ضد تهديدات وجودية، وهو ما يؤدي إلى المزيد من التعاطف العالمي مع الشعب الفلسطيني، خاصة أن الدعوى أمام المحكمة جاءت من دولة جنوب إفريقيا وهو ما يمثل دلالة رمزية وسياسية لأنها عانت ويلات التمييز والفصل العنصري خلال حكم الأقلية البيضاء، وبالتالي فإن الشعب الفلسطيني يعيش نفس المعاناة ومن حقه تقرير مصيره في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967.

كما أن قرار محكمة العدل ليس فقط إدانة أو محاكمة لإسرائيل ولكنه أيضاً محاكمة وإدانة سياسية للولايات المتحدة الداعم الأكبر لإسرائيل سياسياً وقانونياً، وعسكرياً حيث زودتها بالأسلحة المحرمة دولياً مثل الفسفور الأبيض الذي استخدمته في غزة، كما أن حمايتها لإسرائيل في مجلس الأمن هي من شجع إسرائيل على ارتكاب جرائم في قطاع غزة وتحدي إرادة المجتمع الدولي.

ولا شك في أن مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني ووجودها في قفص العدالة الدولية لأول مرة، يمثل خطوة مهمة في اتجاه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف العدوان واستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/kvehd2mc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"