الحياة مدرسة فن الكتابة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

ما هو أهمّ شيء في فن الكتابة؟ بلا منازع، الإحساس بجمال اللغة. لا شك في أن الأقلام الواعدة، التي تتوق إلى كتابة العمود، تعترض طريقها مشكلات وإشكاليات في الاهتداء إلى تطبيق القواعد، إذا كانت قد تخرّجت في معاهد الصحافة وكليات الإعلام. وهي، في العمود تحديداً، تنظير مناهج، أمّا فن كتابة العمود فليس من السهل حصره في دروس المقرر «المكتوب على الجبين». الحيرة أبعد مدى لدى المقبل من الفرع الأدبي أو غيره. لهذا رأى القلم ألاّ حرج في إعطاء القاصدين هذا المسلك خريطة طريق مختلفة عن كل المألوف.

يقيناً، ليس العمود مقالاً وجيزاً، مثلما ليست القصة القصيرة رواية ملخّصة. في الحياة العامة والآداب والفنون صور شتى نستلهم منها أروع فنون التحرير الإعلامي، ومنها فن كتابة العمود، الذي يكون فنّاً، أو لا يكون. القلم يصف المشهد بحصان في غرفة، رأسه عند جدار وكَفَله عند الجدار المقابل، ويقال للشخص أرنا فروسيّتك. ثم إذا تاه المرء في صحراء الجزائر أو الربع الخالي، فليس الأمر بمستغرب، أمّا الضياع في غرفة ففضيحة. أن يصاب القارئ بالملل في ثلاثمئة كلمة، مأساة.

في الدبلوماسية الاجتماعية نهج بديع. حين تزور صديقاً في بيته، عليك بثلاث مراحل: تحيّة حارّة تشعره بأنك لم تحضر لقتل الوقت، ثم حديث مفيد شائق، وأخيراً، وداع يُحفظ في لوح الذاكرة، فيقال بعده: ما كان أطيب محضره. هو ذا العمود قد انتهى. لكن، ما رأيك في أن الشعر الجاهلي أفضل بكثير من مناهج معاهد الصحافة، في كتابة العمود بخاصة؟ المعلقات عملاقة في منهجية كتابة العمود، تأمل الأمر العسكري عند امرئ القيس، حين يصيح: «قفا»، استعدّ، «ستاند باي»: «قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزلِ...»، وهل سمعت صيحة عمرو بن كلثوم: «ألا هبّي بصحنك فاصبحينا»؟ وماذا عن عنترة؟: «هل غادر الشعراء من متردّمِ»؟ لغاية بعيدة كتب شعراء الجاهلية على الشعراء حتى القرن العشرين، الاستهلال بالغزل لجذب المهج وتشويقها إلى طرح البسط والتحليل. المراحل الثلاث منفّذة بدقة متناهية في الشعر الجاهلي.

في الموسيقى السيمفونية نماذج لا تحصى، خصوصاً في الافتتاح الإيقاظي. تأمل السيمفونية الثالثة لبيتهوفن، تبدأ بطرقتين كمطرقة المسرح. والخامسة بالضربات الاستنفارية، والقرعات الصارمة الأولى للبيانو في الكونشرتو رقم واحد، لتشايكوفسكي. فيها وفي الكثير غيرها مدخل: «اصح يا نايم».

لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: التجارب التي أثبتت نجاعتها عبر القرون، جديرة بالدراسة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3smwddxs

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"