من تأمّلات تربية العقل التنموي

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

ألا تحتاج تربية العقل التنموي إلى مزيد التأمّلات؟ هل قلت: بلى؟ لك ذلك. تنمية الأفكار، بنزاهة، ليست في صميم ميراثنا. الدليل هو أن الفلسفة أفلست في العالم العربي، وأن التيارات التي حاكت لها نظريات، كانت كلها حزبية تحشيديّة سلطويّة، خارت صهوتها، وانكشفت حيل فَهْلَوتها، والجماهير بردت قهوتها.

القضية ذات طابع ثقافي، لكن تسليم كل مفاتيح مغلقاتها للثقافة والمثقفين خطأ وخطل، وزَلَقٌ وزلل. قياساً على تربية العقل الناقد، يجب أن يبدأ إعداد العقل التنموي منذ الابتدائية، والأفضل قبلها. إن تنمية الأفكار، أي تنمية طريقة تفكير العقل، هي جوهر كل تربية، فإذا نشأ أداء الدماغ على تنمية الأفكار، فإن كل تطبيقات التنمية في جميع المجالات، مضمونة قطعاً.

الآليات واحدة. تأمّل كيف أن التنمية المتعثرة في جلّ البلدان العربية، لا تستثني ميداناً، لأن التنمية في أساسها طريقة أداء دماغي. إذا رأيتَ نظام التربية والتعليم معتلاًّ خارج سباق التطوير والتحديث، فلا تظنّنّ أن المناهج استثناء، وأن جميع المجالات الأخرى تمطرها السماء بالميداليات الذهبيّة.

تربية العقل التنموي نعمة لا تقدّر بثمن. قبل ثمانية قرون حظي تاريخنا بفرصة ذهبية لشروق شمس الفكر والمعرفة والفلسفة، اسمها ابن رشد. نفوه من الأرض، نبذوه وأحرقوا كتبه. التربة الأوروبية كانت ظامئةً إلى بزوغ النهضة بعد بضعة قرون، احتضنت أفكاره ورعتها. ما كان أحوج بلاد العرب، بل كل العالم الإسلامي إليها. تخيّل مثلاً: ما الذي كان يحدث من أشكال التطوّر والتقدم، لو جرت تنمية فكريّة فلسفيّة سياسيّة، انطلاقاً من كتابه الفريد في المكتبة العربية: «فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال»، الحكمة أي الفلسفة.

هي ذي ثمانية قرون مرّت عجافاً، لم تشهد فيها ثقافة العرب فلاسفة أو مذاهب فلسفية. أفلا يظل العربيّ فاغراً فاه ذهولاً، أمام مكتبة لم تزدن بكتاب واحد في بناء الدولة؟ بعيداً من الدعابة: لو جمعنا كل ما قاله القدامى في «العمل الصالح» لصار أطناناً، لكن، في غياب المؤلفات في بناء الدولة، في تاريخنا الحديث تحديداً، هل نجد كتباً في تطبيقات العمل الصالح في السياسة، الاقتصاد، الفنون، تطوير التعليم، العلاقات الخارجية؟ هكذا نكتشف أن تنمية الأفكار من خلال تربية العقل التنموي، لم تكن أمراً طرحه مباح أو تناوله متاح.

لزوم ما يلزم: النتيجة الشعريّة: هل تعرف القائل؟: لا تُوحشِ النفسَ بطرح السؤالْ: ما السرُّ في إهمال «فصل المقالْ» فإنما الفكرُ صداع الورى فدعكَ، عِشْ مسترخياً في الخيالْ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3zf4k7dh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"