المضاف إلى كتابة العمود

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

ألا يستحق الموضوع أمس «الحياة مدرسة فن الكتابة» إضافات ضرورية؟ ثمّة أشياء مهمّة لم يتسع لها المجال، مثلاً، كانت الإطلالة على الموسيقى خاطفةً ومختزلةً، اقتصرت على افتتاح العمل بما يلفت الانتباه ويشدّه. تأمل أهمية التأكيد الحضوري في استهلال السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، لا يمكن أن ينسى عشاق الموسيقى النوتات الأربع الأولى، بينما مدّة الرائعة ثلاث وثلاثون دقيقة. دخول على طريقة الحجاج: «أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا».

تلك إشارة البداية. مقدّمة الأعمال السيمفونية غالباً ما تتضمن اللحن المميز (ثيم) الذي هو عند بيتهوفن لا يمثل، مع العبقرية، سوى 10% من العمل. الباقي كله جهد في البناء. كذلك في فن العمود، يأتي بعد الافتتاح دخول جوهر الموضوع. في العمود لا مجال للفراغات والحشو، أخذاً بنصيحة المتنبي: «أعيذها نظراتٍ منك صادقةً.. أن تحسب «اللحم» في من شحمه ورمُ». كان للشحم صيت طيب قديماً. تحظى الخاتمة بعناية خاصة، يسمونها في الموسيقى العربية «القفلة». يكون فيها ربط بالبداية، مثلما يفعل قارئ القرآن، يختم بالمقام الذي بدأ به. في الطيران الحربي يقال: «وعادت الطائرات إلى قواعدها سالمة».

من الأمور التي يحسن بالمواهب الواعدة النظر فيها، ألا يشرع القلم في الكتابة قبل اكتمال رسم خريطة أمام ناظره. طرح الأسئلة على الذهن مأمون العواقب: هل الموضوع الذي اخترته مهم؟ ما جديدي فيه؟ فإن لم يكن، فهل لدي طريقة غير رتيبة لقوله؟ من أعسر العسير اختراع أفكار لم يأت بها أحد. حتى أبو العلاء يناقض نفسه، يقول: «وإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانُهُ.. لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ»، ثم ينقلب على نفسه: «ما أرانا نقول إلا قديماً.. ومُعاداً من قولنا مكروراً». تحدّى الجميع ثم ضمّ صوته إلى صوت عنترة: «هل غادر الشعراء من متردّمِ».

فن الكتابة لا ينبغي له الاستغناء عن البحث والاستقصاء مع الأناة والتروي والتدقيق قدر المستطاع. بذلك تكون الموهبة الواعدة أهلاً لاكتساب فضائل النقد الذاتي، الذي يسمّيه فيلسوف التاريخ الإيراني الراحل باستاني باريزي: «التدليك الذاتي». لا حاجة إلى اقتفاء آثار الحوليات في الشعر الجاهلي، التي كان الشاعر يقضي سنة في تحسين القصيدة، وتجنّب مواطن الزلل فيها.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاختبارية: اكتب وكأنك تكتب أوّلَ مرّة شوقاً وبهجةً وحذراً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/8y42c9ta

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"