عادي
1.3 تريليون دولار لصفقات تعتمد على الديون

مؤسسات وأفراد يكتوون بنار سداد «التمويل الرخيص»

00:13 صباحا
قراءة 4 دقائق
تكاليف الاقتراض تؤرق المستثمرين

متابعة: هشام مدخنة

تعاني الشركات التي اعتمدت الائتمان الرخيص لتمويل صفقات الاندماج والاستحواذ خلال أوقات الازدهار واقعاً مريراً يحتم عليها الوفاء بالتزاماتها وإدارة تكاليف الاقتراض الضخم، الذي بات جزءاً لا يتجزأ من ميزانياتها، دون أن تملك مقومات تلك الإدارة أو حتى القدرة على السداد، وذلك بفعل ما أنتجته الظروف الراهنة من بيئة ذات أسعار فائدة أعلى وتلاشٍ للطلب الاستهلاكي.

والمال الرخيص مصطلح اقتصادي يشير إلى قرض أو ائتمان بسعر فائدة منخفض، تقدم من خلاله الحكومات تمويلاً استهلاكياً للأفراد واستثمارياً للشركات مقابل شروط سداد مريحة وفوائد بسيطة، قد تصل أحياناً لحد الفائدة الصفرية، والهدف من ذلك تنشيط الدورة الاقتصادية.

بحثت «بلومبيرغ» تفاصيل أكبر 75 عملية استحواذ قائمة على الديون، بقيمة مجمعة تناهز ال1.3 تريليون دولار، على مدى السنوات ال5 الماضية، ووجدت أنه عندما يكون أداء ما بعد عمليات الاندماج والاستحواذ مخيباً للآمال سرعان ما تصبح أعباء الديون صداعاً للشركات والمستثمرين.

مخاطر ائتمانية

ومن الأمثلة التي ذكرتها «بلومبيرغ» استحواذ «فيليج إم دي» للرعاية الصحية، المملوكة أساساً لمجموعة التجزئة العملاقة «وولغرينز بوتس»، على شركة «ساميت هيلث» منذ عام تقريباً. حينها، أشاد المسؤولون بالصفقة وأهميتها لدفع النمو وتعزيز دور القطاع في المقام الأول، لكن بعد مرور 12 شهراً لا تزال عملية الاستحواذ البالغة 8.9 مليار دولار تكافح لسد تكاليف الاقتراض ذي الصلة.

ولاحقاً، خفضت وكالة «موديز» الجدارة الائتمانية ل«وولغرينز» إلى درجة «غير مرغوب فيها»، للمرة الأولى منذ التأسيس. مشيرة إلى ديونها المرتفعة نسبة إلى الأرباح والمخاطر. وفي أكتوبر/ تشرين الأول أشارت «إس آند بي» أيضاً إلى الصعوبات التي تواجه المجموعة في تقليص مديونيتها، والحفاظ على توليد تدفق نقدي قوي بعد موجة من عمليات الاندماج والاستحواذ التحويلية، التي فاقمت درجة المخاطر الائتمانية لها.

واليوم، تتحرك «وولغرينز» لسداد نحو 8.1 مليار دولار من الديون الطويلة الأجل، في نهاية أغسطس/ آب، بانخفاض من 10.6 مليار دولار في العام السابق، مع إجراءات لتحسين أداء أعمالها الأساسية.

أرباح افتراضية

وقال تيم آيزرت، أستاذ العلوم المالية في كلية نوفا البرتغالية للأعمال والاقتصاد: «إن الشركات الكبرى، من الصف الثاني، التي يمكنها تأمين تمويل رخيص نسبياً، كانت تجري عمليات اندماج واستحواذ كبيرة ممولة بتلك الديون، ما ألزمها بالوفاء على المدى القصير، وهو ما لم يتحقق».

وفي ظل بدء تآكل الاحتياطيات النقدية، التي تراكمت خلال جائحة كورونا، وضعف الإنفاق الاستهلاكي الذي يضرب المبيعات، وخطر الركود في الأرباح المستقبلية الذي يحوم في الأفق، ربما يكون وقت الحساب للشركات المعسرة التي تحتاج إلى إعادة تمويل ديونها قد حان.

وأعلنت مجموعة الأدوية والتكنولوجيا الحيوية الألمانية «باير» الشهر الماضي أنها تدرس عملية تفكيك محتملة يمكن أن تتراجع بموجبها عن عملية الاستحواذ المتعثرة على شركة «مونسانتو» بقيمة 63 مليار دولار.

وأشارت «بلومبيرغ» في تحليلها إلى مجموعة من الشركات الأخرى، التي باشرت عمليات اندماج واستحواذ بمليارات الدولارات في السنوات الخمسة الماضية، لكن جدارتها الائتمانية بعد ذلك تراجعت إلى حافة الخطر. ومن بينها مزود الإنترنت والكابلات الكندي «روجرز كوميونكيشنز»، وصانع العطور الأمريكي «إنترناشونال فليفر آند فراغرانس».

وأيضاً قال سريرام ريدي، العضو المنتدب في شركة الاستثمار «مان جي إل جي»، ومقرها لندن: «أدى ارتفاع تكاليف الفائدة وضعف الأرباح إلى انخفاض تغطية الفائدة لدينا وارتفاع نسب الرافعة المالية. وقد يستغرق الأمر بضعة أرباع أخرى لعكس هذا التدهور الأساسي».

كما دقت شركة الاستثمار الائتماني «أوكتري كابيتال»، التابعة ل«بروكفيلد»، ناقوس الخطر، بشأن تدهور الجودة في سوق القروض للشركات ذات العائد المرتفع، بحجة أن الكثير من الديون ذات السعر المتغير تم إصدارها على أساس افتراضات أرباح قوية لم يتم تحقيقها.

ضوابط التكلفة

ومع بدء ارتفاع أسعار الفائدة في التأثير شعر 7% فقط من كبار المسؤولين الماليين، الذين شملهم استطلاع أجراه «يو إس بنك» بأنهم «واثقون للغاية» بإدارة الوضع، لكن مع ضرورة خفض التكاليف وزيادة الكفاءة، وهو ما أقروا بأنه قد يأتي على حساب النمو المستقبلي. وبالفعل، خفض المسؤولون التنفيذيون في وولغرينز الإنفاق عن طريق إغلاق المواقع غير المربحة في إطار جهودهم لتحسين الأداء، عدا تخارج محتمل من سلسلة الصيدليات التابعة لها في المملكة المتحدة.

وفي مكان آخر، يتطلع توني ستافييري، الرئيس التنفيذي ل«روجرز»، إلى خفض مديونية الشركة، بعد أن أكمل واحدة من أكبر عمليات الاستحواذ على الإطلاق في وقت سابق من هذا العام. والتي من بعدها خفضت وكالة «إس آند بي» تصنيف «روجرز» إلى (BBB-). كما أعلنت الشركة مؤخراً بيع حصة أقلية في شركة اتصالات منافسة مقابل نحو 598 مليون دولار، وبأنها ستستخدم هذه الأموال لسد جزء من ديونها.

وتتوقع شركة «إنسايت إنفستمنت» لإدارة الأصول أن تؤدي بيئة التشغيل الصعبة إلى جعل إدارة أعباء الديون أكثر صعوبة بالنسبة للشركات، سواء ظلت أسعار الفائدة مرتفعة أو بدأت في الانخفاض العام المقبل.

فرص أوجدتها المعاناة

ومع ذلك، بالنسبة للمستحوذين الجدد الآخرين، فإن الحاجة إلى التنقل في بيئة أسعار فائدة أعلى، وتأثير ذلك على المستهلك، لا تعني إغلاق الباب أمام المزيد من إبرام الصفقات. حيث أبدى سبعة من المديرين التنفيذيين الماليين الذين انخرطت شركاتهم في عمليات اندماج واستحواذ في السنوات الأخيرة، بما في ذلك شركة الإعلام والترفيه «وارنر براذرز» وشركة البرمجيات الألمانية «ساب»، رغبتهم في مواصلة البحث عن الفرص.

وقال فريزر وودفورد، نائب الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في «وارنر براذرز»: «إن خفض الديون ونمو التمويل لدينا يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/28s7wnfe

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"