الكويت و«نقمة» الديمقراطية

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
2

كانت الكويت منذ استقلالها عام 1961 تمثل تجربة ديمقراطية رائدة في منطقة الخليج خاصة والمنطقة العربية عامة، لما شكلته من حالة متفردة في مجتمع تهيمن فيه أنماط الحياة الاجتماعية التقليدية وتحكمه العلاقات القبلية والعشائرية، ولكنه مع ذلك استطاع أن يشكل نقطة ضوء في الحياة الديمقراطية، فأرسى قواعد التعددية والمشاركة وحكم الشعب وفق ضوابط محددة ظلت ترافقه في كل السنوات التالية وترسخت في الدستور الدائم عام 1962 وحكم القانون والانتخابات الديمقراطية، وعلى هذا الأساس اتخذت الحياة السياسية مسارها السلمي، وترسخت معها المؤسسات السياسية والاجتماعية.

لكن هذا المسار شهد خلال العقود القليلة الماضية حالة من التراجع، والخروج عن القيم الديمقراطية، ما أدى إلى إشكاليات متواصلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وحالة عدم انسجام بينهما نتيجة صراعات على مصالح شخصية في الغالب لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية العليا كما يفترض في الأنظمة الديمقراطية.

وإذا كانت الانتخابات في النظم الديمقراطية ليست هدفاً في حد ذاتها، بل أداة وآلية للتعبير عن مشاركة الشعب في ممارسة السلطة عبر ممثليها الشرعيين المنتخبين، حيث يكون الشعب هو مصدر السلطات، فإن الانتخابات تحولت في الكويت إلى خيار شكلي في الممارسة، حيث ارتدّت نتائجها سلباً على الممارسة السياسية للنواب داخل البرلمان، وقد تجلى ذلك مع تنامي تيارات الإسلام السياسي والقبلية التي بدأت تشكل قوة شعبية ذات خلفيات دينية تعمل على تحقيق أهداف تتجاوز المصلحة الوطنية العامة، بكل آثارها السلبية، وباتت هذه القوى تؤثر في خيارات الناخبين وتوجهاتهم.

كانت هناك حياة سياسية حقيقية وحركات شعبية فاعلة، وقوى معارضة قادرة على الفعل ومؤثرة في المشاركة الشعبية بالقرار، لأنها كانت تنطلق من أساس وطني ومن أجل الخدمة العامة، وبما يصب في مصلحة الشعب الكويتي، لكن الأمور تبدلت وسادت المماحكات والمعارضات وصار الصراع بين الحكومات ومجالس الأمة طقساً سياسياً يتكرر مع كل انتخابات ومجلس أمة جديد.

لذلك لم يأت قرار أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح يوم الخميس الماضي بحل مجلس الأمة من فراغ، بل كان في إطار محاولة إصلاح خلل في الممارسة الديمقراطية، بعدما تجاوز مجلس الأمة ثوابت دستورية في احترام مقام الأمير، من خلال استخدام أحد النواب عبارات «ماسة وغير منضبطة» خلال مناقشة الرد على الخطاب الأميري، ورفض النواب شطب هذه المداخلة من «محضر» المجلس. وكان الأمير الذي تولى السلطة في 16 ديسمبر/ كانون الأول قد ندد في أول خطاب له بأداء السلطتين التشريعية والتنفيذية، واتهمهما بانتهاج سياسة «أضرت بالعباد والبلاد في ممارساتهما».

ليست المرة الأولى التي يتم فيها حل مجلس الأمة في الكويت (50 نائباً)، فقد تم حله من قبل 11 مرة، كان آخرها عام 2022، وأجريت انتخابات عامة في 29 سبتمبر/ أيلول من نفس العام، إلا أن المحكمة الدستورية أبطلت نتيجة الانتخابات، وعاد المجلس المنتحب عام 2020 لممارسة مهامه، لكن أعيد حل المجلس في مايو/ أيار الماضي، وأجريت انتخابات جديدة في 6 يونيو/ حزيران، وتم تشكيل الحكومة الجديدة في مطلع العام الحالي برئاسة الشيخ محمد صباح السالم الصباح.

لقد أدت المواجهات المستمرة بين مجلس الأمة والحكومة إلى تعطيل المشاريع وتوقف الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وتعثر الاستثمارات، ما بات ينعكس سلباً على الحياة الديمقراطية، الأمر الذي بات يستدعي التوصل إلى تجديد في النهج السياسي وفي ترسيخ نظام انتخابي وطني خارج أطر «الفزعة القبلية»، والاستقطاب الديني والمذهبي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/bddk5k52

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"