عادي
بيوت سعيدة

الزواج.. آية إلهية في عمران الأرض

23:44 مساء
قراءة 5 دقائق

شرع الله الزواج لحِكم سامية، وغايات نبيلة وفوائد جليلة، وأمر بتيسير أسبابه، لأنه هو الطريق السليم للتناسل، وعمران الأرض بالذرية الصالحة. ولم يشأ الله، تبارك وتعالى، أن يترك الإنسان كغيره من المخلوقات، فيدع غرائزه تنطلق من دون وعى، ويترك الاتصال بين الذكر والأنثى فوضى لا ضابط، له كما هو الحال عند الحيوان، بل وضع النظام الملائم الذي يحفظ للإنسان كرامته، ويصون له شرفه، فجعل اتصال الرجل بالمرأة اتصالاً نظيفاً، طاهراً، قائماً على أساس التراضي والتفاهم.

وضع الله للغريزة طريقها المأمون، وحمى النسل من الضياع، وصان المرأة أن تكون دمية بين أيدي العابثين، أو كلأ مباحاً لكل راتع.

يقول د.رمضان المحلاوي في كتابه «من أخلاق الإسلام»: رغّب الإسلام في الزواج بصور متعددة للترغيب، فتارة يذكر أنه من سنن الأنبياء، وهدي المرسلين، وأنهم القادة الذين يجب علينا أن نقتدي بهداهم، قال تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً»، سورة الرعد الآية 38، وتارة يذكره في معرض الامتنان، قال تعالى: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ» سورة النحل الآية72، وأحياناً يتحدث عن كونه آية من آيات الله، قال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، سورة الروم الآية21.

ولأن أصل الزواج في الإسلام هو حلول السعادة والمودة والرحمة، ولأن الدافع الأول لهذا الزواج هو تلك المزايا التي يتحلى بها الزوجان من سعة الصدر والأناة والمداراة والتلطف، تحرّكها عوامل المودة والرحمة، وهما عماد البيت الذي يبقي على سكينة النفس، ويجعلها حقيقة مدركة في الحياة، وهما أيضاً دستور السعادة، وحسن المعاشرة بين الزوجين التي تجعل كلاً منهما يشعر بأنه متمِّم للآخر، وأنه متمَّم به أيضاً.

والآية نصت على أن الحقوق بين الزوجين متبادلة طبقاً لمبدأ كل حق يقابله واجب، وبهذا التوزيع تكفلت هذه القاعدة بتحقيق التوازن بين الزوجين، من كل النواحي، ما يدعم استقرار حياة الأسرة واستقامة أمورها، وحلول السعادة بينهما.

الطمأنينة النفسية والسكينة التي تغمر الزوجين من أهم ثمرات الزواج الصالح، بل إنها من الحِكم العظيمة التي شرع الزواج من أجلها. ووثق الله سبحانه عرى الرابطة الزوجية بهذا السكن النفسي فقال سبحانه «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا» سورة الأعراف 189.

وهذا السكن النفسي بين الزوجين يُعد آية من آيات الله سبحانه، لذلك نجد المحبة والألفة تزدادان وتتعمقان يوماً بعد يوم داخل بيت الزوجية. وقد يتردد المرء في قبول الزواج، فيحجم عنه خوفاً من الاضطلاع بتكاليفه، وهروباً من احتمال أعبائه، فيلفت الإسلام نظره إلى أن الله سيجعل الزواج سبيلاً إلى الغنى، وأنه سيحمل عنه هذه الأعباء، ويمده بالقوة التي تجعله قادراً على التغلب على أسباب الفقر، قال تعالى: «وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»، سورة النور الآية 32.

وأمَرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بالمسارعة للزواج فور الاستطاعة فقال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» رواه البخاري. و«الباءة»هي الاستطاعة المادية والصحية، فمتى توافرت في مسلم وجب عليه الزواج، ولو كان في سن مبكرة.

ورغّب الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، في الزواج، ولما يترتب عليه من اكتساب ونيل السعادة بين الزوجين، فكان صلّى الله عليه وسلّم أولاً يحض على الزواج، لأن هذا ما شرعه الله لنا: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة»، أخرجه البيهقي. وفي حديث الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف».

وكان، صلّى الله عليه وسلّم، يحض على حسن الاختيار لجلب السعادة الزوجية بين الزوجين، ويؤكد أن المرأة خير كنز يضاف إلى الرجل، روى مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قال: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة». وعن أبي أمامة، رضي الله عنه، عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه يقول: «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خير له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله»، رواه ابن ماجه. وقد يخيّل للإنسان في لحظة من لحظات يقظته الروحية أن يتبتل وينقطع عن كل شأن من شؤون الدنيا، فيقوم الليل، ويصوم النهار، ويعتزل النساء، ويسير في طريق الرهبانية المنافية لطبيعة الإنسان، فيعلّمه الإسلام أن ذلك مناف لفطرته، ومغاير لدينه، وأن سيد الأنبياء، وهو أخشى الناس لله وأتقاهم، كان يصوم ويفطر، ويقوم وينام، ويتزوج النساء، وأن من حاول الخروج عن هديه فليس له شرف الانتساب إليه. روى البخاري ومسلم عن أنس، رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي، صلّى الله عليه وسلّم، يسألون عن عبادته، صلّى الله عليه وسلّم، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أصلى الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: لما نزل قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»، سورة التوبة الآية 34، كنا مع رسول الله في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذهب والفضة، لو علمنا أي المال خير فنتخذه، فقال رسول الله: «أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه»، أخرجه أحمد.

والإسلام يدعو المرأة المسلمة إلى أن تكون سبباً في سعادة زوجها، وبالتالي تسعد هي معه، وأيضاً كما يبحث الرجل عن المرأة الصالحة لتكون سبباً لجلب السعادة له في الدنيا والآخرة أيضاً، يجب أن تبحث المرأة عن الرجل الصالح ليكون سبباً لجلب السعادة لها في الدنيا والآخرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/27xarnrt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"