عادي

«لسان العرب»..80 ألف مادة لغوية في كتاب

22:46 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ
محمد بن مكرم ابن منظور الأنصاري (630 ه / 1232 م - 711 ه / 1311 م)، لغوي وأديب وعالم في الفقه الإسلامي ومؤرخ مشهور، ولد في القاهرة وقيل في طرابلس، تتلمذ في مسيرته التعليمية على عدة شيوخ، من بينهم: عبد الرحمن بن الطفيل، ويوسف المخيلي، وأبو الحسن علي بن المقير البغدادي، والعالم الصابوني، ليبرع في علوم كثيرة، مثل: الفقه وما يتصل به من علوم أهّلته لأن يصير قاضياً، والتاريخ والفلك، والأدب، وعلوم اللغة، عمل في ديوان الإنشاء بالقاهرة، ثم تولى القضاء في طرابلس، أصيب بالعمى في أواخر حياته، وعاد إلى مصر وبها توفي.

كانت حياته زاخرة بالعلم والمعرفة، حتى قيل إنه ترك أكثر من 500 مخطوطة، ما بين تأليفه أو اختصاره لكتب سواه، قال عنه ابن حجر: «كان مُغرى باختصار كتب الأدب المطوّلة»، وقال عنه الصفدي: «لا أعرف في الأدب كتاباً مطولاً إلا وقد اختصره»، بالإضافة إلى أنه نسخ العديد من الكتب القديمة التي كادت أن تندثر، ومن أشهر كتبه: معجم «لسان العرب» في اللغة، و«أخبار أبي نواس»، و«مختار الأغاني» الذي اختصر فيه كتاب «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني، وجرّده من الأسانيد والمكرر، ورتب تراجمه على حروف المعجم، ومختصر «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي في عشرة مجلدات، ومختصر «تاريخ دمشق» لابن عساكر، ومختصر «مفردات ابن البيطار»، ومختصر «العقد الفريد» لابن عبد ربه، ومختصر «زهر الآداب» للحصري، ومختصر «الحيوان» للجاحظ، ومختصر «يتيمة الدهر» للثعالبي.

ثراء

إن «لسان العرب» هو أكبر كتاب جمع ما تضمنته المعاجم التي سبقته، فأغنى الكثيرين عن غيره من كتب اللغة، في الوقت الذي لا تستطيع تلك الكتب أن تغني عنه مجتمعة؛ إذ جمع كل ما تفرق في تلك المعاجم وسواها من المصنفات اللغوية، ليقدم مادة غنية، جعلت منه كُتُباً عديدة في كتاب واحد، فهو مصنّف في اللغة والتفسير والحديث والفقه والأدب والتاريخ، لا يمكن لأي دارس لتراث اللغة العربية والإسلام الاستغناء عنه.

وحول ما يهدف إليه من تأليف هذا المعجم يقول ابن منظور: «وإني لم أزل مشغوفاً بمطالعات كتب اللغات والاطلاع على تصانيفها، وعلل تصاريفها، ورأيت علماءها بين رجلين: أمّا من أحسن جمعه فإنه لم يحسن وضعه، وأما من أجاد وضعَه فإنه لم يُجِد جمعه، فلم يُفد حُسنُ الجمع مع إساءة الوضع، ولا نفعت إجادة الوضع مع رداءة الجمع، ولم أجد في كتب اللغة أجمل من «تهذيب اللغة» لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، ولا أكمل من «المحكم» لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده الأندلسي، رحمهما الله، وهما من أمهات كتب اللغة على التحقيق... غير أن كلاًّ منهما مَطلب عَسِرُ المهلك... وكادت البلاد لعدم الإقبال عليهما أن تخلو منهما، وليس لذلك سبب إلا سوء الترتيب، وتخليط التفصيل والتبويب، ورأيت أبا نصر إسماعيل الجوهري قد أحسن ترتيب مختصره (صحاح اللغة) وشهَّره بسهولة وَضْعه... غير أنه في جوّ اللغة كالذَّرة، وفي بحرها كالقصرة... وهو مع ذلك قد صَحّف وحَرّف... فاستخرت الله سبحانه وتعالى في جمع هذا الكتاب المبارك الذي لا يُساهَم في سعة فضله ولا يُشارك، ولم أخرج فيه عمَّا في هذه الأصول، ورتبته ترتيب «الصحاح» (ترتيب نظام القافية) في الأبواب والفصول».

ولا يدعي ابن منظور أنه نقل عن العرب العرباء ذوي اللغة الأصيلة في البادية، ولا أنه شافههم، ولا سمع منهم ولا شد الرحال لمعايشتهم؛ حيث اكتفى بما كان من ذلك مع الأزهري وابن سيده، اللذين برهنا من خلال المادة التي أورداها في كتابيهما على أنهما قاما بذلك على أكمل وجه، وهو ما جعله يعتمدهما كأهم مصدرين من مصادر معجمه؛ حيث يعترف بأن لا فضل له في هذا الكتاب سوى أنه جمع ما تفرَّق من اللغة في الكتب التي يرى أنها أوثق المصادر، مع نقله الأمين لما ورد في تلك الكتب، فلم يزد على أنه قصّ منها ما يرى ضرورة إيراده في هذا الكتاب، وهو المنهج الذي طلب ممن ينقل عنه الالتزام به.

ورغم أنه رتب الكتاب على نظام التقفية، إلا أنه قام باستثناء حيث صدّره - بَعد المقدمة - ببابين خاصين، أولهما حول تفسير الحروف المقطعة التي وردت في أوائل سور القرآن الكريم، خلافاً لما قام به الأزهري الذي جعلها في آخر كتابه، ويُبرر ابن منظور ذلك بكونها تنطق مفرّقة، أما الباب الخاص الثاني فهو باب حول ألقاب الحروف وطبائعها وخواصها، ليأتي بعد هذين البابين بفصول الحروف الأخرى تباعاً، فجاءت مادة الكتاب بأكثر من ثمانين ألف مادة لغوية، وهو ما لم يكن في أي معجم قبله ولا بعده.

وكانت أول طبعة ل «لسان العرب»، هي تلك المشهورة باسم «طبعة بولاق»، من طرف المطبعة الأميرية بالقاهرة، سنة 1882م، في عشرين جزءاً، ضمّتها عشرة مجلدات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc4rm7yx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"