عادي

«القاموس المحيط»..السِّفر اللغوي الأعظم

23:20 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ
مؤلف معجم «القاموس المحيط» أبو طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروز آبادي (729-817ه) إمام لغوي شهير، ولد في «كارِزون» بإيران، في فترة العصر المغولي، حيث ظهرت علامات ذكائه في صغره.

أدرك الأب أن ابنه لديه مهارة لغوية فريدة، فقد أخذه إلى مشاهير علماء شيراز ليتقن علوم اللغة وما اتصل بها، فتتلمذ على عدة شيوخ، مثل: القوام عبد الله بن محمود بن النجم، وشمس أبي عبد الله الأنصاري، حتى تخرّج نابغة، ولكنه لم يكتف بذلك، فرحل إلى بغداد، وواسط، ودمشق، وحماه، وحلب، والقدس، والقاهرة، والروم، والهند، ومكة، واليمن الذي استقبله مَلِكه الأشرف وولاه قضاءه، فاستقر وبدأ التدريس وكثر تلاميذه، فكان منهم.

نال حظوة كبيرة لدى العلماء والحكام، حتى قال عنه ابن حجر: «ولم يُقدّر له قط أنه دخل بلداً إلا وأكرمه متولّيها، وبالغ في إكرامه»، وقال التقي الكرماني: «كان عديم النظير في زمانه، نظماً ونثراً بالفارسية والعربية»، وقد ترك الكثير من المؤلفات، منها: «القاموس المحيط»، و«تحبير الموشين في التعبير بالسين والشين»، و«المثلث الكبير».

دأب

لم يكن من الصدفة أن يصير «القاموس المحيط» أشهر معاجم اللغة العربية على الإطلاق، واسمه الكامل «القاموس المحيط، والقابوس الوسيط، الجامع لما ذهب من كلام العرب»، واشتغل عليه مؤلفه الفيروز آبادي حتى جعل منه مرجعاً أساسياً من مراجع اللغة العربية، بما حواه من معلومات نفيسة في شتى المجالات، وصار الناس بعده يطلقون على كل مُعجم كلمة «قاموس» التي تعني «البحر العظيم»، وقد بلغ من شيوع الاستعمال وكثرة التداول والدراسة ما لم يبلغه مُعجم قبله، فغَدا منذ ظهوره الملاذ اللغوي الأول للعلماء والأدباء والمختصين في علوم الدين والأدب، وسواهما من العلوم الأخرى، وشُرح واختُصر وشُرحت خطبته وألفت عليه عدة حواشٍ، وترجم إلى عدة لغات.

يقول نصر أبو الوفاء الهوريني في شرحه لديباجة «القاموس المحيط»: «اعلم أن القاموس اشتمل على 28 باباً على ترتيب أ. ب. ت ... إلخ، غير أنه قدّم باب الهاء على باب الواو والياء، وأما في الفصول فالواو مقدمة على الهاء، وهي قبل الياء، ثم إن بعض الأبواب مستكمل الفصول».

انتهج الفيروز آبادي في القاموس نظام التقفية (ترتيب الألفاظ حسب أواخر حروفها)، بعد تجريد اللفظ من أحرف الزيادة، وذلك لثبات لام الفعل في الكلمة، بينما تدخل الزيادات على أول اللفظة في أحوالها المختلفة، حيث تصبح طريقة استخراج المعاني من القاموس بفتح باب آخر حرف في الكلمة الأصلية، ثم الذهاب إلى فصل أول حرف منها، مثل: كلمة «عين»، فهي في باب النون وفصل العين.

كما استخدم المؤلف في القاموس تسعة رموز، هي: (م) معروف، و(ع) موضع، و(د) بلد، و(ه) قرية، و(ج) جمع، و(جج) جمع الجمع، و(ججج) جمع جمع الجمع، و(و) المادة أصلها واويّ، و(ي) المادة أصلها يائيّ.

وقد تناول عدة علماء خطبته بالشرح، مثل: الشيخ نصر أبو الوفاء الهوريني، والشيخ زين الدين محمد بن عبد الرؤوف المناوي القاهري، والشيخ أبو العباس أحمد الهلالي السجلماسي، وشرح آخرون متنه، مثل: العلامة شمس الدين محمد بن الطيب الفاسي في كتابه «إضاءة الراموس وإضافة الناموس على إضاءة القاموس»، والإمام اللغوي محمد بن مرتضى الزبيدي في مُعجمه «تاج العروس، من جواهر القاموس»، كما اختُصر ولُخِّص في عدة كتب، منها: «مختصر القاموس» للشيخ علي بن أحمد الهيتي، و«ملخص القاموس» للشيخ أبي العباس أحمد بن علي الأندلسي الفاسي، و«إحكام الإعراب عن لغة الأعراب» لجبرائيل فرحات، و«التكملةُ والذيل والصِّلة لما فات صاحب القاموس من اللغة» للغوي مرتضى الزبيدي أيضاً، وألفت عليه كذلك عدة حواشٍ، منها: «حاشية على القاموس» للشيخ نور الدين علي المقدسي، و«القول المأنوس بتحرير ما في القاموس» للشيخ بدر الدين القرافي، و«حاشية على القاموس» للشيخ أبي العباس أحمد الأندلسي الفاسي، ولم يقتصر انتشاره على الثقافة العربية، بل تُرجم إلى عدة لغات، منها إلى التركية: «الأوقيانوس البسيط في ترجمة القاموس المحيط» لعاصم أفندي، ومنها إلى الفارسية: «ترجمان اللغة» لمحمّد يحيى القزويني، و«القابوس في ترجمة القاموس» لحبيب الله القنّوج.

أول تحقيق له كان من طرف الشيخين أحمد بن محمد الشرواني وأوحد الدين بن علي البلجرامي، فطبع لأول مرة في أربعة أجزاء، من طرف مطبعة كلكتا في الهند سنة 1232ه، كما حققه الشيخان نصر الهوريني ومحمد قطة العدوي، ليطبع مرتين في مطبعة بولاق بمصر سنة (1272ه) وسنة (1303ه).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5xfhzsu4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"