مأزق ترامب في محاكمة «أموال الصمت»

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

جرت أحداث وتطورات الانتخابات الرئاسية والنيابية سريعة، بسبب انشغالات الولايات المتحدة بملفات السياسة الخارجية شديدة التعقيد، خاصة ملف الحرب الأوكرانية، وملف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وملف العلاقة الأمريكية مع الصين، والمسعى الأمريكي لتكتيل الحلفاء في أوروبا والشرق الأقصى لاحتواء الصين.

لم يبق من الزمن غير خمسة أشهر ونصف الشهر، على الانتخابات الرئاسية التى ستجرى في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. ورغم ضيق الزمن فإن السباق أضحى محموماً بين المرشحَين اللدودَين: الديمقراطي جو بايدن، والجمهوري دونالد ترامب، في ضوء ما تظهره استطلاعات الرأي من تقارب حاد بين المرشحّين، الأمر الذي بات يفرض على كل منهما البحث في كيفية التغلب على التحديات التي تواجه حملتيهما الانتخابية، والتفرغ لكسب الأصوات، بخاصة في الولايات الست متأرجحة الولاء بين الديمقراطيين والجمهوريين: أريزونا، ونيفادا، وويسكونسن، وميتشغان، وبنلسفانيا، ونيوهامبشير.

وإذا كان جو بايدن مطالباً بأن يتغلب على «إخفاقاته»، أو ما يعتبر إخفاقين، حسب رؤية منافسيه الجمهوريين، بخاصة ملفَّي الاقتصاد والهجرة، فضلاً عن الانقسامات المتفاقمة داخل الحزب الديمقراطي، من جانب اليساريين الليبراليين، والمردود السلبي للتظاهرات الطلابية الرافضة لسياسة بايدن المفرطة في انحيازها لإسرائيل في حربها ضد الشعب الفلسطيني، في غزة، فإن دونالد ترامب مطالب بأن يتغلب على «محاكماته» التي يهدد بعضها فرصة مشاركته في الانتخابات، إذا دين فيها، أو تؤثر سلبياً في حملته الانتخابية إذا أجريت محاكمتها قبيل موعد الانتخابات الرئاسية.

فالرئيس الأمريكي السابق ترامب، يواجه ثلاث محاكمات جنائية، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كان ستجرى فعلاً أي منها قبل الانتخابات الرئاسية، ويواجه في اثنتين منها تهماً تتعلق بمحاولته قلب نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020 التي فاز فيها جو بايدن، في حين يتهم في دعوى ثالثة بسوء التعامل مع وثائق سرية بعد تركه البيت الأبيض عام 2020.

وكانت المحكمة العليا الأمريكية قد باشرت (الخميس 25/4/2024) النظر في ادّعاء ترامب بأن لديه «حصانة» ضد أية ملاحقات قضائية على أفعال قام بها أثناء وجوده رئيساً في البيت الأبيض. موعد هذه المحاكمة التي ستجرى في واشنطن العاصمة يثير جدلاً واسعاً، لأن موعد المحاكمة يمكن أن يؤثر في مستقبل ترامب سياسياً بوصفه المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للانتخابات الرئاسية، ويمكن للمحكمة أن تصدر حكمها في أي وقت بعد المرافعات، وصار مؤكداً أنها ستفعل ذلك قبل أجازة الصيف في أواخر يونيو/ حزيران، أو أوائل يوليو/ تموز المقبلين، ما قد يدفع بأي محاكمة إلى التأثير في حملة الانتخابات الرئاسية.

وفضلاً عن هذه الخطورة يواجه ترامب تطورات دراماتيكية في ما بات يعرف بمحاكمة «أموال الصمت»، وهي المحاكمة الجنائية الرابعة التي يواجهها ترامب أمام محكمة ولاية مانهاتن بمدينة نيويورك، بعد الاعترافات المهمة التي أدلت بها الشاهدة الرئيسي في القضية نجمة الأفلام الإباحية السابقة «ستورمي دانيالز»، واسمها الحقيقي «ستيفاني كليفورد»، والمتهم فيها ترامب بدفع أموال للممثلة الإباحية بهدف الصمت وعدم إفشاء أسرار علاقتهما قبل الانتخابات الرئاسية عام 2016.

فبعد أن أدت «ستورمي دانيالز» اليمين القانونية (الثلاثاء 7 مايو/ أيار الجاري)، أدلت بشهادتين مهمتين في القضية، فاقمت من تعقيداتها بالنسبة إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، إذ اعترفت في الشهادة الأولى بأنها أقامت علاقة جنسية مع ترامب في جناح فندقه بعد ملاحقة طويلة منه. وفي الشهادة الثانية اعترفت بأنها وبعد عشرة أعوام من تلك «العلاقة» تلقت مبلغ 130 ألف دولار في ختام الحملة الانتخابية الرئاسية مقابل «التزام الصمت بشأن العلاقة الجنسية التي أقامتها مع ترامب»، ويقع هذا المبلغ في صلب القضية التي يحاكم بشأنها ترامب حالياً، حيث يتهم ترامب بتزوير سجلات تجارية للتستر على دفع 130 ألف دولار لدانيالز لشراء صمتها.

ترامب الذي حضر الجلسة، نفى ما حدث ووصف اعترافات دانيالز بأنها «هراء». لكن أياً من هذا النفي والوصف لن يؤثر في مسار المحاكمة التي ما زالت مفتوحة لجلسات أخرى للاستماع إلى باقي الشهود والمرافعات، والتي يمكن أن تنتهي بإصدار إدانة لترامب سوف تؤثر سلبياً في مسار حملته الانتخابية، إضافة إلى النتائج المحتملة للمحاكمات الثلاث الأخرى التي يعتبرها ترامب «مؤامرة» يحوكها الديمقراطيون، ومنافسه الرئيس بايدن.

عودة ترامب للتركيز على وصف «المؤامرة» أعاد للأذهان ضرورة أخذ تهديدات ترامب بتفجير أحداث العنف، إذا لم يفز في الانتخابات المقبلة، رغم وجود تأكيدات من جانب كثير من رموز «الحزب الجمهوري» أن هذه المحاكمات لن تؤثر في دعم الجمهوريين وانحيازهم لانتخاب ترامب رئيساً، في ظل قناعات بأن «معركة ترامب الانتخابية هي معركة الجمهوريين السياسية»، بخاصة تيار «الإنجيليين»، و«العنصريين» الذين لم يتسامحوا مع الديمقراطيين لفرض «رئيس أسود»، هو «باراك أوباما» في الانتخابات الرئاسية السابقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ed2mucdf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"