كتب بترجمات مختلفة

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

دون الدخول في التفاصيل والأمثلة، سنلاحظ أن عدداً من أشهر الروايات، وكذلك الكتب الفكرية والفلسفية، المكتوبة بلغات أجنبية، خاصة الفرنسية والإنجليزية والروسية، وبشكل أقلّ باللغتين الإسبانية والألمانية، ترجمت أكثر من مرة من قبل مترجمين مختلفين إلى العربية، وبتفاوت ملحوظ، ففي حين نقرأ ترجمات سلسة تُظهر مهارة وتمّرس من قام بها، نجد ترجمات أخرى تُصعّب من محتوى ما تُرجم، وفي حالات كثيرة تُنفّر القارئ من الكتاب المترجم، حين يستعصي عليه، بسبب سوء الترجمة، ولوج عالم الكتاب المعني، ما يحمله على عدم إكمال قراءته.

التفاوت في مستوى الترجمة لا يأتي فقط من تفاوت قدرات المترجمين، وإنما أيضاً مما إذا كان الكتاب تُرجم مباشرة من اللغة الأصلية التي كُتب بها، لا عبر لغة وسيطة. ففي بدايات ترجمة الأدب الأجنبي إلى العربية، سادت الترجمة من اللغتين الإنجليزية والفرنسية بالذات، لأنّ عدد من يتقنونهما من المترجمين أكبر كثيراً من عدد متقني بقية اللغات المهمة الأخرى، كالروسية والألمانية والإسبانية والصينية واليابانية، فضلاً عن التركية والفارسية، إذا ما تحدثنا عن اللغات التي جمع العربَ مع أقوامها تاريخٌ بعيد، فكان أغلب ما ترجم من أدب مكتوب بها تمّ عبر لغات وسيطة.

ترجمة أي عمل من لغته الأصلية إلى لغة أخرى تفقده شيئاً أو أشياء، بسبب اختلاف سياقات وفضاءات اللغات، ولذا فإن النص المترجم عبر لغة وسيطة ثالثة، يفقده أشياء إضافية غير تلك التي فقدها في ترجمته الأولى إلى تلك اللغة الوسيطة، لكن مع تزايد أعداد المترجمين العرب المتمكنين من لغات أخرى غير الإنجليزية والعربية، صرنا نقرأ ترجمات مترجمة مباشرة من لغاتها الأصلية، ولعل في مقدّمتها اللغة الروسية، بسبب تطوّر العلاقات الثقافية – العربية في الحقبة السوفييتية خاصة.

نقرأ أحياناً تساؤلات من قبيل: لماذا يقوم مترجم عربي بإعادة ترجمة أعمال أدبية أجنبية سبق أن ترجمت؟ ولماذا لا يتوجه إلى ترجمة أعمال أخرى لم يسبق ترجمتها إلى لغتنا، كي يوسّع من دائرة تعرّفنا إلى أدب الثقافة المعنية، لكننا لا نرى في ذلك نقيصة، فتعدد الترجمات للعمل نفسه مفيد وليس ضاراً، لسببين على الأقل؛ أولهما تمكين القارئ من المفاضلة بين الترجمات المختلفة لروايةٍ ما مثلاً، ليجد في إحداها متعة لم تفلح بقيّة الترجمات في تحقيقها، أما السبب الثاني فهو أن هذا التعدد في ترجمة الأعمال، الشهيرة خاصة، يسهم، بدوره، في تحقيق الانتشار للعمل الذي تعددت ترجماته، فمن لم تصله ترجمة سابقة للعمل، يتاح له أن يقرأه في ترجمة جديدة لاحقة، قد تصدر بعد سنوات، أو حتى عقود، من صدور الترجمة، أو الترجمات، السابقة لهذا العمل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4856tpvs

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"