«بتعرفي عربي»؟

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

منذ أن وقع بين يدي كتاب «خلوة الغلبان» للحكّاء المبدع إبراهيم أصلان لا أملّ من العودة إليه. الكتاب ليس كبير الحجم، عدد صفحاته حوالي 130 صفحة، لكني آثرت ألا أقرأه من الغلاف إلى الغلاف كما يقولون. سأقرأه بالتدريج بشكل انتقائي، في كل مرة سأنتقي حكاية وأقرأها، وأقف عندها حتى تحين قراءة أخرى، فالكتاب مجموعة حكايات كتبها أصلان بأسلوبه الساحر، وفي كل حكاية شحنة من المتعة تُوفرها لنا كقرّاء. هي ليست حكايات متخيّلة، إنما هي مشاهدات للكاتب، يمكن أن تعدّ في نطاق اليوميات، حتى لو لم يصفها هو بذلك.

إحدى حكايات «خلوة الغلبان» تدور حول سفرة قام بها إبراهيم أصلان مع جمال الغيطاني إلى معرض للكتاب في سانت إتيان بفرنسا. سنفهم أن الرجلين سافرا معاً كثيراً لحضور فعاليات مشابهة في عدة بلدان، وفي كل سفرة يسلم أصلان للغيطاني كل شيء: جواز السفر، تذاكر الطائرة أو القطار وبرنامج الرحلة كاملاً، وينسى كل شيء. الغيطاني يتدبر كل الأمور، فهما لا يفترقان في السفر إلا قليلاً حين ينشغل أحدهما بلقاء خاص أو أي أمر من هذا القبيل.

هذا ما حدث في سانت إتيان. رتّب الغيطاني لقاء لأصلان مع كاتبة إيطالية في خيمة المعرض وقال له: نلتقي بعد الغداء. حين انتهى اللقاء تاه أصلان في المعرض بحثاً عن صاحبه. كان عليه أن يعود إلى الفندق. أوصاه الغيطاني بأن يحتفظ ببطاقة الفندق دائماً ليريها سائق أي تاكسي ليأخذه إليه، لكن أصلان لم يعرف أين يجد مواقف التاكسي.

وهو في حيرة من أمره جلس أصلان على العتبة العليا في درج رخامي، علّه يجد أحد ضيوف المعرض ليعرف منه كيف السبيل لمواقف التاكسي، لكن دون جدوى. وفي الأثناء تتقدم نحوه فتاة في العشرين من عمرها حسب تقديره، تعمل في لجان تنظيم المعرض، لاحظت حيرته وتحاول مساعدته.

خاطبته باللغة الفرنسية التي لا يعرفها، فلم يفهم شيئاً، سألها إن كانت تعرف الإنجليزية علّه يستطيع التفاهم معها، فلم ترد بالإنجليزية، وإنما قالت له بالعربية: «قليل!». لنا تخيّل فرحة الرجل حينها، ونتصور تعابير وجهه وهو يقول لها: «الله! انت تعرفي عربي؟»، فردت بخجل وأسى: شوية.. شوية! هذه ال «شوية.. شوية» سمحت لأصلان بأن يتفاهم مع دليلة، وهو اسم الشابة التي عرف منها أن أصلها مغربي، ولما قرأت في البطاقة المعلقة على صدره أنه من مصر، قالت إنها تحبّ عبد الحليم وأم كلثوم وشادية عندما تسمع أغانيهم، وأنها مقيمة في مدينة ليون وتأتي كل صباح بالقطار لتلتحق بعملها. للحكاية بقيّة اقرؤوها في «خلوة الغلبان»، ستجدونها هناك أجمل بكثير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4fpbkkpa

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"