عادي

ندرة النصوص الجديدة.. الأزمة الأولى للمسرح

23:35 مساء
قراءة 7 دقائق
1

الشارقة: علاء الدين محمود

ندرة النصوص الجديدة مشكلة تواجه المسرح العربي بصورة عامة، وهي المعضلة نفسها التي تجابه صناع العروض المسرحية في الدولة، غير أن الابتكار دائماً ما يكون حاضراً من خلال طرح حلول عبر استعادة الكتابات المسرحية القديمة، ومقاربتها، بما يخدم الوقت الراهن، أو من خلال معالجة لنصوص عالمية، أو عربية، وفي كل الأحوال يحضر في هذه القضية وبصورة طاغية، دور المخرجين في مواجهة شحّ النصوص، ذلك أن المخرج هو المؤلف الثاني للنص، من حيث تأويله ومعالجته بما يخدم العرض المسرحي.

ومن خلال حديث عدد من المسرحيين من المخرجين والكتاب ل«الخليج»، فإن هناك مطالبة واسعة بضرورة تفعيل الورش التدريبية في الكتابة المسرحية، وأن تولي المؤسسات الثقافية دوراً أكبر لهذه القضية، بخاصة أن هناك كتاباً كباراً برزوا في الإمارات، ويمكن الاستفادة من تجاربهم من أمثال: إسماعيل عبد الله، وناجي الحاي، وجمال مطر، وعبد الله صالح، وصالح كرامة، ومرعي الحليان، وجمال سالم، ومحسن سليمان، وغيرهم.

المخرج إبراهيم القحومي، وصف ندرة النصوص المسرحية الجديدة بالأزمة الكبيرة، داعياً إلى أهمية أن يتوجه الشباب الجدد في مجال الكتابة نحو الورش المتخصصة من أجل إنتاج أعمال تخدم «أبو الفنون» في الإمارات، حيث إن الاعتماد على الأجيال الشابة مسألة تبدو في غاية الأهمية، لأن الكتاب الكبار هم على أصابع اليد الواحدة، وهذا يتطلب البناء والتأسيس عبر تقديم العون للمؤلفين الجدد الذين طرقوا هذا المجال الصعب، ويقول القحومي: «لابد من تأسيس المؤلفين، ودعمهم، بخاصة من أبناء وبنات الدولة، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية النهوض بالمسرح الإماراتي، وهو أمر يتطلب الاهتمام بالكتابة المسرحية المعبّرة عن الواقع المحلي».

إبراهيم القحومي

وأكد القحومي وجود مواهب بحاجة إلى التشجيع، فهناك الكثير من الممثلين، والمخرجين، والمشتغلين في بقية عناصر العرض المسرحي، بالتالي لابد من الاهتمام بالكتّاب والكتابة، فالكثير من الدول العربية تعالج هذه المسألة عبر الندوات والورش التي تقام بواسطة الفرق الفنية، والمؤسسات الثقافية، ودوائر الثقافة، فلئن كانت هناك أزمة واضحة، إذن، لابد من تضافر الجهود من أجل التصدّي لها، وحلّها.

  • أفكار جديدة

وذكر القحومي أن المخرج دائماً يفكر في ما هو جديد، فالتجربة المسرحية في الدولة الآن صارت كبيرة وقديمة، وخلال مسيرة «أبو الفنون»، في الإمارات، تم طرح الكثير من القضايا، الآن هنالك العديد من المتغيرات على جميع الصّعد، ولابد من رؤى، وأفكار، ومواضيع، ومعالجات، وتقنيات جديدة في الكتابات المسرحية، فالقضايا العادية ما عادت تغري المخرجين، ومن المهم مواكبة المتغيرات العصرية، ولابد من منطقة جديدة للمخرجين، وفي هذا الصدد، فإن معالجة الكتابات القديمة لا تكفي، فمن الضروري خوض تجارب جديدة تعالج بصورة مبتكرة، وفي هذا السياق فإن التجريب والبحث مسألة في غاية الأهمية.

وأوضح القحومي أن هنالك مشكلة أخرى تبرز في مسألة الكتابة، حيث إن بعض المؤلفين صاروا يتجهون نحو الكتابة للدراما التلفزيونية، فهي توفر العائد المادي والانتشار، كما لفت القحومي إلى أن هنالك، بالفعل، اشتغال على النصوص العالمية، من أجل مقاربتها، وإسقاطها على الواقع المحلي، وكذلك الكتابات العربية، غير أن ذلك الأمر لا يغني عن النصوص المحلية، فالمؤلف المحلي هو ابن البيئة، وهو أدرى بقضايا وشواغل المجتمع، والأقدر على رصد المتغيرات، وتحليل وتفسير الظواهر الجديدة.

أما المخرج إبراهيم سالم، فقد نقل الحديث نحو نقطة شديدة الأهمية، عندما لفت إلى أن الأزمة ليست في شحّ الكتابات المسرحية، بل تحديداً، في ما يتعلق بالطرح، وكيفية تناول القضايا، حيث إن النصوص موجودة، ولكن النادر هو تلك التي تنتمي إلى الكتابة المؤثرة التي تصنع الفعل الدرامي بخاصة، في مجالات الحبكة، وتطور الصراع، والحدث، والفعل الدرامي، وصناعة الشخصيات، وبناء الحوارات، وذلك أمر في غاية الأهمية، لأن القضية لا تنحصر في وجود نص فقط، بل إلى أي مدى يعتبر ذلك النص صالحاً للعمل المسرحي؟ ومن هنا، لابد من التركيز على الورشة التدريبية المخدومة، بحيث تكون متخصصة، ويقوم عليها متخصصون في الكتابة المسرحية، بشروطها الأكاديمية، ولابد من أن يكون لدوائر الثقافة إسهام بارز في ذلك الأمر، مشيداً بالدور الكبير الذي ظلت تبذله إدارة المسرح في دائرة الثقافة في الشارقة، حيث قدمت العديد من الورش المتخصصة والعلمية.

إبراهيم سالم
  • تشابه

ولفت سالم إلى أن المشكلة الثانية التي تبرز في الحديث عن أزمة النصوص المسرحية، هي الكتابات المتشابهة، وذلك يظهر بصورة كبيرة في المهرجانات المسرحية العربية، بشكل عام، حيث إن هذا التشابه يؤكد بالفعل وجود أزمة، بخاصة في ما يتعلق بكيفية كتابة النص المسرحي، واختيار المواضيع، ومراعاة الحالة الدرامية في النص، حيث تبرز هنا قضية مهمة وهي ضرورة التفريق بين «الحالة الدرامية»، و«الحالة الفكرية»، إذ إن الكثير من النصوص تحمل أفكاراً ورؤى، لكنها ليست موظفة بصورة محكمة ومتقنة بصورة درامية، أو بما يخدم الفعل الدرامي، ولابد من الانتباه لذلك الأمر للمشتغلين في مجال الكتابة، فالتجارب الكثيرة أوضحت أن هناك تقارباً غريباً على مستوى الحكاية، والقصة، وتوظيف الشخوص بذات الطريقة.

وذكر سالم أن هنالك كتّاباً جدداً من أجيال الشباب، لكن تعترضهم الكثير من الصعاب والتحديات، فالكتابة المسرحية لا تدر ربحاً، لذلك يتجه أصحاب المواهب نحو التلفزيون، كما تبرز كذلك مشكلة الترويج لنصوص الشباب والكتّاب الجدُد، وهو أمر يجعل الكاتب، بخاصة الذي هو في مرحلة البدايات، غير قادر على الاستمرار والعطاء.

  • رؤية

المخرج الشاب سعيد الهرش، أشار إلى أن هنالك العديد من النصوص والكثير من الكتّاب، إلا أن المشكلة تكمن في وجود النص المناسب الذي يخدم رؤية المخرج، موضحاً أن الوقت الراهن يحفل بالكثير من الأحداث، وهنالك تطور في التناول، وكذلك على مستوى الرؤى والمعالجات الإخراجية، بالتالي فإن النص القديم قد لا يتناسب مع العصر ومتغيراته ومشاكله، وحتى النصوص المنتجة في تسعينيات هذا القرن، باتت غير مناسبة، لأن تقدم للمسرح والجمهور، ولابد من حالة اختراق، وبحث عن جديد عبر كتابة مختلفة وجديدة.

سعيد الهرش

وأقر الهرش بإمكانية إعادة إنتاج النصوص القديمة، عبر عمل جاد من المؤلف ونفسه، وكذلك من قبل المخرج الذي لابد أن يقدم إضافته ومقاربته، ويطرح حلوله على النص القديم عبر عملية التأويل، وقال الهرش: «النصوص موجودة، ولكن قليلة هي المواكبة والتي تخدم الرؤية الإبداعية للمخرج».

  • دور النشر

وشدد الهرش على أهمية وجود نصوص جديدة وصالحة من خلال الاهتمام بالكتّاب، والمواهب الجديدة، مشيراً إلى ضرورة أن يكون للمؤسسات الثقافية دور في الترويج لمنتج المؤلفين الجدد، وأوضح الهرش أن دور النشر لا تفضل طباعة ونشر المؤلفات المسرحية، لأنها لا تباع بصورة جيدة، ودعا إلى الاهتمام، إلى جانب الورش، بالمسابقات والجوائز، وطباعة الأعمال الفائزة، وكذلك الاهتمام بالمسرح المدرسي، عبر تحفيز النشء وتشجيعهم على الكتابة المسرحية.

من جانبه أكد الكاتب المسرحي صالح كرامة، أهمية أن تكون هنالك نصوص جديدة، نسبة لأن هنالك واقعاً مختلفاً، ومتغيرات جديدة في العصر الراهن، ما يؤثر في الحراك الاجتماعي، ويتطلب ذلك بذلاً في مجال الكتابة التي تعبر عن المتغيرات الاجتماعية، والمهم أن يتحلى المؤلف بالقدرة على المواكبة والتصدي لكل ما هو جديد والتعبير عن القضايا المشاكل الراهنة.

صالح كرامة
  • هروب

وذكر كرامة أن العديد من المؤلفين وصناع المسرح في الدولة، بدلاً من التفرغ لعملية التأليف الجديد، فإنهم يمارسون الهروب نحو الماضي، والتاريخ، والتراث الشعبي، والكتابة عن تلك المواضيع من أجل إسقاطها على الواقع، والحاضر، وذلك يعزز من الأزمة بدلاً من معالجتها، لأن الكتابة بتلك الكيفية تهمل وجود قضايا جديدة، ومتغيرات في الوقت الراهن، هي إذن «كتابة ماضوية»، بحسب تعبير كرامة، غير متصالحة مع الواقع، ولا تريد أن تنفتح على التطور الكبير للمجتمع في المجالات المختلفة.

وشدّد كرامة على أهمية الطاقات الشبابية في التصدي للكتابة المسرحية، لأن الأجيال الجديدة هي الأقدر على التعبير عن الواقع الجديد، حيث إن المؤلفات القديمة لا تسعف في معالجة قضايا العصر الراهن، خاصة تلك التي تقوم بتوظيف التراث، وأحداث الماضي، حيث إن الوقائع التي جرت في التاريخ القديم لا تتكرر بذات التفاصيل القديمة، فهي تحمل بالضرورة قضايا جديدة.

وأكد كرامة، أن المعالجة للنصوص العالمية تتم في الإمارات، والعالم العربي، بصورة انتقائية، ومختلّة، إذ تتم الاستعانة بتيارات ومدارس فكرية مسرحية معينة، وهذا أمر لا يصلح في مجابهة مشاكل اليوم، فبعض الفرق المسرحية استهلكت نفسها في استلهام أفكار معينة مستمدة من مدرسة «العبث»، التي لا تصلح كل أفكارها في التصدي للظواهر الموجودة في الوقت الحالي، وقال كرامة: «معظم الكتابات المسرحية الغربية القديمة، جاءت لتعالج ظواهر كانت سائدة وقت إنتاجهم لنصوصهم، وهي مرتبطة بالحقبة الزمنية التي كتبت فيها، ولابد من رؤى مختلفة في التصدي للقضايا والظواهر الجديدة تبذل حولها الرؤى الفكرية والفلسفية بما يخدم إنتاج العروض المسرحية».

  • تثقيف

ولفت كرامة إلى أن الاهتمام بالورش مسألة مهمة، ولكن على الكاتب أن يشتغل على نفسه بصورة أكبر، من حيث التثقيف، وتحصيل على المعارف، والاطّلاع على الكتابات، والأفكار، والتيارات الجديدة، وكذلك الغوص في الواقع المحلي وقضاياه من أجل إنتاج نصوص تعبّر بصورة جيدة عن البيئة المحلية.

من جهته، ذكر الكاتب محسن سليمان، أن ما يحدث في مجال الكتابة المسرحية لا يبدو مبشراً، وتسود أجواء قاتمة لا تشجع على الإبداع، فهنالك أزمة حقيقة ليست في التأليف المسرحي، ولكن في الاختيار والتعامل مع المتاح، فعلى الرغم من وجود الجوائز والمسابقات، واهتمام المؤسسات الثقافية المهتمة بالمسرح، إلا أن اختيار النصوص المسرحية يخضع ل«الشلليات»، وتتحكم فيها علاقات المعرفة، والصداقة، والاعتبارات الشخصية.

وذكر سليمان أن الساحة الإبداعية في مجال «أبو الفنون»، تفتقر إلى مسألة تسليط الضوء على الكتّاب والمؤلفين المسرحيين، بل يتم التركيز على المخرج، والممثل، وبقية عناصر العرض المسرحي، وذلك يجافي فلسفة ذلك الفعل المبدع، حيث إن العمل المسرحي هو متكامل في الأساس، ويحتل فيه الكاتب المكانة الأبرز، حيث إن المخرج يأتي بعد المؤلف، لكن في الواقع يتم تجاهل هذه الحقيقة.

وأكد سليمان إلى أن هناك حاجة ملحّة إلى صناعة الكاتب عبر تشجيع المؤلفين، وتثبيت أقدام الشباب منهم، موضحاً أن الساحة فيها كتاب مميزون، مثل إسماعيل عبد الله، وعدد من الكتاب الآخرين، ولابد من بذل الجهود من أجل أن يكون العدد أكبر، عبر الاعتراف بمكانة المؤلف نفسه، وقيام الورش التدريبية والتأهيلية.

  • تجاهل

وذكر سليمان أن من الغرائب في الساحة المسرحية الإماراتية، أن يتم تجاهل الفائزين في المسابقات المسرحية، وعدم الأخذ بنصوصهم التي فازت، مشيراً إلى أنه صاحب تجربة شخصية، فعلى الرغم من فوزه بجوائز لنصوص كثيرة قام بتأليفها، لكن لم تهتم المهرجانات المسرحية إلا بنص واحد له، معتبراً أن ذلك يؤكد بالفعل، وجود أزمة، حيث إن الاعتماد على مؤلف، أو مؤلفين، يعني غياب التعدد، والتنوع، والخبرات الأخرى، وهو أمر لا يخدم الفعل المسرحي في الدولة.

وقال سليمان: «الكتابات المسرحية موجودة، ولكن الأزمة في كيفية اختيار النصوص من قبل المخرجين، ومنتجي العروض، حيث تتم هذه العملية وفقاً للعلاقات الشخصية»، لافتاً إلى أن الفرق المسرحية ظلت دائماً تعتمد على مؤلفين معينين، وأسماء محددة، في حين أن هناك العديد من الكتاب، كما أن هناك اشتغالاً على إعداد نصوص قديمة وغير عميقة، وكذلك هناك توظيف لكتابات عالمية بشكل مكرر، في حين يتم تجاهل النصوص الجديدة بشكل غريب، وغير مبرر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdzc2d8d

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"