عادي
مواطنون يرصدونها بين المنشآت ومن «الرف» إلى «الكاشير»

تفاوت الأسعار.. أخطاء أم احتيال يستنزف جيوب المستهلكين؟

01:48 صباحا
قراءة 8 دقائق

تحقيق: عدنان عكاشة

يثير التفاوت في أسعار السلع الاستهلاكية والمنتجات التجارية ذاتها، بين منشأة وأخرى، وبين «الرف» وصندوق الدفع «الكاشير» داخل المنشأة الواحدة، حفيظة المستهلكين، الذين يطالبون، مع عدد من المختصين، بفرض موازين دقيقة ومعايير واضحة لتسعير السلع، ووضع شروط منصفة لتفاوت الأسعار، في حال وجود مبرر للتفاوت، لكن وراء هذا التباين في السعر، وفقاً لمتخصصين، أسباب وعوامل عدة، بعضها مشروع، وبعضها الآخر يعد نوعاً من الغش التجاري والتحايل، بينما قد تنتج بعض الحالات عن «أخطاء بشرية»، لا أكثر.

إبراهيم بوقفل، رب أسرة، يقول إنه رصد حالات عدة لتباين الأسعار بين مراكز التسوق، منها بيع عبوة شاي في أحد الأسواق بما يراوح بين 17-18 درهماً، في حين تباع السلعة ذاتها في سوق آخر ب24 درهماً، مشيراً إلى أن بعض أصحاب المراكز التجارية يطلقون التخفيضات على بعض المنتجات دون مراعاة لحقوق المستهلكين، عبر إدراج منتجات ذات تواريخ صلاحية «قصيرة الأجل» ضمن تلك العروض، بدون أن يتنبه المستهلك لذلك، ما يؤدي إلى نفاد صلاحيتها قبل استهلاكها في بعض الحالات، فيما يقرون التسعيرة المناسبة لهم دون مراعاة حقوق المستهلك، ومن أمثلة ذلك ما يحدث في محال خياطة الملابس الرجالية والنسائية، بجانب الاختلاف بين أسعار الخضراوات والفواكه، والمغالاة فيها لدى بعضهم.

الصورة
  • مكاتب صغيرة بالأسواق

ويقترح بوقفل فتح مكاتب صغيرة في كل مركز تجاري، وفي الطرق، التي تكثر فيها المحال التجارية، للتسهيل على المستهلكين في مراجعة الجهة المختصة مباشرة، وتقديم ملاحظاتهم وشكاواهم، لكونها قريبة، وبواسطة تلك المكاتب تكثف الرقابة على المنشآت التجارية.

  • تضخم وتلاعب

ويرى أن الحل الأمثل هو تشديد قبضة الرقابة، وتعزيز خطط العمليات التنفيذية، وجعلها واضحة للجمهور، ما يقود إلى محاربة تضخم الأسعار وتلاعب التجار بأسعار مستلزمات واحتياجات المستهلك، في معيشته وحتى في بناء مسكنه، بجانب كبح جماح المغالاة في أسعار تأمين السيارات، داعياً الجمهور إلى النظر في تاريخ صلاحية المنتجات، التي تعرض ضمن «التخفيضات». ويؤكد بوقفل أهمية تشديد الرقابة على خدمات مكاتب الاستشارات الهندسية والمقاولين، في عمليات بناء مساكن الأهالي، من حيث جودة العمل والأمانة في أدائهم.

  • لوحات الأسعار

المواطن يوسف بخيت السويدي، رب أسرة متقاعد، يقول: إنه واجه حالات عدة اشتكى فيها من اختلاف الأسعار بين منشأة وأخرى، مطالباً بإقرار تسعيرة محددة للسلع والخدمات، والرقابة على أسعار المخابز، والحلاقين، ومحال الشاي، مثلاً، والعمل على توحيدها وفق فئات محددة، لافتاً إلى غياب «لوحات التسعيرة» والسعر مقابل كل سلعة، في المحال والمراكز التجارية.

  • ردود

وينوه السويدي بأن بعضهم يكتفي بالرد على الشكاوى بهذا الاتجاه بالقول: «لا تشتر من المحل، الذي ترى أن سعره غير مناسب، واشتر من غيره»، فيما ردت عليه إحدى الجهات: سنبحث القضية في المستقبل القريب، وفي ردٍ ثالث قيل له: هذه سوق حرة ومفتوحة.

الصورة
  • محدودو الدخل

السويدي يرى أن هناك جزءاً كبيراً من الأهالي من محدودي الدخل، وهم جزء لا يتجزأ من مجتمعنا، سواء من الإخوة المقيمين، ممن تقوم عليهم الكثير من الخدمات، أو بعض المواطنين أصحاب الرواتب والدخل المحدود، ممن يتأثرون بتفاوت الأسعار وارتفاعها.

  • «عروض خادعة»

السويدي يقول إنه رصد صنفاً من مسحوق الغسيل في أحد الأسواق بقيمة 58 درهماً، وفي سوق استهلاكي آخر ب78، والأغرب أن السوق الأخير يدعي أن السعر لديه هو «عرض»، وأحياناً يحدث التفاوت والتناقض السعري داخل المنشأة ذاتها؛ حيث سبق له أن عاين التفاوت بين «الرف» و«الكاشير»، إذ يكون على الرفوف، مثلاً ب15 درهماً، وعند جهاز كشف الأسعار تجده ب20 درهماً، في حين أن المخابز ومحال الشاي والحلاقين يتحكمون بالأسعار في ظل تفاوت ملموس بينها، داعياً إلى ضبط منحنيات الأسعار وتوحيدها.

  • الهم الأول

عبدالله سالم الشميلي، رب أسرة، يقول: إن اختلاف الأسعار من سوق استهلاكي إلى آخر، ومن مركز تجاري إلى مركز آخر، حقيقة ميدانية وواقع معيش يواجهه المستهلكون في أسواقنا، لكنه مشكلة لا تكاد تذكر، وهو ليس هماً يؤرق المستهلكين في المقام الأول؛ حيث إن الهم الأول هو الغلاء وارتفاع أسعار السلع.

  • إجراءات

ويوضح فيصل عليون، مدير إدارة الرقابة والحماية التجارية في دائرة التنمية الاقتصادية برأس الخيمة، حول شكاوى بعض المستهلكين من تفاوت السعر بين «الرف» و«الكاشير» داخل المنشأة الواحدة، أن الدائرة تبادر لمعاينة الشكوى وإرسال أحد الموظفين للتأكد منها، وفي حال ثبوتها يتم مخالفة المنشأة لعدم مطابقة سعر المنتج المدوّن على «الرف» مع السعر الموجود لدى الصندوق، ومخالفة المنشأة بقيمة 1000 درهم.

  • شكاوى محدودة
  • وعن عدد الضبطيات والشكاوى، التي تلقتها الدائرة، يشير عليون إلى عدد قليل، مبيناً أنها تعتمد على ملاحظات المستهلكين وعلى التفتيش الدوري من قبل الإدارة المختصة.
  • حماية المستهلك

محمد خليفة المهيري، رئيس جمعية الإمارات لحماية المستهلك، يرى أن تفاوت الأسعار بين مراكز التسوق يصب في صالح المستهلك، حيث إن تعدد منافذ البيع يخلق بينها التنافس في جذب أكبر عدد من المستهلكين، والمستهلك يذهب إلى ما يناسب ميزانيته، وهو ما تبلور أكثر بعد غلاء الأسعار، حيث يذهب إلى أكثر من منفذ بيع لشراء احتياجاته، وهذا في حد ذاته يعد سلوكاً صحياً، في ظل كثرة المنافذ وتوافر السلع ورقابة الدولة وسياسة منع الاحتكار.

  • أصناف المستهلكين

يضيف المهيري: هناك أنواع متباينة من المستهلكين، حيث منهم من يحب الذهاب إلى المراكز و«المولات» الكبرى، وهناك نوع يفضل أن يشتري حاجياته من منافذ البيع الصغيرة، فالتنوع دائماً يكون في صالح المستهلك، ولكن في حال أن أي منفذ كانت الأسعار لديه أعلى من المعدل الطبيعي يكون بذلك مخالفاً ويحق للمستهلك تقديم شكوى بحقه، وتقوم الجهات المختصة بمخالفته.

  • مخالفة صريحة

وحول اختلاف السعر أحياناً بين «الرف» و«الكاشير» يقول المهيري: «المنطق أن نجد السعر عند دفع حساب أي مشتريات مطابقاً لسعر «الرف»، أما إذا وضع أي منفذ بيع سعراً على الرفوف، وعند الدفع يكتشف العميل أن السعر مغاير، فهذا الفعل مخالف للقانون، حيث يعد مخالفة صريحة، تستوجب غرامة تصل إلى ٢٠٠٠ درهم، وتتضاعف حال التكرار، بينما يتوجه «المفتش» للتحقيق في الواقعة، وإذا وجدها صحيحة، فإنه يطبق المخالفة».

ويؤكد رئيس «الإمارات لحماية المستهلك»: يجب على منافذ البيع التدقيق في الأسعار، خصوصاً خلال «العروض»، حيث يكون السعر الجديد أحياناً غير موجود على «سيستم الكاشير»، ولكن عند تدارك الخطأ يعدل فوراً وهو «خطأ فردي» ويفترض ألا يتكرر، أما إذا تعمد منفذ البيع وضع سعر مغاير لسعر «الكاشير» فذلك يعد خداعاً للمستهلك، وعليه تكون مخالفة تستوجب العقوبة القانونية.

  • الوعي الاستهلاكي

وينبه المهيري: يتوجب على المستهلك أن يكون واعياً بحقوقه وواجباته الاستهلاكية، وعليه أن يبلغ الجهات المعنية، لافتاً إلى أن جمعية الإمارات لحماية المستهلك هي صوت المستهلك، وتسعى دائماً للاستماع للمستهلكين، بمختلف آرائهم وشكاواهم.

  • واجبات وحقوق

ويؤكد أن قسم الشكاوى بالجمعية تلقى شكاوى واستفسارات من المستهلكين حول المحورين، ودورنا هو التوجيه والنصح وحل الشكاوى، إذا تطلب الأمر منا ذلك، وعرضها في حال عدم الحل أو عدم تجاوب منافذ البيع، على الجهات المختصة، لتكليف قسم التفتيش بالتحقق من الشكوى، وإذا وجد أنها صحيحة تطبق المخالفات على المنافذ المخالفة. وتسعى جمعية الإمارات لحماية المستهلك لتوعية المستهلكين بواجباتهم وحقوقهم.

  • أسباب مختلفة

الدكتور سهل الروسان، مستشار اقتصادي، يعزو اختلاف الأسعار بين المنشآت التجارية إلى أسباب عدة، من بينها موقع المنشأة التجارية، فالتي تتخذ موقعاً مرتفع الإيجار تختلف عن نظيراتها، التي تستأجر وتمارس أعمالها في مواقع ذات إيجار منخفض، وارتفاع كلفة الإيجار ينعكس على كلفة السلعة، وهو ما يرتد بالتالي على سعرها.

  • العرض والطلب

العامل الثاني من وجهة نظر د. الروسان، يتعلق بظروف العرض والطلب، والتي تختلف من مكان إلى آخر، وحيث يكون الطلب أكبر على سلعة معينة، يمكن للتاجر الاستفادة من هذا الظرف برفع سعر السلعة، ثم تأتي «الكلفة التشغيلية» ، فإدارات الأسواق والمؤسسات التجارية تتفاوت في إدارة النفقات وقدراتها الإدارية ومهاراتها التجارية؛ حيث إن بعضها يمتلك الكفاءة، التي تمكّنه من خفض الكلفة التشغيلية، وتساعده على خفض أسعار السلع، بينما يخفق الآخرون، ما يفضي إلى ارتفاع الكلفة التشغيلية للمنشأة التجارية، الأمر الذي ينعكس على ارتفاع أسعار السلع.

  • السوق المستهدف

ويقول د. الروسان: من الأسباب الأخرى ل«فروق الأسعار» للسلع ذاتها بين المحال والمنشآت التجارية، طبيعة ومستوى السوق، الذي يقصده المستهلك، أو ما يمكن وصفه ب(السوق المستهدف)، «Target Market»؛ حيث إن المنشآت الواقعة ضمن مناطق ذات مستوى اقتصادي ودخل مرتفع، يكون المستهلك صاحب قدرة شرائية عالية، ولا يعير اهتماماً لفرق السعر وارتفاعه مقارنة بمناطق وأسواق أخرى، بينما يتحرى المستهلك ذو الدخل المحدود في المناطق الشعبية، ذات المستوى الاقتصادي المحدود، الأسعار الأقل، حتى لو كان الفارق «درهماً» أو «درهمين»، وهو ما يراعيه التاجر، بخفض الأسعار في المناطق الشعبية، ورفعها في المناطق ذات الدخل المرتفع.

  • حرب الأسعار

ويذهب المستشار الاقتصادي إلى بعدٍ آخر، يتعلق ب«المنافسة» بين المنشآت والمراكز الاستهلاكية والتجارية؛ إذ تخلق المنافسة بينها نوعاً من حرب الأسعار أو حرق الأسعار، حتى يستأثر كل طرف بأكبر قدر متاح من «الكعكة»، أو يفوز بأكبر نصيب من السوق وبالنسبة الأعلى من المستهلكين، عبر تخفيض الأسعار، لا سيما المنشآت، التي تبيع المنتجات ذاتها وهي توجد في منطقة واحدة، وكلما كانت المنافسة أشد بين التجار، صبّ ذلك في صالح المستهلك، بحصوله على أسعار أفضل.

  • العقلانية المقيدة

ويبين الروسان أن الاحتيال من قبل بعض المنشآت التجارية، عبر اختلاف السعر بين «الرف» و«الكاشير»، وارد في الواقع الميداني في السوق، باللعب على العامل النفسي للمستهلك، وهو ما يعرف اصطلاحاً ب(العقلانية المقيدة)، في الإنجليزية «Bounded rationality»، والذي يقع فيه بعض المستهلكين، حيث يضطر المستهلك للتغاضي عن الفارق البسيط في السعر، أو يشعر بالحرج من مواجهة الموظفين والمنشأة؛ إذ يجد أن الأسلم هو التغاضي عن فارق السعر البسيط نسبياً، مثل درهم أو درهمين، بعد أن وضع مشترياته في «عربة التسوق»، أو اشترى المنتج وانتهى الأمر، بدلاً من خوض مواجهة ومشكلة مع المنشأة، والإصرار على إرجاع المنتج، حيث يوفر على نفسه تلك المشاكل والمواجهة بالتغاضي عن ذلك الفارق، وهو بحاجة إلى ما اشتراه، مقابل الفارق البسيط في السعر، فيما تجني المنشأة من «فارق السعر» مع تكراره وكثرة المشترين أرباحاً مجزية.

  • إجراءات رادعة

ويؤكد د. الروسان أهمية التصدي للظاهرة واتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة، باعتبارها شكلاً من أشكال «الغش التجاري»، مضيفاً: هذا لا يعني أن كل اختلاف في السعر بين «الرف» و«الكاشير» هو عملية احتيال، فقد يكون سعر السلعة الحقيقي أعلى مما يجده الزبون عند الدفع، وقد يكون أقل، الأمر الذي يرجع إلى أسباب مختلفة، منها الاحتيال، ومنها أخطاء بشرية طبيعية، مثل الخطأ في «التسعير»؛ حيث قد يتغير السعر في النظام «السيستيم» دون أن يواكبه تعديل السعر على السلعة، أو عدم تبديل ملصق السعر عليها «الليبل»، ما ينتج عنه اختلاف السعر بين الرف وصندوق الدفع، وهي أخطاء يفترض ألا تقع، لكنها تحدث في الواقع، وقد يكون هناك عرض تخفيضي على سعر السلعة، لكنه انتهى، فيما لم تبدل المنشأة أو الموظف المختص ملصق السعر الخاص ب«العرض الترويجي»، وربما حدث العكس؛ حيث يجد المستهلك السعر عند الدفع أقل من المدوّن على «الرفوف»، بسبب بدء عرض ترويجي، بدون مبادرة المنشأة إلى وضع السعر المخفض على السلعة أو الرف.

ومن أبرز الأسباب، وضع العامل المكلف أو بعض «الزبائن» للمنتجات في غير موضعها الصحيح، على الرفوف؛ حيث يضع السلعة في موضع سلعة أخرى، ذات سعر أعلى أو أقل، وقد تكون السلع متشابهة، لكنها من علامات تجارية مختلفة، وبالتالي تختلف أسعارها دون أن يتنبه المستهلك إلى ذلك.

  • الحل الأمثل

ويرى الروسان، أن الحل الأمثل هو التأكد من سعر السلعة بواسطة «الباركود»، وبالتالي يستطيع «الزبون» معرفة السعر الصحيح، الأمر، الذي لا يفعله كثير من المتسوقين، وقد تحدث أخطاء فنية في النظام «السيستيم»، وهي أخطاء واردة، بين ماكينات التسعير وعملية ربطها بالكمبيوتر، أو قد يكون الخطأ «يدوياً» من جانب العامل، في إلصاق السعر الخاص بسلعة محددة على سلعة أخرى، أو الخطأ في طباعة ملصق السعر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2rsuumm2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"