عادي

قنوات تلخيص الكتب.. القراءة في عصر الـ «دليفري»

22:20 مساء
قراءة 9 دقائق
قنوات تلخيص الكتب.. القراءة في عصر الـ «دليفري»

الشارقة: جاكاتي الشيخ

بعدما كان الجميع في العالم العربي يخشى على الأجيال الجديدة من الضياع والابتعاد عن المعرفة، وبعد ما ظن الجميع أن زمن الاهتمام بالكتب والقراءة قد أفل، خاصة مع ظهور مواقع الإنترنت وانتشار منصات التواصل الاجتماعي، وما سببته من استحواذ على عقول وأوقات هذه الأجيال، بزغت من بين ثنايا تلك المواقع والمنصات قنوات متخصصة في نشر ثقافة قراءة الكتب والتعريف بها، نتناول نماذج منها هنا.

لا شك أننا نعيش في عصر الفضاءات المفتوحة الذي شهد تدفقاً معلوماتياً وإمكانية للانتشار والوصول لم يسبق لها مثيل، وهو ما استغله البشر حول العالم محاولين الاستفادة منه مادياً ومعرفياً، فصار البعض صناع محتوى، واكتفى الآخرون باستقبال ذلك المحتوى، كلٌّ حسب رغبته أو هواه، واتسم أغلب ما تموج به هذه العوالم بالتفاهة وانعدام الفائدة، وبدا من بين ما يسعى إلى الجدية في هذا الخضم مجموعة من المواقع والقنوات الهادفة إلى نشر المعرفة، كتلك التي تتخصص في نشر ثقافة قراءة الكتب في العالم العربي.

تسهم هذه القنوات بشكل ما في نشر ثقافة القراءة، والتعريف بالعديد من الكتب العربية والأجنبية، وكان لها دور لافت في توجيه شريحة عريضة من المتابعين في الوطن العربي، في الوقت الذي كان فيه جل المحتوى الرقمي في المنطقة يبتعد عن كل ما هو ثقافي أو تعليمي، مقتصراً على الترفيه والرياضة وغيرها من المجالات الأخرى، إلا أن الإقبال الكبير والزيادة المطّردة للمشتركين في هذه القنوات ومشاهداتها عَكَس مدى تأثيرها، ذلك التأثير الذي يرى بعض المتابعين أن العديد من أصحاب تلك القنوات استغله لتحقيق أهداف مادية لم تكن ضمن الأهداف التي أطلقوا على أساسها قنواتهم، حيث تحول بعضها إلى مؤسسات ربحية، وصارت أخرى تتعاقد مع مؤسسات النشر لترويج كتب محددة داعية إلى ضرورة اقتنائها، بالإضافة إلى أن الطريقة التي يقدمون بها الكتب قد تكون سبباً في اكتفاء المتابعين بتلك الملخصات وعزوفهم عن قراءة الكتب. هي قراءة أشبه بالجلوس في البيت وطلب الطاعم من الخارج، حيث الوجبات الخفيفة التي لا تتطلب أي مجهود.

  • تبسيط

أُنشئت قناة أخضر على منصة اليوتيوب سنة 2015 من طرف محمد أسامة، المتخصص في مجال الصيدلة، والذي يعمل كذلك في مجال البرمجة، وهي قناة تُطِلُّ على المشاهدين بلونها الأخضر الفاتح المستوحى من اسمها، والذي يحيل إلى أنها واحة كتب وقراءة، حيث تعتمد طريقة إعداد ونشر الفيديوهات، مع إمكانية تحميلها والاستماع إليها من دون إنترنت، ويوجد بها الآن 467 فيديو، وبلغت مشاهداتها أكثر من 84 مليون مشاهدة، فيما يشترك فيها 2.29 مليون مشترك، بالإضافة إلى مئات الآلاف من المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى.

1

وقد بدأت فكرة القناة مع مؤسسها كطريقة لتبسيط أهم الكتب وأكثرها إفادة، من أجل تقديمها لأكبر عدد ممكن من المشاهدين والقراء في الوطن العربي، وذلك من خلال تلخيصها وعرضها في فيديوهات قصيرة لا تتجاوز مدة الواحد منها 15 دقيقة.

ومن أهم المميزات التي أسهمت في نجاح هذه القناة، وقوة تأثيرها في رواد شبكة الإنترنت، بمختلف منصاتها: جودة الكتب التي تعمل على تلخيصها، وتنوع مجالاتها، وأسلوبها السردي الشيق، واعتمادها على الرسم أثناءه، وإدراج الصور والرموز التي تلعب دوراً كبيراً في شد انتباه المشاهد والمستمع، ومنتديات النقاش التي تفتحها حول الكتب على منصاتها، بالإضافة إلى اعتمادها لخاصية كتابة المحتوى لمن يرغب في قراءته دون مشاهدة الفيديوهات، كما أصبحت تعتمد لغة الإشارة من أجل إشراك فئة الصم في الاطلاع على عالم الكتب.

وتحتوي القناة الآن على مكتبة رقمية كبيرة، تتوزع مجالاتها على 16 قسماً هي: التنمية الذاتية، والسياسة والاقتصاد، وريادة الأعمال، والتسوق والمبيعات، والمال والاستثمارات، والصحة واللياقة، والقيادة والإدارة، ومهارات التواصل، والفكر والفلسفة، والعلوم الإسلامية، وعلم النفس والاجتماع، والسير والتاريخ، والعلوم والمعارف، والأبوة والأمومة، والعلاقات العاطفية، والتكنولوجيا والمستقبل.

يقول مؤسس القناة أسامة في إحدى حلقاته: «لم أكن أتوقع تحقيق هذا المستوى من النجاح»، وذلك ما قد يؤكد شكوك بعض المتابعين بخصوص الهدف الربحي للقناة، خاصة بعد استحداثها لعضوية مميزة مدفوعة لمن يرغب.

  • سرد مميز

«جيل يقرأ» هي قناة تعليمية ترفيهية على اليوتيوب، تسعى إلى نشر ثقافة القراءة لصناعة جيل عربي قارئ، وقد أنشأها المهندس محمود سري الدين، الذي خطرت فكرتها بباله بعد قراءته لمئة كتاب وكتاب في تحدي القراءة على موقع «جود ريدز» سنة 2015، ليقرر إنشاءها سنة 2017، وتبدأ نجاحها السريع، حيث يوجد بها الآن 252 فيديو، وبلغت مشاهداتها أكثر من 71 مليون مشاهدة، كما وصل عدد المشتركين فيها إلى 2.08 مليون مشترك، إضافة إلى مئات الآلاف عبر منصات التواصل الاجتماعي الأخرى.

1

وتعمل القناة على تقديم أهم الكتب وأحدثها بالتشاور مع القراء، حيث يخصص صاحب القناة يوماً لقراءة تعليقات المتابعين ونقاشهم، ليقرر اختيار كتبه، التي يقوم بتلخيصها ونشرها أسبوعياً في فيديوهات قصيرة، تتميز بأسلوبها السردي المميز ذي الطابع الترفيهي، واستخدامها للكتابة والرسوم اليدوية المتحركة، والرموز والمخططات والصور، وحتى الفيديوهات الأرشيفية في بعض الأحيان، حيث تسهم تلك المؤثرات البصرية في سلاسة توصيل أفكار الكتب المُتناولة وتوضيحها، وتلعب دوراً كبيراً في جذب انتباه المتابعين، ليستمتعوا ويستفيدوا من المحتوى المعرفي للكتب في نفس الوقت.

وتهتم القناة بتلخيص الكتب في كافة التخصصات، بما فيها الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع، وتطوير الذات والإنتاجية، وريادة الأعمال والاقتصاد، والتسويق والمبيعات، والسياسة، ومهارات التواصل، والعلاقات الأسرية، والسِّيَر الذاتية بالإضافة إلى كتب الآدب، وغيرها من المجالات المعرفية المختلفة.

رغم كل النجاح الذي حققته هذه القناة في وقت وجيز، فإن صاحبها لم يكن مهتماً طيلة حياته إلا بالكتب التي لها صلة بدراسته، ولكن علاقته بالكتب تغيرت قبل ثلاث سنوات من إنشاء القناة، بعد ما سافر إلى عدد من الدول الغربية، ولاحظ الاهتمام الكبير الذي توليه شعوبها لمطالعة الكتب، فرأى أنه وراء التقدم الكبير الذي وصلوا إليه، وبدأ شغفه بالقراءة، حيث تمكن في ظرف وجيز من قراءة عشرات الكتب، وقرر أن ينقل تجربته إلى الشباب العربي الذي يقضي جل وقته على منصات التواصل الاجتماعي وبقية مواقع شبكة الإنترنت، وأطلق مبادرته «جيل يقرأ» في ثوب قناته التي يقول عنها: «سبب مشاكلنا هي أننا لا نقرأ، وسبب نجاح المجتمعات الأجنبية هو الولع بالقراءة، وبالتالي كان هدفي أن أصيب الشباب العربي بعدوى القراءة، مثلما أصبت بها».

إلا أن متابعي هذه القناة لاحظوا مؤخراً استحداثها ترويج دورات تعليمية مدفوعة الثمن، لبعض مهارات تصميم الفيديو، كما أصبحت تروج لراعيها الرسمي المتخصص في بيع الكتب.

  • خير جليس

أنشئت قناة «خير جليس» في سنة 2018 من طرف محمد سالم الزعابي، خريج هندسة كهربائية من الجامعة الأمريكية في الشارقة، والحاصل على ماجستير في إدارة أعمال من جامعة الإمارات، ليلتحق به بعد ذلك زملاؤه: حمد صغران وخالد النعيمي وعائشة الزعابي، ويقوم هذا الفريق بإنتاج ونشر فيديوهات احترافية حول الكتب بشكل أسبوعي، وصل عددها الآن إلى 570 فيديو، بعدد مشاهدات يتجاوز 13 مليون مشاهدة، ويوجد بها نحو 480 ألف مشترك، بالإضافة إلى آلاف المتابعين على إنستغرام.

انطلقت القناة كمبادرة تهدف لنشر المعرفة وثقافة القراءة لجميع المتحدثين باللغة العربية، عن طريق تلخيص الكتب الأكثر مبيعاً وتأثيراً في العالم، وعرضها بطريقة سهله ومبسطة للمشاهد باستخدام تقنية السبورة البيضاء، حيث يحول المُعدّون أفكار كل كتاب إلى سيناريو ونص، تتم قراءته بصوت مميز مع بعض المؤثرات البصرية التي تزيد من جاذبية الفيديو وتسهم في فهم المحتوى من طرف المتلقين.

وكانت البداية بالتركيز على الكتب التي تعالج مواضيع تطوير الذات والتنمية البشرية، وريادة الأعمال، إلا أن القائمين على القناة ارتأوا بعد ذلك الشروع في تناول العديد من الكتب في المجالات المعرفية الأخرى، والتي تسهم بدورها في إثراء المحتوى الثقافي العربي، كما صاروا يقدمون فيديوهات أجنبية مترجمة حول بعض الكتب العالمية المهمة.

يقول مؤسس القناة محمد سالم الزعابي: «عندما بدأت المشروع مع زملائي سنة 2018، كنا نتحدث عن ضعف المحتوى الثقافي العربي في اليوتيوب باللغة العربية الفصحى، فاتفقنا على قراءة كتاب واحد وناقشنا الملخص، وبدأنا نعمل على طريقة العرض في شهر مارس من نفس السنة، وحافظنا على وتيرة عمل مستمرة بقراءة كتاب واحد وعرضه كل أسبوع، ورغم صعوبة البداية، فإنّ الاستمرارية جعلت القناة التي خصصناها لتلك المبادرة على اليوتيوب تكبر، وزاد عدد متابعيها، فاختتمنا العام الأول ب 15 ألف متابع، وبعد عامين من العمل وصلنا إلى 100 ألف، وها نحن الآن وصلنا إلى هذا النجاح الكبير على اليوتيوب وإنستغرام».

إلا أن مؤسسي هذه القناة استغلوا نجاحها، وحولوها إلى شركة تجارية لعرض الكتب وصناعة مقاطع الفيديو.

  • مراجعات

سامي البطاطي شاب حاصل على درجة البكالوريوس من كلية الهندسة بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، قام سنة 2013 بتأسيس قناته الخاصة بالكتب على اليوتيوب، والتي أطلق عليها فيما بعد اسم «ظل كتاب»، وحدد هدفاً يصل من خلاله إلى تلخيص 1000 كتاب، حيث وصل محتوى قناته حتى الآن إلى 230 فيديو، وأكثر من 11,7 مليون مشاهدة، في ما بلغ عدد المشتركين بها 403 آلاف مشترك، كما يتمتع سامي بمتابعة كبيرة على إنستغرام وفيس بوك أيضاً، ما يجعله على تواصل دائم مع المشتركين والمتابعين الذين يتفاعل معهم، ويجري بانتظام جلسات أسئلة وأجوبة على قناته.

1

ويختلف البطاطي عن جل أصحاب القنوات الأخرى في أن طريقة عرضه للكتب تعتمد على ظهوره شخصياً للحديث في فيديوهاته حول الكتب التي يتناولها، مكتفياً بإظهارها وتصفح بعض محتوياتها، فهو لا يلخصها بالطريقة المعتادة في تلك القنوات، بل يقدم لها مراجعات بسيطة وشيقة، توضح السبب الذي دفع المؤلف إلى تأليف الكتاب، والقضية الرئيسية التي يغطيها، ومدى تأثيرها في حياة البشر، والعناصر الرئيسية للكتاب، مع ملخص سريع له، وذلك بوصف يرمي من خلاله إلى دفع المتابع إلى القراءة والاطلاع بنفسه على تلك الكتب، كما يقوم بزيارة أهم المعارض العالمية للكتب، من أجل وضع متابعيه في الصورة، حول أحدث الإصدارات في مجال الكتب والنشر.

لا يقتصر النشر في هذه القناة على مجالات محددة، بل يعتمد العمل المستمر على تلخيص الكتب في مختلف المجالات، بما فيها الأدب والتاريخ، والسياسة والاقتصاد، والفلسفة وعلم الاجتماع، وتطوير الذات، إلى غير ذلك من الحقول المعرفية، وهو عمل مكن البطاطي من الفوز بجائزة «أنا أقرأ» في المملكة العربية السعودية في عام 2019، ليعمل بعد ذلك مشرفاً ببرنامج إثراء القراءة الذي تندرج فيه ذات المسابقة، ورئيساً لتحرير نشرة الكتب في شركة ثمانية، كما عمل مديراً ومستشاراً لعدد من المشاريع الثقافية داخل المملكة وخارجها.

يقول سامي البطاطي حول جدوى قناته ومثيلاتها من قنوات الكتب: «إن الناقد يقرأ بعين مختلفة عن القارئ، ولذلك ليس على القارئ المبتدئ الرجوع للقراءات النقدية، بل عليه الاستفادة من تجارب قراء مشابهين لمرحلته العمرية، فمعايير الناقد المتخصص مختلفة عن القارئ العادي»، وذلك ما جعله وأمثاله ينجحون في نشر ثقافة القراءة من خلال تبسيطها للمتابعين في جميع أنحاء الوطن العربي.

رغم كل ذلك الجهد لوحظ توقف البطاطي عن نشر فيديوهات الكتب منذ عام، ويُرجع بعض المتابعين ذلك إلى انشغاله في الوظائف التي حصل عليها إثر نجاح قناته، واتجاهه نحو ترويج مؤسسات الكتب ومعارضها.

  • قبول كبير

تعتبر قناة «قراءات نضال» من أهم قنوات الكتب الموجودة على اليوتيوب، وهي قناة أنشئت سنة 2015 من طرف فتاة تدعى نضال أدهم، درست طب الأسنان في الجامعة البريطانية، وكانت مولعة منذ صغرها بالقراءة، وبنشر ثقافة الكتب بين شباب الوطن العربي، ويوجد بالقناة الآن 251 فيديو، بواقع أكثر من 14,3 مليون مشاهدة، ونحو 396 ألف متابع، وآلاف المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي.

1

وتتميز نضال في قناتها بإدارتها لناديها المسمى «نادي نضال للقراءة»، وتقدم عبر هذه القناة ملخصات ومراجعات وافية الشرح لأهم الكتب العربية والعالمية وفي مختلف المجالات، بأسلوب يتماشى مع أذواق جيلها من المراهقين والشباب، حيث تتحدث عن الكتب وتتناول محتوياتها بما يشبه التوجيه والتفاعل مع المتابعين، ما مكنها من أن تلقى قبولاً كبيراً، ليس لدى تلك الفئة فحسب، بل لدى مختلف الفئات العمرية، لنوعية الكتب التي تختارها، والدقة المعتمدة في تلك الاختيارات، ولكونها على اطلاع دائم بأحدث وأفضل الكتب التي تنشر على مدار العام.

تقول نضال: «أحب أن أفيد الناس، وأن نفكر معاً، لأن الإنسان حين يقرأ سيكتشف نفسه، كما أنه سيكتشف الذين حوله ومجتمعه، والعالم بأسره، وأنا أستفيد من النصائح وترشيحات الكتب التي يقدمها لي المتابعون، كما أستفيد من النقد البناء الذي يوجهني دائماً إلى مواصلة العمل في الطريق الصحيح»، وبمثل ذلك التفكير استطاعت أن تسير بثبات إلى تحقيق هدفها في نشر ثقافة القراءة والكتب بين الشباب العربي.

وحتى الآن لا تزال «قراءات نضال» نموذجاً لبعض قنوات الكتب التي لم تسعَ إلى استغلال نجاحها من أجل الحصول على مكاسب مادية.

بالإضافة إلى القنوات التي تناولناها هنا، توجد العديد من القنوات الأخرى، الناشطة في نفس المجال، على اختلاف أساليبها، فمنها ما يعتمد خاصية تلخيص الكتب، ومنها ما يقدم لها قراءات كاملة، ومن بين تلك القنوات: دودة كتب، والزتونة، وبتاع الكتب، وعلي وكتاب، وملخصات كتب، وأوديو تاب، ودوباميكافين، وكتبجي، وغيرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3kxnnmbc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"