عادي
صدر في الشارقة

«60 رسالة إلى شاعر».. ألف ثوب للقصيدة

23:11 مساء
قراءة 5 دقائق
عادل خزام

الشارقة: علاء الدين محمود

بعض المؤلفات تحمل عناوين مراوغة، وربما ذلك الأمر ينطبق على كتاب الشاعر عادل خزام، المعنون ب«60 رسالة إلى شاعر»، الصادر في طبعته الأولى عام 2008، عن دائرة الثقافة في الشارقة، فالبعض من القرّاء قد يظن أن الكتاب من نوعية المؤلفات التي تحمل في جنباتها النصح والإرشاد، أو على غرار كتب موضة «كيف تكتب قصيدة»، أو تحدثهم عن تجربة الشاعر الخاصة، ومسيرته في الحياة، غير أن أيّ أمر من تلك الأمور لن يجدها القارئ في هذا الكتاب، الذي هو عبارة عن دفق شعوري مستمر، وفيض من ألق المعاني مصاغ بلغة الشعر، يحمل في طياته الكتابة المتحررة من القوافي والأوزان، والمسترسلة في انطلاق وحرية في شكل تداعيات.

لا يوجه المؤلف رسائله إلى الشعراء فقط، بل كذلك إلى محبي الشعر، وجمهورعاشق للجمال المخبّأ في النصوص الحالمة التي تنشد عالماً جديداً، عنوانه العريض هو الحب، والخير، والجمال، لذلك فإن الإهداء في الكتاب جاء وهو يحمل تلك المعاني الرقيقة، إذ يقول: «هذه الرسائل مهداة وموجهة إلى كل شاعر وشاعرة، وكل قارئ، وقارئة، وكل من يفتش عن غزالة المعنى الشاردة بين السطور، ومع ذلك، هي أيضاً انشغال كاتبها.. بالقصيدة التي تجرب فساتينها الألف، وكما يحمل ذلك الإهداء الذي يفيض رقة، وجمالاً ويحتفي بالمعنى.

  • أسئلة

والرسائل التي صاغها الشاعر تحضّ على كل ما يجب أن يكون عليه الشعراء، بصورة ضمنية غير مصرّح بها، فالكتاب يبتعد عن لغة الإرشاد، ويتوجه مباشرة نحو المعنى والخلاصات، فهو يحمل الرؤية الفكرية المعطرة بأريج الشعر، ويستعرض المواضيع والقضايا الشعرية بصورة فكرية برافعة الأسئلة التي تثار بكثافة، كما لو أن الشاعر هنا يلعب دور المثقف العضوي، ليس تجاه حزب، أو مشروع أيديولوجي بل صوب الشعر وقضاياه، فالرسائل تأتي تارة رقيقة مثل نهر عذب يسري في واد تحيط به الأشجار والأغطية الخضراء، تعانق القلوب، وفي أخرى تأتي كما لو أنها ثورة تحمل الغضب وتخاطب العقول، وفي كل الأحوال، فإن الرسائل تتضمن معاني الحب والشوق والحنين والبحث عن عالم جديد، وذلك ما يفعله الشعراء عندما يتحدون الواقع المرير ليقدموا مقترحات جمالية.

  • غزالة المعنى

يقع الكتاب في 288 صفحة من الحجم المتوسط، وكل رسالة فيه تحمل عنواناً يتضمن قضية، أو فكرة، أو خواطر، أو سؤالاً، ومن ضمن عناوين الرسائل ال60: «حواس الشاعر»، «كلمة القلب»، «كأن الماء ينام أحياناً»، «جنة الكتب»، «شاعر الحياة»، «حرب القلم»، «مهنة الجرح»، «لقد كسروا الناي»، «الوردة في يد الشاعر»، «غزالة المعنى»، «حيرة الشاعر»، «جبل الأشواق»، «على البحر»، «إلى شاعر»، «ندى»، «مدخل الضوء»، «لحظات متلاشية»، «موسيقى الكون»، «صمت الشاعر»، «عرش العارفين»، «المرأة السر»، «المدينة والصحراء والشاعر»، «نهر الأوهام»..الخ.

  • ثوب الليل

ويحمل الكتاب خاتمة بعنوان «ثوب الليل»، بلغة شاعرية رقيقة، جاء فيها: «هذه المرأة مثل أغنية ترفرف رموشها، ومثل جناحين ترتفع يداي لها كأنها النهر، وأنا ضفتاه تلتقيان عند فاصلة تفتح، أو كأنني الماء وهي منحدر شلالي إلى البحر عطشانة مراسيه، منذ وداعنا لم أقل وصفاً يشبه اسمها، ولا لوّحتُ للشمس أعاند غروبها، ولا جرى قلمي على ورقٍ ودوّن سرد معناها، هي امرأة ولدت من حنين الأشجار، والداها الليل والنهار ينقلبان على بعضهما بعضاً في حلبة الضوء، والزمان شرشفها، والمكان مدىً إذا اقتربت، أو قسوة نافرٌ جرحها إذا صدّت».

والكتاب يحدثنا في مستهل رسائله عن حواس الشاعر، التي لا تشبه تلك التي عند البشر، فهو يمتلك مشاعر مختلفة، ومقدّرة، فائقة على الرؤية والاستبصار، حيث إن الشاعر: «يسمعُ ما لا يسمعه سواه. يدق طبول الحب في ساعة الحرب، ويعزف بفم العصفور تغريدة أن يتصالح المتخاصمان من أجل نسلهما. وحين تمر الطائرات بهديرها الرعدي فوق مراعي الورد، ينثر الشاعر أغنية النسيم كي ترقص البراعم في نشوة وجودها. ويصير قلمه ناياً في نشيد الرعيان، ولحناً في طرب الغزال. كل كلمة على غصن شاعر، هي طائر الفجر القريب. كل تمتمة على شفتيه، ميلاد معنى حيّ. وهذه الوشوشات في همس الناس ليلاً، يقولها الشاعر صبحاً في العلن، من ابتدع الآه، وسواها رمزاً للألم الحنون سوى الشاعر، ومن مجّد الطرق على باب السؤال سواه. يرى الشاعر ما لا يراه غيره. يخلط الماء في طين الخرافة، ويصنع تمثال السراب. وعلى جهة البحر يرمي مناديل الدمع لتصير أشرعة المغادرين إلى النجاة. في صباح الحب، ثم يوزع أوراق النرجس على الموهومين بمستحيل الوعد»، والرسالة بمثابة بيان أو «مانيفستو»، للشعراء، تتحدث عن دورهم في الحياة، وما ينتظرهم من أجل صناعة غد أفضل للبشرية بما يمتلكون من خصائص لا تتوفر لغيرهم.

  • حرب القلم

ويستمر الكتاب، في بعض الرسائل، في استعراض دور الشاعر في المجتمع، وما ينبغي أن يكون عليه، والاحتفاء بالقيم التي يحملها، والأخلاق التي يتفرد بها، وذلك يتضح جلياً في رسالة بعنوان «حرب القلم»، فالشاعر ليس ذلك الكائن الرقيق، أو الحالم فقط، بل هو كذلك محارب شرس من أجل قضيته، وأفكاره، ومشروعه في الحياة، وواجبه تجاه الناس، يثير الأسئلة، ويبحث عن الإجابات، إذ إن الشاعر ليس كائناً يختبئ خلف الكلمات والجمل الرنانة، ولا يقيم وزناً للعمل، بل على العكس من ذلك فهو صاحب الحلم الذي يسعى لأن يصبح حقيقة، فتلك هي قضية الشعراء، وتقول الرسالة في بعض منها: «من هذا الذي يهدم أعمدة الشك كلما رفعها الجاهلون؟ إنه الشاعر حامل سيف القلم، سليل العقول التي رفضت أن يلتوي المعنى، العقول التي انحاز أصحابها للحقيقة يجرونها جراً كلما حاول الحاقدون طمسها في الجحور. وما من بلاد تدور فيها الحرب، إلا والقلمُ مغمد، والسيف مرفوع بدلاً منه. وما من أرض تحترق، إلا لأن الأقلام فيها سفكت. وحين تسقط الأقلام، يتوارى الضوء مخذولاً، وتنسحب نجومه، وتغيب من مشهد الدنيا حمامات السلام. الطعنة بالرمح قد تقتل العدو، لكنها لا تُبيد أفكاره، ولا تصدّ رؤاه. وقد تراه يعود مجدداً لأن كلماته الخبيثة تظل تنبض مشتعلة تحت الرماد. لا نهاية لأي صراع إلا بالقلم، حين تطعن من يقف ضدك بالحجة، وتدحره بالبرهان، وتمشي نحوه متسلحاً درعك الإبداع. وساعتها فإن كل كلمة تقولها هي محوٌ لفعله وقوله، وكل حرف تزرعه على خط الزمن يصير أساس استمرارك في الحياة. وكل كلمة بيضاء تنحاز إليها».

عادل خزام، مولود في دبي عام 1964، وهو شاعر وإعلامي، صدر له عدد من المجموعات الشعرية والمؤلفات الأدبية والفنية، منها كتب «في الضوء والظل وبينهما الحياة: كشف بتجارب 30 فناناً تشكيلياً من الإمارات»، وديوان «الربيع العاري»، و«الوريث»، و«تحت لساني»، وحصل على عدد من الجوائز الأدبية.

اقتباسات

  • «ها هي كلماتك تزأر في العقول المريضة، وتدك مضاجع الغفلة، وتفتح جدران المعنى».
  • «أيها الشاعر، يا جرح ذاتك، سيكون عليك أن تحمل صخرة السؤال».
  • «هذا الحنين الذي حفرته نبضاً نبضاً، هو ما يجعل الحياة جديرة كي تعاش».
  • «إنه الشاعر، يستل الحقيقة من الوهم ويدسّها في قصائده».
  • «الكلمات التي ينثرها الشاعر في الطريق، هي مفاتيح أسرار».
  • «يقف الشاعر على قمة العالم نائحاً في الناس: استفيقوا».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2hcjj76v

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"