عادي
في شاعرية البصر

الحكمة تاج الخط العربي

16:05 مساء
قراءة 3 دقائق
داود بكتاش

الشارقة: جاكاتي الشيخ

يُعد التركي داود بكتاش، أحد كبار المبدعين في فن الخط العربي في العصر الحديث، وخاصة خط الثلث، ورغم دراسته في كلية الحقوق في إسطنبول، والتي حصل منها على شهادته الجامعية في تخصص القانون، إلا أن اهتمامه بالخط رافقه منذ صغره، وظل يدرسه ويتدرب على فنياته؛ حتى أصبح من أكثر الخطاطين إبداعاً وتجديداً فيه على المستوى الدولي.

ولد بكتاش ونشأ في محافظة «أضنة» جنوب تركيا؛ حيث أكمل مراحله التعليمية الأولى والمتوسطة بين مدارسها ومعاهدها، قبل أن يلتحق بالجامعة، ولأنه كان شغوفاً بالخط العربي، فقد ظل يمارسه في مختلف مراحل حياته الدراسية، إلا أن مرحلته في إسطنبول التي بدأت منذ سنة 1981 كانت فارقة في حياته، حيث شرع في تعلم الخط على أصوله، متتلمذاً على أكبر الخطاطين الأتراك في تلك الفترة، حتى حصل على الإجازة في خطوط الثلث والنسخ والرقعة، وتعمق أكثر في الثلث الجلي، وأتبع ذلك بالخطين الفارسي والديواني، ليصبح الآن واحداً من أكثر الفنانين حضوراً في معارض الخط المحلية والدولية، مثل معرض «بيرليك فونديشن» في إسطنبول، ومعرض ملتقى الشارقة للخط، كما حصد العديد من جوائز مسابقات دولية، وهو حالياً يحاضر في كلّية الفنون الجميلة بجامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في إسطنبول، ومدرّس لهذا الفن الجميل الذي صار يمنح الإجازات فيه.

الحكمة تاج الخط العربي
  • *خصائص أسلوبية

لقد بلغ بكتاش مبلغاً عظيماً في خط الثلث بأنواعه حتى أصبح يمزجه بالخطوط الأخرى، كما يبدو في اللوحة التي نتناولها هنا، ما جعل الكثيرين يعتبرونه من عمالقة هذا الخط الصعب، حيث يلاحظ المتابع لأعماله أنه استطاع الجمع بين العديد من الخصائص الأسلوبية التي كان ينفرد بها بعض الخطاطين الكبار عن غيرهم، مثل قوة اليد والاجتهاد في عمليات التهذيب ورصانة الأسلوب ومتانته، التي تتجلى في تناسق الحروف والكلمات ووضع كل منها في حيزه المناسب.

اختار الفنان بكتاش أن يخط هذه اللوحة بنص المقولة العربية البليغة «القناعة كنز لا يفنى»، وخطها بخط الثلث العادي مازجاً إياه بخط الرقعة، وذلك لما يتميز به خط الثلث من متانة ناتجة عن صعوبة تنفيذ قواعده وموازينه، إضافة إلى ما تتميز به حروفه وكلماته من مرونة وحسن تركيب وبراعة في التأليف والتشكيل الخطي، وباعتبار خط الرقعة أقرب الخطوط إلى الثلث، وأنسبها للمزج معه من أجل تقديم عمل خطي مبتكر، خاصة إذا أراد الخطاط استغلال بعض خصائصه، مثل استقامة حروفه وتناسقها وجمالها وقوتها وخلوها من الزخرفة، لتشكل مع خصائص الثلث العادي سمات اللوحة البهية غير المتكلفة.

  • *كنز

إن لمقولة «القناعة كنز لا يفنى» من الأهمية في حياة البشر ما يؤهلها لأن تكون موضوع لوحة جميلة من الخط العربي، وقام بكتاش بتصميم شكله الخطي على هيئة جرة، واستفاد من خصائص خطي الثلث والرقعة من أجل إتقان تنفيذ هذا الشكل، فكتب كلمة «القناعة» مُشكلاً من مقطعها الأول «القنا» حدوداً للجرة؛ حيث كتب حرفي الألف من الكلمة بمرونة تقابلية غاية في الإتقان، فكان الأول قاعدة للشكل في جزء منه واستمر إلى أعلى الجانب الأيمن للجرة، فيما شكّل الثاني جانبها الأيسر، وجعل من اللام ألف «لا» فوهة للجرة، وشكل محتوى الجرة الشفافة، من بقية كلمة «القناعة» وكلمة «كنز» كاملة، وكأنه يؤكد أن هذا الكنز هو القناعة، وإذا كانت «لا» قد شَكلت فوهة الكنز، فإن كلمة «يفنى» قد كتبت في الأعلى، تأكيداً على أن الفناء أو النفاد كلمة لا تنتمي إلى قاموس القناعة، ولذلك فلا يمكن أن تكون داخل الجرة، وقد أبدع في طريقة رسم حروفه وكلماته وتوزيع نقاطه ولمساته الخطية القليلة، دون الحاجة إلى إغراق الشكل بالزخارف.

ولأن اللوحة تتحدث عن القناعة، فقد اقتنع الخطاط كذلك باستخدام لونين فقط، هما الأخضر والأصفر؛ ذلك لأنهما يعكسان ما يريد التعبير عنه، فالأخضر لون التوازن والانسجام والسلام النفسي، كما أنه لون النمو والتجدد، والأصفر لون قوة الإدراك وتحكيم المنطق والانتباه إلى ما فيه المصلحة والخير للإنسان، فهي إذاً ألوان مناسبة للتعبير عن القناعة وأهمية وجودها في حياة البشر، إضافة إلى أنه حرص على تكوين إطار زخرفي جميل أضفى على اللوحة بهاء وإشراقاً وجمالية خاصة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc25xke8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"