عادي
في شاعرية البصر

نورانية الحروف تلامس الوجدان

22:27 مساء
قراءة 3 دقائق
محمد مندي

الشارقة: جاكاتي الشيخ

محمد مندي هو أحد أبرز الخطاطين الإماراتيين، درس هذا الفن بأصوله أكاديمياً، وحصل على الإجازة في أهم أنواعه، وعاش مسيرة فنية حافلة باتقاد الموهبة وزخم العطاء، ليضع نفسه في مصافّ المتميزين في هذا الفن الأصيل محلياً ودولياً، وتحتفظ الساحة الفنية له بالعديد من الأعمال المميزة في الإمارات وخارجها.

يكشف النموذج الذي سنقدمه لمندي عن موهبة لافتة في إتقان أعماله الخطية، والتي حرص على أن تتسم دائماً بالدقة والجمال وحسن التنسيق، لتبدو في شكلها البديع الآسر للمشاهدين؛ وتعلق طويلاً في أذهانهم، وهو ما ظل سبباً في لفت الأنظار إلى مشروعه الإبداعي بوصفه جهداً يشار إليه بالبنان، ولم يتأتّ له كل ذلك إلا بعد أن وضع نصب عينيه هدفاً محدّداً، يرمي من خلاله إلى وضع لمسته الخاصة في هذا الفن، وقد نجح في ذلك بشكل كبير.

  • تأويل خَطِّي

كتب مندي دعاء «يا رب ارحمنا برحمتك» بالخط الديواني، وهي لوحة يُعبر فيها عن إشراق الحروف العربية، وما تختزنه من طاقة وحيوية تسمو بها إلى النورانية الخالصة، تلك النورانية التي تلامس الوجدان، حيث يختار الخطاط النص ويعبر عن تأويله وتفسيره بلوحته الخطية ليصل بجماليتها وقوتها إلى قلوب المشاهدين، وهو ما اشتغل عليه في هذا الدعاء، الذي يتضرع فيه العباد إلى ربهم ليشملهم برحمته التي وسعت كل شيء، فالحاجة إلى الرحمة طبيعة بشرية، وأجلُّ من يمكن أن يُتوجه إليه في تلك الحاجة هو الخالق تبارك وتعالى، حيث تكون رحمته في الدنيا بمنح عباده الأرزاق والتنعم عليهم بالصحة، وتسخير كل ما يوجد في الطبيعة ليكون طوع أمرهم، فلا يُنغص عليهم طيب العيش ولا يصابون في أنفسهم ولا أهلهم ولا ما يملكون، ولا يجدون إلا ما فيه صلاح أمرهم وتوفيقهم للعمل الصالح، أما رحمته في الآخرة فتكون بالمغفرة ودخول الجنة والسلامة من عذاب النار.

لم يكن اختيار مندي للخط الديواني اعتباطياً في هذه اللوحة، فهو خط يمكن من رسم الحروف على هيئة يمكن تشبيهه فيها بالأيدي المتضرعة إلى الله في الدعاء، لما يتميز به هذا الأسلوب من رشاقة ومرونة تجعله يتناسب مع تجسيد مثل هذه المضامين الروحانية، وتكسب العمل جمالية مستمدة من حروفه المستديرة والمتداخلة بسلاسة، وهو ما أراد له مندي أن لا يكون عائقاً أمام قدرة المتلقي على قراءة نص هذه اللوحة، ليستمتع بعمقها الجمالي.

  • إخلاص

خط مندي عبارة «يا رب» في قلب اللوحة بخط كبير وبارز، مرة واحدة، وبلون أبيض ناصع، حيث مدّ حرف الألف في «يا» ومنحه جزء استدارة، ممتثلاً إحدى خصائص الخط الديواني، وكأنه يريد من المتلقي أن يمدها أثناء قراءته إياها، كما هو معهود في الدعاء، ومنح حرف الباء ذات الاستدارة نحو الداخل لتكون تسكيناً لها في النطق، يُطبِق الداعي عندها فمَه، فيما خط كلمتي بقية الدعاء «ارحمنا» و«برحمتك» مرات عديدة، مشكلاً بها دوائر متسعة، تنطلق من داخل عبارة «يا رب»، لتشمل بقية أجزاء اللوحة، في إشارة إلى الاستفاضة برجاء الرحمة من الله، وقد نوع كثيراً في لمسات حروفه، خاصة حرف الألف في بداية «ارحمنا»، الذي منحه في العديد من الأماكن شكلاً يجعله يميل إلى اللام، وهي ميزة من مميزات الخط الديواني، ولم يعتنِ مندي كثيراً بزخرفة اللوحة، حتى لا يخلط بين الخط الديواني الجلي والخط الديواني العادي الذي تندرج هذه اللوحة في إطاره، كما كان لاختيار الألوان دور كبير في منحها بهجة وإشراقاً طاغيين، فغلَّب اللون الأزرق على الشكل العام برمزيته إلى الصدق والإخلاص والسلام، وهي كلها قيم إيمانية توائم حال المشاهد في خضوعه أمام ربه، ورجائه له.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2r2m2bh7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"