كلام مُرسَل

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

كلما دققت في صفحات بعض وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً «الإنستغرام»، تأكدت أنك تجلس أمام سوق مفتوح، مقسوم إلى نوعين من الناشرين، جزء يبيعك كل شيء وأي شيء، وجزء يشتري ويتفاعل إيجاباً أو سلباً، وبين البائع والمشتري تقف حائراً، تميل مرة وتتردد مرة.

كل شيء يباع والكل يحاول إقناعك بأن بضاعته سليمة ونصيحته لك مخلصة، و«البضاعة» ليست بالضرورة مادية ملموسة، بل قد تكون معنوية تحاول استمالتك وإقناعك بفكرة معينة، فتمشي خلفها متأثراً بما تحمله من مغريات، أبدأ من المؤثرين «الانفلوانسرز» الذين يزورون المحلات التجارية والمطاعم لإيهامك بأنهم اكتشفوا من باب الصدفة هذا المتجر أو ذاك المطعم وانبهروا بما يقدمه وبأسعاره وجمال بضاعته أو حلاوة المذاق، وتراهم يتلذذون ويستعرضون بمقاطع فيديو ذكية ومصنوعة بحرفية لتجذب العين وتغري المشاهد وبوقت قصير..!

كلنا ننجذب وكلنا نتأثر، وكلنا نحاول اللحاق بهم وندخل عالم التجربة ونشتري مما يبيعونه لنا من مغريات وأفكار، ونزور متجراً ومطعماً ونكتشف بأن الفيديو السريع والقصير يقدم القليل ويخفي الكثير، وكل ما التقطته عينك أدنى مما اشتهته نفسك وأغرتك به كلمات «المؤثرين»، جودة البضاعة أقل وأحياناً لا تصل إلى نصف ما تتوقعه.

المشاهير أيضاً يدخلون ضمن دائرة المؤثرين ويستمتعون بعرض الهدايا التي تأتيهم من الماركات (أو البراندات بلغة اليوم) المشهورة، والتي يروجون لها بطريقة غير مباشرة وهم يعلمون أن المتأثرين بهم ومتابعيهم لا شك كثر وسيقلدهم على الأقل نصفهم. السوق مفتوح يتنوع على «إنستغرام» بين ترفيه وأزياء وموضة وطعام و«نصائح غذائية» و«ريجيم» وطبخ وفن وآراء في الزواج والطلاق.. أما سوق «إكس» (تويتر سابقاً) فيبيع الأفكار السياسية وتطغى عليه التجاذبات والأخبار منها الحقيقي ومنها المزيف، مناورات تشارك في شحن الصراعات السياسية والعسكرية الموجودة فعلياً في الواقع، منها الصادق ومنها المتلون، منها العنصري ومنها المنفتح الداعي إلى التسامح..

ساحة يحاول بعضهم استغلالها لممارسة وتحقيق الاحتلال الفكري وغسل الأدمغة عن بُعد، كلام مُرسل من العالم الافتراضي ليغيّر عقول الناس فينعكس أفعالاً في الواقع، كلام يجيد صناعته احترافيون فنحسبه اعتباطي تتراشق به أطراف متصارعة من هنا وهناك، بينما هو في الحقيقة شرارة معركة مدروسة ومقصودة تستهدف المتصفحين، فيقعون في فخ التراشق الكلامي وينحرفون خلف المعركة وهم لا يعلمون أنهم يصبحون جنوداً في حروب الآخرين، يغذونها عن غير قصد ولمجرد انسياقهم خلف تلك الحملات المدروسة فعلياً، العفوية ظاهرياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrxfah6d

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"