عصر الثورات

التقدم وردّ الفعل من 1600 إلى الوقت الحاضر
01:08 صباحا
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 5 دقائق
1
بوتين وترامب

عن المؤلف

الصورة
1
فريد زكريا
فريد زكريا صحفي ومؤلف أمريكي يعمل مقدماً لبرنامج فريد زكريا جي بي أس على قناة «سي إن إن» ويكتب في عدة صحف.

كانت الثورات عبر التاريخ نقاط تحول رئيسية شكّلت مسارات الحضارات وأعادت تعريف مفاهيم الهوية الجماعية والفردية. من الثورة الهولندية في القرن السابع عشر إلى التحولات الاقتصادية والتكنولوجية الحديثة، يظهر التاريخ كيف أن كل عصر ثوري يجلب معه تغييرات جذرية تؤثر في تعريف الأفراد لأنفسهم ولمجتمعاتهم.

يعاين الكاتب والإعلامي الشهير فريد زكريا، في كتابه هذا الطبيعة الدورية للتغيير المجتمعي وتداعياته. يستكشف التقدم التاريخي والنكسات المتكررة التي حددت الحضارة الحديثة من الجمهورية الهولندية إلى المشهد العالمي الراهن. يتساءل: «ما الذي يجعل فترة ما ثورية؟ هل هناك عواقب أخرى يمكن التنبؤ بها للعصر الثوري؟ وكيف ينتهي كل ذلك؟» هذه بعض الأسئلة التي يحاول الإجابة عنها في هذا الكتاب. يقوم بذلك من خلال العودة إلى الوراء لمحاولة فهم العصور السابقة للثورات- أصولها وعواقبها- ومن ثم دراسة عصرنا الحالي. يبدأ بفجر العصر الحديث، أول ثورة ليبرالية، والتي- في تحد لقرون من الملكية- خلقت الشكل الجمهوري للحكم الذي يهيمن الآن على العالم. لقد حدثت الثورة في هولندا في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، لكنها ربما لم تكن لتغير العالم لو لم تنتشر عناصر منها إلى بريطانيا في عام 1688.

1
  • ثورات غيرت العالم

يبدأ زكريا بإعادة النظر في جذور الليبرالية الكلاسيكية في هولندا، ويضع الجمهورية الهولندية في موقع بوتقة الحداثة والحرية الفردية؛ ففي فصل «الثورة الليبرالية الأولى»، يقدم زكريا صورة معقدة لظهور الجمهورية الهولندية كأول جمهورية حديثة وقوة تكنولوجية عظمى. يسلط هذا الفصل الضوء على كيف أصبحت هولندا نقطة جذب للمثقفين والفنانين والمفكرين الأحرار الذين يبحثون عن ملجأ من الأنظمة القمعية في بلدانهم. يوضّح زكريا كيف شكلت الابتكارات الهولندية في مجال الأعمال المصرفية والملاحة والتجارة سابقة للأنظمة الاقتصادية والسياسية في جميع أنحاء العالم.

ويتعمق فصل «الثورة المجيدة» في كيفية تأثير مبادئ الثورة الهولندية بشكل عميق على إنجلترا. يتتبع زكريا انتقال هذه الأفكار الليبرالية عبر القناة الإنجليزية التي أدت إلى إصلاح سياسي كبير وملكية دستورية في إنجلترا. إن نجاح هذه الثورة، بحسب زكريا، لم يكن في نتائجها المباشرة فحسب؛ بل في وضع الأساس لانتشار عالمي للقيم الديمقراطية. يستخدم هذا المثال التاريخي للتأمل في إمكانية الإصلاح السلمي في الأنظمة السياسية المعاصرة التي تبدو جامدة ومقاومة للتغيير.

يقدم زكريا الثورة الفرنسية كقصة تحذيرية للتغيير من أعلى إلى أسفل، مجادلاً بأن التحولات الحقيقية والدائمة- مثل تلك التي شوهدت في الثورة الصناعية في بريطانيا والولايات المتحدة- هي تحولات عضوية وترتفع من مستوى القاعدة الشعبية. في فصل «الثورة الفاشلة» يقارن الكاتب النهج التصاعدي الذي يتبعه البريطانيون مع النهج التنازلي العنيف في كثير من الأحيان للثورة الفرنسية. يحلل هذا الفصل السنوات المضطربة للثورة الفرنسية، ويسلط الضوء على الإرهاب وعدم الاستقرار وصعود نابليون في نهاية المطاف. يستخدم زكريا هذا الفصل لمناقشة مخاطر التطرف وأهمية ضمان عدم تجاوز الحماسة الثورية للمبادئ الأساسية للعدالة وحقوق الإنسان.

ويركز في فصل «الثورة الأمريكية الحقيقية» على التوسع الصناعي في الولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر، والذي وصفه زكريا بأنه فترة التحول الحقيقية في أمريكا. على عكس المعارك العسكرية التي ميزت سنواتها الأولى، أعادت هذه الثورة الصناعية تشكيل المشهد الاجتماعي والاقتصادي العام بهدوء. يبين زكريا كيف أدت هذه الفترة إلى ظهور الولايات المتحدة بصفتها قوة عالمية ذات تأثير كبير، وهو يربط هذا السرد التاريخي بالثورات التكنولوجية والصناعية الحالية، محذراً من أنه في حين أن مثل هذه الفترات تعد بالتقدم، فإنها تتطلب أيضاً إدارة حذرة لتجنب تفاقم عدم المساواة الاجتماعية والتدهور البيئي.

  • التحديات الحديثة

يتميز الكتاب بقدرته على ربط الثورات التاريخية بالقضايا المعاصرة، فنجد الكاتب ينتقل ببراعة من الماضي إلى الحاضر، مسلطاً الضوء على كيفية إرساء إنجازات العصر الصناعي الأساس لكل من التقدم التكنولوجي والانقسام المجتمعي. ينتقل بعد ذلك إلى تحليل مثير للتحديات الحديثة: العولمة، والتحول الرقمي، وسياسات الهوية، والتوترات الجيوسياسية مع دول مثل روسيا والصين التي تسعى إلى إعادة تعريف النظام الليبرالي الذي أنشأته الديمقراطيات الغربية.

يرسم الكتاب صورة قاتمة للتهديدات الداخلية التي تواجه الديمقراطيات الغربية، وخاصة صعود الشعبوية وتآكل المعايير الديمقراطية، وهو موضوع يتردد صداه بعمق في المناقشات السياسية المعاصرة.

يحثّ زكريا القراء على عدم اعتبار إنجازات عصر التنوير أمراً مفروغاً منه، ويقدم منظوراً حاسماً حول تجارب وانتصارات التقدم البشري. يقول الكاتب: «السياسة هي واحدة من تلك المشاريع الإنسانية النادرة التي لم تتغير كثيراً على مدى آلاف السنين. لقد تغيرت أشكالها الخارجية، لكن همها الأساسي ظل كما هو: الصراع على السلطة وماذا نفعل بها. في عام 64 قبل الميلاد، ترشح شيشرون، أعظم خطباء روما، لمنصب القنصل. قرر شقيقه الأصغر أن يكتب له دليلاً من نوع ما للفوز في الانتخابات، ومجموعة من الدروس العملية لأخيه المثالي للغاية في بعض الأحيان. ومن بين اقتراحاته: وعد الجميع بكل شيء، وأن تظهر دائماً في العلن محاطاً بمؤيديك الأكثر حماساً، وذكّر الناخبين بالفضائح الجنسية لخصومك. وبعد مرور أكثر من ألفي عام، يتقاضى المستشارون السياسيون أجوراً باهظة مقابل تقديم النصيحة ذاتها».

ويضيف: «لقد هيمن الانقسام بين اليسار واليمين لفترة طويلة على المشهد السياسي في العالم، حيث حدد الانتخابات والمناقشات العامة والسياسات، حتى أنه أثار العنف والثورة. ولكن في هذه الأيام، انهار هذا الانقسام الأيديولوجي الأساسي. ولنتأمل هنا دونالد ترامب وترشحه للرئاسة في عام 2016. كان ترامب خروجاً عن الماضي في نواح كثيرة من جهة شخصيته الغريبة، وجهله بالسياسة العامة، واستهزائه بالمعايير الديمقراطية. ولكن ربما كان الجانب الأكثر أهمية الذي كان ترامب مختلفاً فيه هو المعنى الأيديولوجي. لعقود من الزمن، تبنى الحزب الجمهوري مجموعة من الأفكار التي يمكن وصفها بصيغة ريغان. في نظر العديد من معجبيه، كان ريغان شخصية مشرقة ومتفائلة احتفت بالأسواق الأمريكية الحرة، والانفتاح على التجارة، وسياسات الهجرة السخية، وأراد نشر نموذجها الديمقراطي إلى بقية العالم». يعلق الكاتب هنا: «عارض ترامب معظم عناصر صيغة ريغان. وفي حين أنه دافع عن بعض السياسات نفسها فقد كرس معظم وقته وطاقته لأجندة مختلفة تماماً. يمكن تلخيص خطابات حملة ترامب في أربعة أسطر: الصينيون يأخذون مصانعكم. المكسيكيون يأخذون وظائفكم. المسلمون يحاولون قتلكم. وسوف أهزمهم جميعاً وأجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى. لقد كانت تلك رسالة قومية، وشوفينية، وحمائية، وانعزالية».

تأتي الأقسام الأخيرة من الكتاب بمنزلة تذكير واقعي لهشاشة الديمقراطيات الليبرالية؛ إذ يرى زكريا أنه في الوقت الذي حررت فيه الليبرالية الأفراد، فإنها تركتهم أيضاً معزولين، ما خلق فراغاً سرعان ما هيمنت عليه الشعبوية. ويفترض أن هذا هو «الثقب في قلب» المجتمع الحديث، حيث ينقلب الأفراد الضائعون ضد جوهر الحداثة ذاته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/4uvfcs7j

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

تظاهرة عمالية في ألمانيا
ستيفانيا باركا
1
آدم تشابنيك وآسا مكيرشر
1
ريتشارد يونغس
1
جوشوا فيراسامي
خلال قمة أوروبية سابقة
مارك ساكليبن
1
تياجو فرنانديز