عادي

«تحت المجهر».. إسماعيل هنيّة من مخيم الشاطئ في غزة إلى اغتياله في طهران

15:17 مساء
قراءة 4 دقائق
إسماعيل هنية

غزة (الأراضي الفلسطينية) - أ ف ب

ظلّ إسماعيل هنية الذي اغتيل، الأربعاء، في طهران، على مدى عقود أحد أبرز الوجوه القيادية لحركة «حماس»، وتنقّل بين المعتقلات الإسرائيلية، والمنافي، ومن جوار المؤسس الشيخ أحمد ياسين، إلى رئاسة المكتب السياسي للحركة التي تخوض حرباً ضارية مع إسرائيل، منذ نحو عشرة أشهر.

ومنذ اندلاع المعارك في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، إثر هجوم للحركة على جنوب إسرائيل، كان هنيّة الذي برز اسمه مع توليه رئاسة الحكومة الفلسطينية في عام 2006، وجه حركة «حماس»، وصورتها في مفاوضات وقف إطلاق النار، مع انصراف قيادتها في القطاع لإدارة المعركة العسكرية، ورسم الخطوط العريضة للتفاوض على إطلاق الرهائن.

  • استقبال حار

لم تعلّق إسرائيل بعد على مقتل هنية، علماً بأن «حماس» وطهران وجّهتا إليها أصابع الاتهام، وتعهّدتا بالرد.

ونعت حركة «حماس» هنيّة «الذي قضى إثر غارة إسرائيلية غادرة على مقر إقامته في طهران، بعد مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني»، الثلاثاء.

ولقي هنيّة، هذا الأسبوع، استقبالاً حاراً في العاصمة الإيرانية، تخلّله عناق حار مع الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، على هامش أداء هذا الأخير اليمين الدستورية، الثلاثاء، ولقاء مع المرشد الإيراني علي خامنئي.

وقال هنية للمرشد: «هكذا هي الدنيا... الله سبحانه وتعالى يحيي ويميت، ولكن هذه أمة خالدة... ومتجدّدة»، وفق فيديو من اللقاء تم توزيعه، الأربعاء.

وعُرِف هنيّة بشخصيته الكاريزماتية إلى حدّ كبير بالنسبة إلى أنصاره، ونبرة صوته الهادئة التي تتحوّل إلى خطابة مفوّهة صاخبة في التجمّعات الجماهيرية. واتّسمت مسيرة الرجل القويّ البنية ذي اللحية البيضاء، بمقاربة براغماتية ضمن حركة تعدّدت فيها التيارات.

  • ترحال «أبو العبد»

وأمضى هنية المكنّى «أبو العبد»، أعوامه الأخيرة مقيماً في تركيا، وقطر، في ترحال ليس غريباً عن عائلته.

وُلِد في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين في غزة عام 1962، في كنف عائلة مهجّرة من عسقلان في الأراضي التي قامت عليها دولة إسرائيل.

التحق خلال شبابه بالجامعة الإسلامية في غزة، حيث نال شهادة في الأدب العربي. وخلال دراسته الجامعية، نشط في اتحاد الطلبة بين العامين 1983 و1984.

والتحق ب«حماس» في عام تأسيسها (1987) خلال الانتفاضة الأولى في الأراضي الفلسطينية التي استمرت حتى 1993.

وعلى مدى تلك الأعوام، اعتقلته القوات الإسرائيلية أكثر من مرة، وكان من ضمن مجموعة من القياديين والشخصيات من حركتي ««حماس»» و«الجهاد»، الذين أبعدتهم إسرائيل إلى لبنان عام 1992، وأقاموا في مخيم بمنطقة مرج الزهور الحدودية، قبل أن يسمح لهم بالعودة تباعاً في العام التالي.

  • الكفاح المسلح

رافق هنية مؤسس «حماس»، الشيخ أحمد ياسين كمدير لمكتبه بعد إفراج إسرائيل عنه عام 1997.

وفي 2003، نجا الرجلان من محاولة اغتيال بغارة إسرائيلية. وتعزّز دور هنية في «حماس» بعدما اغتالت إسرائيل ياسين في العام التالي، وبعده بفترة وجيزة عبد العزيز الرنتيسي الذي اختير قائداً للحركة في غزة.

كان لهنية دور رئيسي في وقف هجمات الحركة داخل إسرائيل منذ بداية 2005. وفي العام التالي، قادها نحو تحقيق فوز غير متوقع في الانتخابات التشريعية على حساب حركة فتح، وأصبح رئيساً لحكومة وحدة مع حركة فتح، بزعامة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

إلا أن التفاهم لم يدم طويلاً، واندلعت مواجهات مسلحة بين الحركتين في 2007 انتهت بفرض «حماس» سلطتها الكاملة في غزة، في خطوة تلاها تشديد إسرائيل حصارها على القطاع.

رفض المجتمع الدولي التعامل مع أي حكومة تضمّ «حماس» من دون أن تتخلى الحركة عن العنف وتعترف بإسرائيل واتفاقات السلام السابقة.

وعلى الرغم من براغماتيته، أكد هنية مراراً التمسك بثوابت الحركة. وقال في مقابلة مع قناة تلفزيوينة عام 2022: «نحن لدينا رؤية؟ ما هي الرؤية؟ إنجاز مشروع التحرير والعودة وطرد الاحتلال عن أرض فلسطين».

وأوضح أن تحقيق المشروع يتطلب العمل على مسارات عدة، وأن «على رأس وقمة هذه المسارات هو الكفاح المسلح».

  • الشهادة في سبيل فلسطين

في عام 2017، خلف هنية خالد مشعل في رئاسة المكتب السياسي للحركة، وتسلّم المسؤولية في وقت كانت «حماس» تسعى للتخفيف من عزلتها الدولية من دون تهميش أعضائها المتشددين.

وأعلنت «حماس» المصنّفة «إرهابية» في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في حينه صيغة معدّلة لوثيقتها السياسية تعكس توجهاً أكثر اعتدالاً، من دون التراجع عن موقفها بعدم الاعتراف بإسرائيل.

ولم يخفِ هنية موقفه من الاعتراف بإسرائيل، وقال يوماً في مهرجان جماهيري في غزة: «أقول لكم وبأمانة، إننا لن نعترف، لن نعترف، لن نعترف بإسرائيل».

بقي هنية في الأعوام الأولى لتوليه المكتب السياسي مقيماً في منزل متواضع في مخيم الشاطئ في قطاع غزة. وغالباً ما كان يخرج للمشي في الشارع، أو يلقي الخطب في المساجد، مرتدياً عباءة تقليدية.

غاب هنية عن غزة منذ ما لا يقل عن أربعة أعوام. وبعد اندلاع الحرب، كرّر مراراً اتهام إسرائيل بارتكاب «إبادة جماعية ووحشية لم تعرفها البشرية» في غزة، والمماطلة في إبرام اتفاق لوقف النار.

وسعى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في مايو/ أيار إلى إصدار مذكرة توقيف بحقّ هنية، وقائدين في الحركة، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، بشبهة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.

ودفع هنية كلفة شخصية جراء الحرب، إذ قتل العشرات من أقاربه في القصف الإسرائيلي، بينهم ثلاثة من أبنائه.

وعلى الرغم من إقامته خارج الأراضي الفلسطينية، لم يكن يستبعد أن يكون مصيره مشابهاً لقادة سابقين في «حماس» اغتالتهم إسرائيل، مثل ياسين، والرنتيسي، ويحيى عياش، وصلاح شحادة.

وقال قبل عامين «هذه فلسطين التي على جنباتها وفي أروقتها سالت دماء عظماء وأبطال وأسرى وأسيرات». وأضاف: «نعم نحن نستشعر ثقل الأمانة والمسؤولية، وهذه مسؤولية لديها أثمان، ونحن أيضاً مستعدون لهذه الأثمان... الشهادة في سبيل فلسطين».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n7ya7jb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"