استقطاب لافت للاستثمار الأجنبي في الدول العربية

22:27 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

في 20 يونيو 2024 أصدرت منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» (UNCTAD)، وهي إحدى منظمات الأمم المتحدة المتخصصة، تقريرها لعام 2024 حول الاستثمار العالمي (World Investment Report 2024).

وقد جاء فيه أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية قد انخفضت بنسبة 2% إلى 1.3 تريليون دولار في عام 2023، وكانت نسبة الانخفاض في البلدان النامية كبيرة (7%)، إلى 867 مليار دولار، ما تسبب، بحسب التقرير، في تعطيل الاقتصاد العالمي وتفتيت شبكات التجارة والبيئات التنظيمية وسلاسل التوريد العالمية.

التقرير حمّل ما أسماه إعادة التموضع الإقليمي«Regional realignments»، إلى جانب التوترات التجارية والجيوسياسية والأزمات والسياسات الحمائية، مسؤولية هذه النتائج.

يرصد التقرير انخفاضاً في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى إفريقيا بنسبة 3%، إلى 53 مليار دولار، وكذلك انخفاضاً إلى بلدان آسيا النامية بنسبة 8%.. إلى 621 مليار دولار. وشمل الانخفاض الصين، ثاني أكبر متلق للاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم؛ وكذلك سجلت الهند وغرب ووسط آسيا أيضاً انخفاضات كبيرة، في حين استقر معدل التدفقات إلى منطقة جنوب شرق آسيا. فيما انخفض معدل التدفقات إلى أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بصورة طفيفة بنسبة 1%، إلى 193 مليار دولار. في الوقت نفسه، زادت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الاقتصادات الضعيفة والهشة هيكلياً. وارتفعت التدفقات إلى أقل البلدان نمواً إلى 31 مليار دولار، أو 2.4% من التدفقات العالمية. كما شهدت البلدان النامية غير الساحلية والدول الجزرية الصغيرة النامية زيادات طفيفة. ولكن في جميع المجموعات الثلاث، يظل الاستثمار الأجنبي المباشر متركزاً بين عدد قليل من البلدان.

لسبب ما، تفادى التقرير على نحو غريب، السبب الحقيقي للأجواء العاصفة التي تطبع العلاقات الاقتصادية الدولية، لاسيما في مجالي التجارة في السلع وعمليات الدفع أو المقاصات المالية الدولية، والتي تسبب فيها الحضور القوي والطاغي لحزم العقوبات الاقتصادية التي أصبحت بالنسبة لأمريكا والاتحاد الأوروبي، بمثابة الخبز والزبدة، لا يستطيعان الاستغناء عنهما في علاقاتهما الاقتصادية الدولية.

معلومٌ أن أحد مصادر تبرير وجودها، هو إصدار مثل هذه التقارير الراصدة للحراك العالمي في مجالات التجارة والاستثمار، وهدفها إعطاء الانطباع بأن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «UNCTAD»، هي إحدى المنظمات المنحازة لمصالح الدول النامية ضمن منظومة الأمم المتحدة. وهي لهذا تقوم بمثل هذه الأنشطة (إصدار مثل هذه التقارير)، لتسليط الأضواء على الإجحاف الذي تعانيه الدول النامية نتيجة لعدم التوزيع الجغرافي العادل للاستثمارات المباشرة.

ملاحظتان تلفتان الانتباه في هذا التقرير هما:

إنه في الوقت الذي أصبحت فيه الدول النامية تتحلى بالجرأة والثقة بالنفس، في المبادرة لاتخاذ تدابير تسهيلية لجذب المستثمرين، فإن الدول المتقدمة بالمقابل، تتصرف على نحو ارتدادي على هذا الصعيد، وذلك باتخاذها ما أسماه التقرير «تدابير أقل تفضيلاً» (أي منفرة) للمستثمرين، وذلك بإفراطها في فرض قيود من قبيل تعقيد عملية فحص سلامة أوراق المستثمرين المباشرين بدواع أمنية.

يُفهم من التقرير أيضاً، أن اتفاقيات الاستثمار الدولية كآلية لتحفيز الاستثمار البيني المباشر بين الدول، قد أضحت مقاربة غير متناسبة مع العصر، وذلك برسم أن 16% فقط من مجمل الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي غطته اتفاقيات الاستثمار الدولية الجديدة، بحسب التقرير. فقد تم في العام الماضي (2023) إبرام 29 اتفاقية استثمار دولية جديدة، أقل من نصفها عبارة عن معاهدات ثنائية تقليدية. ولا يزال تحديث اتفاقيات الاستثمار الدولية القديمة بطيئاً، حتى أن نصف عمليات الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم، لا زال خاضعاً لمعاهدات لم يتم تحديثها، ما يرفع مخاطر تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول.

من الإيجابيات التي سجلها التقرير في عام 2023 الماضي، أنه بخلاف ضعف جاذبية الاستثمار المباشر على الصعيد العالمي بشكل عام، فإن الدول العربية خالفت هذا الاتجاه، وسجلت نجاحاً في استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة، بتمكن ثلاث عشرة دولة عربية من استقطاب نحو 71 مليار دولار، تصدرتها دولة الإمارات ب 30.7 مليار دولار، بنسبة 42.8%، تلتها السعودية ب 12.32 مليار دولار (17.8%)، وحلت مصر ثالثة ب 9.84 مليار دولار (13.72%)، تلتها البحرين ب 6.84 مليار دولار (9.54%)، فسلطنة عمان 4.74 مليار دولار (6.61%)، ثم الكويت 2.11 مليار دولار (2.94%). وفي المركز السابع حلت الجزائر التي استقطبت استثمارات أجنبية مباشرة قدرت ب 1.22 مليار دولار (1.7%)، تلتها المغرب 1.09 مليار دولار (1.52%)، ثم الأردن 843 مليون دولار (1.18%)، وعاشراً تونس ب 768 مليون دولار (1.07%). وعلى التوالي كان نصيب كل من: لبنان 655 مليون دولار، والسودان 548 مليون دولار، وفلسطين 35 مليون دولار (في الضفة الغربية وقبل السابع من أكتوبر 2023، على الأرجح). هذا مهم، إنما الأهم هو وجهة هذه الاستثمارات، لقطاعات إنتاجية أو غير إنتاجية؟

*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/437fb6ff

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"