عادي
كلية مُتوفى تعيد الأمل لطفل في عيد ميلاده الثالث

التبرّع بالأعضاء.. «حياة» ينقذ حيوات

01:28 صباحا
قراءة 6 دقائق

تحقيق: عهود النقبي

يحتفل العالم في 13 أغسطس/ آب من كل عام، باليوم العالمي للتبرّع بالأعضاء، لتكريم المتبرّعين، ونشر الوعي بقيمة هذا العمل الإنساني، حيث يمكن لمتبرّع واحد أن يساعد على تغيير حياة أكثر من 10 أشخاص.

وجاءت دولة الإمارات في المركز الأول عالمياً في نمو التبرّع وزراعة الأعضاء، بنسبة 417 % خلال آخر أربع سنوات، وفقاً لنتائج مؤتمر الجمعية العالمية للتبرّع بالأعضاء، وعلى مدى سنوات شهدت هذه العملية جدلاً واسعاً، وفضّلت الإمارات عدم الدخول في هذا الجدل قبل أن يكون لديها رؤية محددة، إلى أن بدأت بتنفيذ البرنامج الوطني للتبرّع بزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية «حياة»، وهي تضع نصب عينيها أنه عمل يجسد أسمى معاني العطاء، وبالفعل حقق البرنامج نجاحاً لافتاً، وكان سبباً في إنقاذ حياة الكثيرين.

وفي السطور التالية تسرد «الخليج» قصة إنقاذ حياة طفل كان يعاني فشلاً كلوياً، كما تنفرد بآراء دينية، واجتماعية، وطبية، حول عملية التبرّع بالأعضاء، بين سدّ الاحتياج الإنساني، والتحريم.

الصورة

نجح مستشفى الجليلة، أول مستشفى متخصص للأطفال في دولة الإمارات والتابع لدبي الصحية، في إنقاذ حياة الطفل المواطن سعيد الشامسي، الذي كان يعاني فشلاً كلوياً مزمناً من خلال عملية زراعة للكلى، بالتزامن مع عيد ميلاده الثالث، ليكون أصغر طفل مواطن تُجرى له مثل هذه العملية في دبي.

  • معاناة طفل

تبيّنت إصابة الطفل سعيد الشامسي بالفشل الكلوي قبل ولادته، واستمر معه بعد الولادة، حيث استدعى ذلك غسل الكلى من 3 إلى 4 مرات أسبوعياً، وبواقع 4 ساعات ونصف الساعة لكل جلسة، إلى أن اقتضت حالته عملية زراعة كلى عاجلة، وبعد الحصول على كلية من متبرع متوفى، وتأكد التطابق الكامل للأنسجة، جرى استكمال التحضيرات، وتدخل الفريق الطبي لإجراء العملية التي تكللت بالنجاح.

وقالت والدته: «عانينا بشكلٍ كبير قبل إجراء عملية الزراعة، حيث كنا مضطرين لإجراء الغسل الكلوي، بشكل دوري ومنتظم، إلى أن تلقينا اتصالاً هاتفياً من مستشفى الجليلة للأطفال لإبلاغنا بموعد إجراء العملية، وعلى الرغم من القلق والمخاوف الكبيرة التي انتابتنا، إلا أن الطاقم الطبي كان يبث الطمأنينة في نفوسنا، فضلاً عن اهتمامه، ورعايته التي قدمها طوال الوقت».

وأضافت: «استعاد سعيد، ولله الحمد، عافيته، وتمكّن من مواصلة النمو بشكل طبيعي وممارسة الأنشطة اليومية، لذا لا نستطيع أن نوفي فريق عمل مستشفى الجليلة للأطفال، وفريق دبي الصحية، حقهما من الشكر والتقدير على ما بذلاه وقدّماه من رعاية، واهتمام، ومتابعة دائمة».

  • مواكبة التوجهات

أكد الدكتور محمد العوضي، نائب المدير التنفيذي لمستشفى الجليلة ومستشفى لطيفة، أن عملية إنقاذ حياة هذا الطفل تعد إنجازاً طبياً جديداً، ينضم إلى سجل نجاحات «دبي الصحية»، الذي يعزز مكانة الإمارة كوجهة لعمليات زراعة الكلى، بخاصة في ظل ما توفره من مقومات، وإمكانات، وتقنيات متقدمة.

ويرى أن زراعة الأعضاء أحد الحلول العلاجية التي من شأنها إنقاذ حياة مرضى الفشل العضوي، فقد تمكنّا من تحقيق النجاح بنسب عالية جداً في عمليات زراعة الكلى بعدد يفوق 40 زراعة كلى ناجحة، منذ إطلاق الخدمة، وحتى يومنا هذا.

فيما أكد الدكتور علي العبيدلي، رئيس اللجنة الوطنية للتبرّع وزراعة الأعضاء، أن جميع الدول لن تصدر القوانين إلا بعد التشاور مع وزارة العدل، والهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، وهناك آراء دينية اجتمعت على أن كل الأديان السماوية تسمح بالتبرّع، وهناك الكثير من الدول تفضل عدم الدخول في جدل قبل أن يكون هناك برنامج، ودولة الإمارات اختارت هذا المسعى، فالقانون يسمح، وهناك الكثير من قصص النجاح.

وأضاف أن البرنامج الإماراتي شهد إقبالاً واسعاً من المتبرّعين، ولفت إلى توفير خدمة الفتاوى الدينية حتى يتسنى للمقبلين على التبرع التأكد الشخصي من الإجازة، وهناك عوائل لجأت إلى هذا الخيار، فمع المعلومات التي قدمت لها من القطاع الطبي، طلبت التواصل مع هيئة الأوقاف، وتم التنسيق معها للاطلاع على الفتاوى، وفي المجمل فإن من لديه الاستفسارات سواء الدينية، أو الطبية، فهذا الأمر متاح للجميع. وأفاد بأن عدد المتبرّعين الإجمالي منذ عام 2017 مع بداية البرنامج بلغ 202، وقد تميز البرنامج بإظهار التكافل المجتمعي والتسامح، بتمكين الزراعة للمحتاجين من مرضى الفشل العضوي من المقيمين في الدولة، بغض النظر عن العِرق، أو الدين، أو الدخل.

  • فرق اختصاصيّة

أشار الدكتور والدو كونسيبسيون، نائب المدير الطبي في مستشفى الجليلة، واستشاري زراعة الأعضاء في دبي الصحية، وأستاذ الجراحة في جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية، إلى الحرص على اتّباع أفضل الممارسات في جميع المراحل، بدءاً من الاستعداد لمثل هذه العمليات، وخلالها، وما بعدها، حيث نقوم في البداية بالإجراءات اللازمة للتأكد من اللياقة البدنية للمتبرع، والمتلقي.

ولفت إلى مراعاة مجموعة من الشروط التي يتعين أخذها في الاعتبار عند زراعة الأعضاء في جسم المريض من المتبرّعين الأحياء، وهي ألّا يقل عمر المتبرع عن 21 عاماً، إلى جانب عدم وجود مقابل مادي، أو ضغط نفسي، في جميع حالات التبرّع، إلى جانب إجراء التقييم الطبي، والقيام بكل الفحوصات اللازمة لإثبات سلامة المتبرع، وقدرته على التبرّع، إلى جانب عدم إصابته بأي نوع من الأمراض المزمنة، مثل السرطان، أو الفيروسات الأخرى».

وأوضح: «في أعقاب ذلك، يقوم فريق طبي يضم خبراء ومختصين بإجراء اختبار للوظائف الحيوية للكلى، للتأكد من صحتها، ومن ثم نحرص على إجراء أشعة مقطعية لرؤية الأجزاء في الجسم والشرايين، على حد سواء، وعند ثبوت الأهلية، نتأكد من توافق الأنسجة وفصيلة الدم بين المتبرع، والمتلقي، وبعد التأكد من الحصول على الموافقة الطوعية للمتبرع، نعمل بالاعتماد على تقنيات متطورة، على وضع مجموعة من الاحتمالات للمخاطر التي قد يتعرض لها المريض أثناء عملية الزراعة، وللتأكد تماماً من قدرة المريض على تحمّل مثل هذه العملية الجراحية».

  • مخاطر لا بدّ منها

حول مخاطر عمليات زراعة الأعضاء، وتحديداً الكلى، أوضح الدكتور والدو: «نفخر في دبي الصحية بأن لدينا نسب نجاح عالية جداً في مجال زراعة الكلى، ومع ذلك قد يترتب على هذا النوع من العمليات، كغيرها من العمليات المشابهة، مجموعة من المخاطر التي قد تظهر بعد إتمام العملية الجراحية، وتشمل احتمالية عدم تقبل جسم المريض للكلية الجديدة، أو زيادة احتمالية الإصابة بالعدوى بسبب الأدوية التي تُثبط الجهاز المناعي، والتي تعد ضرورية لضمان استمرارية عمل الكلية المزروعة.»

  • زراعة الكلى في دبي

تم إجراء 100 زراعة كلى في إمارة دبي حتى بداية عام 2024، منها 40% في مستشفى الجليلة للأطفال الذي يضم مركزاً لزراعة الكلى، يقدم الرعاية الصحية عالية الجودة للأطفال الذين يعانون أمراض الكلى المزمنة والخطرة، في بيئة صديقة لهم لإنقاذ حياتهم.
 

الصورة
  • لا حرج في تحقيق النفع دون ضرر أو تشويه
حسين العنزي


أكد الداعية والاستشاري الأسري الدكتور حسين علي العنزي، أن مسألة التبرّع بالأعضاء لا تخلو من حالتين، الأولى وهي أن يكون هذا التبرع في حياة الإنسان، يُنقل العضو منه وهو حي إلى شخص آخر، والحالة الثانية أن يتبرّع به حياً، ويُنقل بعد موته.

وأوضح أنه في الحالة الأولى إن كان العضو تتوقف عليه حياة المتبرّع به فهذا لا يجوز، كأن يتبرّع الإنسان بقلبه، لأن في ذلك سيلقي بنفسه إلى التهلكة، والأمر محرّم شرعاً، أما إذا كان التبرّع سيؤدي إلى تشويه خلقته فهذا أيضاً لا يجوز، لوجود الضرر، كالتبرع باليد، أو القرنية، أو ما شابه ذلك، بالاستناد إلى القاعدة الشرعية «الضرر لا يُزال بمثلهِ».

وأضاف أنه إذا كان التبرّع بهذا العضو تتحقق فيه المصلحة والنفع إلى من نُقل إليه، ولا يترتب عليه ضرر، أو حرج، أو تشويه لخلقة هذا الناقل، أو المتبرع به، فمما لا شك فيه أن يدخل في باب تفريج الكرب، والإحسان، والتعاون على الخير، والبر، والتقوى، وهذه من الصور الجائزة ولا حرج فيها، لأن هذا العضو الذي سيتبرع به لن يترتب عليه ضرر، أو مفسدة، كأن يتبرع بكليته بوجود الكلية الأخرى، التي يمكنه أن يمارس بها حياته بشكل طبيعي.

وأشار إلى أن الصورة الثانية وهي التبرع بالعضو، وينقل بعد موته، بوصية منه أن تُنقل أعضاؤه، كالقلب والكلى وما شابه ذلك من الأعضاء، هنا نقول إن مصلحة الأحياء مقدمة على مصلحة المحافظة على حُرمة الأموات، وحينما نحرر هذه المسألة نرى أنها جائزة، ففي هذه الحالة المسألة قد يكون بها إنقاذ لهذه الأنفس، وشفاء من الأمراض المستعصية، ونرى في ذلك الجواز، ولكنها تشمل أقوالاً أخرى، ووقع فيها الخلاف، ولكن خلاصة المسألة نرى، والله تعالى أعلم، أن يكون بارتكاب الأخف من المفاسد، واعتبار العليا من المصالح، وأن يكون هذا المتبرّع له معصوم الدم، وأن يكون مسلماً، أو ذمياً، ففي هذه الحالة يجوز أن يتبرع له وينقل بعد الموت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2spycchv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"