الدولار.. مشكلة الجميع

22:06 مساء
قراءة 4 دقائق
هيبوليت فوفاك*

في عام 1971، قال وزير الخزانة الأمريكي جون كونالي لنظرائه في مجموعة العشرة: «الدولار عملتنا.. لكنه مشكلتكم». وكان كونالي صريحاً جداً بشأن حقيقة مفادها أن الدولار، على الرغم من كونه العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية، فإن غرضه الأساسي كان تعزيز المصالح الأمريكية.
ويظل هذا صحيحاً اليوم. ولكن في العقود الأخيرة، شكل الدور المركزي للدولار في التجارة والتمويل العالمي مشكلة أكبر بالنسبة للاقتصادات الناشئة والنامية مقارنة بالدول الغنية في العالم. وعلى سبيل المثال، أثرت دورة تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي الحالية، مثل غيرها من الدورات السابقة، بشكل غير متناسب في الاقتصادات الناشئة والنامية من خلال تغذية تدفقات رأس المال الضخمة والمفرطة. وقد أدى هذا بدوره إلى تقلبات العملة التي فاقمت التحديات الاقتصادية الكلية وزادت تكاليف خدمة الديون، ما أدى إلى محدودية الحيّز المالي للاستثمار العام.
ولكن التباينات الأخيرة في السياسة النقدية بين الفيدرالي والبنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة الأخرى عملت على تأجيج تقلبات أسعار الصرف في بلدان العالم الغنية. ولعل التداعيات المترتبة على موقف بنك الاحتياطي الفيدرالي المتمثل في إبقاء أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول كانت أكثر وضوحاً في اليابان، التي لجأت مؤخراً إلى التدخل في أسواق الصرف الأجنبي لوقف الانزلاق السريع للين.
وفي يونيو/حزيران، أضافت وزارة الخزانة الأمريكية اليابان إلى «قائمة المراقبة» الخاصة بها بسبب ممارسات الصرف غير العادلة المحتملة. ورغم أن الوزارة امتنعت عن تصنيف اليابان «متلاعب بالعملة»، وهو ما كان ليؤدي إلى فرض الولايات المتحدة عقوبات على أحد أقوى حلفائها، فإن هذه الخطوة كانت مهمة، لأنها سلطت الضوء على المخاطر العالمية المترتبة على التباين في السياسة النقدية والتحديات المتأصلة في التنسيق الدولي على هذه الجبهة.
والواقع أن اليابان أُدرجت في قائمة المراقبة لأنها استوفت معيارين من المعايير الثلاثة التي تستخدمها وزارة الخزانة لتقييم سياسات الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة: فائضٌ تجاري مع واشنطن لا يقل عن 15 مليار دولار، وفائض في الحساب الجاري يتجاوز 3% من الناتج المحلي الإجمالي. أما المعيار الثالث فهو التدخل المستمر أحادي الجانب في أسواق الصرف الأجنبي، مع صافي مشتريات لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى 12 شهراً.
لقد أنفقت السلطات اليابانية بالفعل مليارات الدولارات لدعم الين، الذي فقد ثلث قيمته منذ عام 2021 وانخفض إلى أدنى مستوى له في 34 عاماً عند أكثر من 160 يناً للدولار في إبريل/ نيسان. ويرجع هذا إلى حد كبير إلى الفارق الهائل في أسعار الفائدة بين البلدين. فعندما رفع الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل حاد في أوائل عام 2022 لمكافحة التضخم، حافظ بنك اليابان على سياسة أسعار الفائدة السلبية لمعالجة الانكماش المحلي. وفي تقريرها، أكدت وزارة الخزانة توقعاتها «بأنه في أسواق الصرف الكبيرة التي يتم تداولها بحرية، يجب أن يقتصر التدخل فقط على الظروف الاستثنائية للغاية مع التشاور المسبق المناسب».
والأمر الأكثر أهمية هو أن السلطات اليابانية أنفقت مبلغاً قياسياً قدره 9.8 تريليون ين (61.2 مليار دولار) في إبريل ومايو لعكس اتجاه الين الهبوطي، متجاوزة إجمالي المبلغ المستخدم للدفاع عن العملة في عام 2022. وعلى الرغم من حجم هذه الجهود، استمر هبوط الين، ما يؤكد التحديات المتمثلة في الدفاع عن عملة متدهورة في نظام مالي عالمي متكامل للغاية.
وفي يوليو/تموز، أنفقت طوكيو 36 مليار دولار على محاولة أخرى لشراء الين، وهو التدخل الثالث لها هذا العام. وتشير تقديرات «سيتي غروب» إلى أنه لدى البلاد 200 إلى 300 مليار دولار في الاحتياطيات المالية لأي حملة من هذا القبيل، والتي قد تستلزم بيع الدولار، أو العملات الأخرى، أو حتى السندات الحكومية لدعم الين والتخفيف من الضرر الاقتصادي.
في العادة، تتدخل السلطات النقدية لإضعاف العملة المحلية لتعزيز الصادرات والقدرة التنافسية. وقد فعلت اتفاقية بلازا لعام 1985، التي أدت إلى ارتفاع قيمة الين بنسبة 46% مقابل الدولار، الأمر ذاته بالنسبة للولايات المتحدة، ولكنها قللت من قدرة اليابان التنافسية، ما دفع شركات السيارات اليابانية إلى إنشاء مصانع لها في أمريكا.
ولكن الخطوات غير العادية التي اتخذتها السلطات النقدية اليابانية مؤخراً تعكس التكاليف المرتفعة لتباعد السياسة النقدية على الاستقرار والنمو العالميين. ففي حين عزز ضعف الين السياحة الوافدة والصادرات إلى الولايات المتحدة، أدى أيضاً إلى تقلبات مفرطة في أسعار الصرف، أثبطت الاستثمار المؤسسي ورفعت التكاليف على الصناعة والمستوردين. كما تباطأ الاستهلاك الخاص، الذي يمثل أكثر من نصف الاقتصاد الياباني، ما زاد من خطر الركود التضخمي. ونتيجة لهذا، راجعت الحكومة اليابانية توقعاتها للنمو للسنة المالية الحالية بالخفض من 1.3% إلى حوالي 0.9%.
لقد أبرزت هذه الفترة الجديدة من التباعد السياسي بين البنوك المركزية العالمية التأثير الهائل للدولار. وعندما تحركت هذه السلطات النقدية في تناغم، كان من السهل النظر إلى العملة الأمريكية بوصفها قضية خاصة بالاقتصادات الناشئة والنامية فقط. ولكن الضغوط الأخيرة على العملة في اليابان تعمل كتذكير صارخ بأن الدولار يشكل مشكلة للاقتصادات الغنية والفقيرة على حد سواء.
* كبير الاقتصاديين السابق ومدير الأبحاث في البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد (بروجيكت سنديكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3cjjy9b4

عن الكاتب

كبير الاقتصاديين السابق ومدير الأبحاث في البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"