سالم بن معيل: نقل «الكونكريت» جعل مني رجلاً

05:39 صباحا
قراءة 5 دقائق
حوار: فدوى إبراهيم

في ذاكرة سالم بن معيل الكتبي الكثير من تفاصيل الحياة قديماً، امتهن العديد من المهن التي صقلت خبرته وقوته، كما أنه يعتز بتربيته التي جعلت منه رجل أفعال لا أقوال، وأخلاق وصفات يرجو أن يتحلى بها جميع شباب اليوم الذين شغلتهم التقنيات الحديثة، مع الكتبي كان لنا هذا الحوار:
لا يعرف سالم بن معيل الكتبي تاريخ ميلاده تحديداً، شأنه شأن الكثير من بني جيله الأوائل، حيث لم يتسن لهم في تلك الظروف تدوين تاريخ الميلاد الحقيقي، لكن ميلاده مدوّن على انه من مواليد أوائل الخمسينيات.
مرحلة الطفولة
حول طفولته يحدثنا الكتبي قائلاً: «كانت الحياة بسيطة جداً، ولم يكن هناك حساب لما سيحدث غداً، والمدارس قليلة جداً، وأذكر في مرحلة من حياتنا سكنا في منطقة «واسط» عند مستشفى القاسمي حالياً، ولم يكن في تلك المنطقة آنذاك مدارس، وأذكر أن طفولتنا كانت بسيطة لكن يحكمها ضوابط تربوية، فرغم انشغال الأب إلا أنه كان صارماً في التربية ولا يمر سلوك خاطئ عنده مروراً عابراً، لكن برغم ذلك لم يكن الضرب أسلوبه، بل نظرة واحدة منه نعرف منها ماذا يريد، وما إذا كنا على خطأ، وفي تلك الفترة أي الطفولة كنا عند غياب الشمس نمنع من الخروج من المنزل، وبعد أن نصلي المغرب والعشاء لا يعد هناك شيء نفعله، سوى أن هنالك بعض الرجال الذين يتبادلون الأحاديث مع أبي، ويظلون حتى التاسعة أو التاسعة والنصف، ومن ثم يغادر كل منهم إلى بيته حيث يحين وقت النوم، فلا يوجد ما نتسلى به من إذاعة أو تلفزيون، بل كان الاختلاط بالناس والأحاديث هي التسلية الوحيدة لدينا، يتحدثون حينها عن سباقات الهجن، الصيد، الأعراس، واللعب بالنسبة للأطفال». ويشير الكتبي إلى أن هنالك مجالس كانت معروفة للرجال للاجتماع فيها، ومنها مجالس المزاريع والعبادلة وبن جرش ومجالس في منطقة اللية، وأن المنازل حينها كانت مصنوعة من النخيل بأبسط الإمكانيات.
أهم القيم التي تعلمها الكتبي في فترة الطفولة يحدثنا عنها قائلاً: «كما قلت كان الوالد صارماً في تربيته لنا، وهمه أن يصنع رجالاً، فكان أول ما يجده من أساسيات التربية هو الحرص على الصلاة والانتظام بها، فكان على ما أذكر عمري أقل من 10 سنوات أصلي وأصوم. ولأن الحياة كانت بسيطة والظروف الاقتصادية كذلك، كان بعض الأطفال يأكلون عند عوائل من الجيران وينامون، بينما كان والدي يحرص علينا أن لا نذهب ونطلب طعاماً من جار حتى وإن وصل بنا الجوع إلى منتهاه».
ومن الأخلاق التي تربى عليها الكتبي في طفولته، هو عدم التحدث بحضور الرجال، بل تعلم القيم منهم من خلال الإنصات لهم فقط، وأن لا ننقل أبداً ما نسمعه أياً كان، ففي نقل الكلام عقوبة يعاقبون عليها من قبل والدهم، ويضيف: «تعلمنا أننا حين نسمع بخصومة بين متخاصمين ألا نتحدث فيها، ولا ننقل أخبارها، بل إن كان في مقدورنا فعل فهو الإصلاح بين المتخاصمين، وعدم نقل أي أحاديث لأن ذلك سيتضمن الكذب من خلال تناقل الخبر».
ويؤكد الكتبي أن ما تعلموه من والدهم ظل معهم للكبر، حيث كان أخوه يعمل ضابطاً شرطياً تمر عليه يومياً العديد من المشاكل لأناس يعرفهم ولا يعرفهم، وعلى مدى 30 سنة من عمله، لا يذكر الكتبي أن أخاه جاء مرة من عمله ليتحدث عنه والمشاكل التي يشهدها، فكل شخص محاسب على كلمته، موجهاً الكتبي كلمته للشباب اليوم الذين يتناقلون صوراً لحوادث ومشاكل ليتضاحكوا عليها عبر هواتفهم ويتناقلوا الأخبار الكاذبة، فيخبرهم بأن هذا ليس من أخلاق الإماراتيين.
عشر روبيات
عمل الكتبي في مهن كثيرة منذ شبابه، كان لها دور كبير في صقل شخصيته، وعن ذلك يقول: «عملت في عدد من المهن، كان منها على المركبة في توصيل الركاب، فكنت أذهب للسوق وأحمل معي بعض النساء اللاتي كن يحملن الجفير، وأكسب ما بين خمس روبيات إلى عشر روبيات في اليوم من خلال عملي في السوق للتوصيل، والطريف في ذلك أنني كنت أعرف القيادة وأقود بدون رخصة، ثم حصلت على رخصة قيادة كان آخر تجديد لها سنة 1964. وبعد ذلك سعيت لتغيير مهنتي بما يقدم لي مالاً أكثر، وتوجهت حينها لشخص يدعى عبدالله الشامسي حيث كان يمتلك مركبات من نوع «فورد» لنقل الكونكريت، فعملت في هذه المهنة وأنا ما زلت شاباً صغيراً، وأذكر حينها قال لي أني لن أتحمل العمل الشاق هذا، لأنها شاحنات نقل كبيرة، «شواربي حينها كانت غير مكتملة»، فكان العمل أن نذهب للبر نجلب الكونكريت من المنامة، ومن السيجي، ومن الوديان، إلى الشارقة، وكانت الطرق صعبة جداً، نسير في الرمل بسرعات معينة كي لا تعلق المركبات فيه، لأنها لو علقت فمن أصعب الأمور أن نستطيع إخراجها، وكنا نبدأ العمل من الثالثة صباحاً ونأخذ يومين إلى ثلاثة أيام في الطريق، ومن هذا العمل أصبحت رجلاً قوياً أتحمل المشاق. ويشير الكتبي إلى أنه استطاع من هذا العمل أيضا أن يزيد مدخوله المادي، حيث كان يتقاضى السائق 16 روبية، وأحياناً تزيد ساعات العمل فيكون لكل ساعة زيادة روبية، وكانت بالنسبة لهم فرصة لزيادة رواتبهم، وحتى العام 1969 ظل عمل الكتبي كسائق، إلى أن عمل في مجال البترول وكان العمل يبدأ من السادسة صباحاً حتى السادسة مساءً، وفي العام 1979 انتقل للعمل في وزارة التربية حسب قوله، وظل فيها لمدة تصل إلى 23 سنة ثم تقاعد عن العمل.
صعوبات الماضي
يشير الكتبي إلى أن الحياة التي عاشها قبل قيام الاتحاد، كانت تكتنفها الكثير من الصعوبات، لكنها على بساطتها كانت حياة مقبولة لهم، بل كان الأشخاص يعيشون بنفوس طيبة، ينام أحدهم وهو يعلم أن ليس هناك ما يأكله في الصباح، وليس لديه روبية واحدة، فيفيق من نومه و«يتقهوى» عند جاره ويأكل حبات من الرطب ويتوجه لعمله وهو راض. ويقول، إن هناك بعض الناس كانت تزرع الخضار لتجد ما تأكله، ولم تكن وجبة الغداء يومية لدى الكثير من العائلات، وغالباً العشاء هو الأساسي.
ويشير الكتبي إلى أنه قبل قيام الاتحاد، كان التفاح الصغير والرمان يأتي من خارج الدولة، وكذلك الموز من سلطنة عمان، أما الرطب فيأتي من مسافي وسيجي، وذلك بواسطة الجمال حيث يستغرق وصوله للشارقة أسبوعا، يصل تحديداً حتى دوار الكتاب كما يسمى اليوم، الذي كان عبارة عن أرض زراعية، وتشتريه الناس من هناك، بينما كان السمن والعسل و«الهمبة» يأتي بنفس الطريقة من المناطق الشرقية.
ومن مصاعب العمل يقول: «أذكر انه حين كنت أعمل في شركة بترول متخصصة للتنقيب عن النفط سنة 1969 كنا نحاول أن نأخذ استراحة كقيلولة، فنأخذها تحت المركبات لنحتمي من الشمس، فكانت ظهورنا تتألم وتحترق من الحصى في أماكن في البر، وتتقرح من أثر الجلوس الطويل على مقاعد السيارات، ولا نجد مياهاً نشربها سوى من خزانات أصابها الصدأ، لذلك كان لون الماء يميل للأحمر».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"