معهد الشارقة.. حارس التراث الإنساني

إنجازاته تتواصل منذ تأسيسه قبل عامين
23:32 مساء
قراءة 7 دقائق
الشارقة: أمل سرور

ما أجمل لحظات الميلاد، وما أصعب ما يسبقها من مخاض وآلام. وما أروع الاحتفال بيوم ولادة الأمل الذي بات يكبر يوماً بعد يوم ليحقق أحلام ذويه.
عامان مرا على ميلاد معهد الشارقة للتراث الذي تأسس بموجب المرسوم الأميري رقم 70 لعام 2014. وخلال هذين العامين استطاع المعهد أن يحقق الكثير من الأحلام والإنجازات على أرض الواقع، ليصبح شاباً في ريعانه حاملاً مصباح الإشعاع الثقافي والعلمي، ناشراً التميز والإبداع، خادماً التراث الثقافي الإماراتي والعربي والعالمي، محققاً رؤى وتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في صون التراث ونقله للأجيال المقبلة.
سطور مقبلة نحاول أن نعرض فيها مسيرة معهد الشارقة للتراث عبر عامين.
المتأمل للعديد من البرامج والفعاليات والأنشطة التي يحرص المعهد على تنظيمها على مدار العام بشكل متواصل والتي دائماً ما تتم في ظل تفاعل مع أفكار وتجارب وخبرات الآخرين من مختلف بلدان العالم، يتيقن بأن التواصل مع ثقافات العالم وبناء جسور بينها وبين الإمارات فكرة يضعها مدير المعهد عبد العزيز المسلم نصب عينيه. ولتكن أسابيع التراث العالمي التي انطلقت للمرة الأولى في مطلع العام الجاري هي البداية التي ننطلق منها، وهي تلك التي يستضيف فيها المعهد في مركز الفعاليات بالشارقة «البيت الغربي»، شهرياً بلداً عربياً شقيقاً أو أجنبياً صديقاً، لعرض برنامج تراثي متنوع، على مدار أسبوع.
يأتي هذا البرنامج في ظل السعي المستمر للمعهد إلى التعريف بالتراث الإماراتي، والتواصل والتفاعل مع الجهات والمؤسسات المعنية في مختلف بلدان العالم، وتبادل المعارف والتجارب والخبرات معها، بما يسهم في الحفاظ على التراث ويحفظه للأجيال القادمة.

عائشة غابش، المسؤولة عن تنظيم الأسابيع العالمية تحدثت عن تلك الفعالية التي وصفتها بالمهمة والمميزة والمؤثرة قائلة: علينا أن نقول في البداية إن أسابيع التراث الثقافي العالمي تعود إلى توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وفي إطار أنشطة المعهد للتعريف بالتراث الثقافي العالمي وانفتاحه على التجارب العربية والدولية في هذا المجال. وكانت البحرين أول ضيف للأسابيع، ثم جاءت المملكة المغربية لتكون الضيف الثاني للأسابيع، وعرض الوفد المغربي العديد من الفعاليات والبرامج والأنشطة، من بينها معرض للفنون التشكيلية، ومعرضا صور، أحدهما للمدن المغربية الساحلية، والثاني عن مساجد المغرب، وندوة تناولت عميد المؤرخين المسرحيين المغربي الطيب الصديقي.

أما عن الأسبوع المصري، ومازال الحديث على لسان عائشة غابش، فقدم من خلاله الوفد المصري تشكيلة غنية ومتنوعة من التراث المصري العريق والغني، بدءاً بالمحاضرات مروراً بعروض مرئية لفنون الرقص والألعاب المصرية الشعبية، بالإضافة إلى عروض لتشكيلة من المأكولات والمشروبات الشعبية المصرية، مثل العرقسوس، والفول والفلافل، وغيرها من المأكولات الشعبية المصرية. وشهد أسبوع التراث المصري لقاء علمياً حضره عبد العزيز المسلم، رئيس المعهد، و د. أحلام يونس؛ رئيسة أكاديمية الفنون بالقاهرة، للتشاور حول أوجه التعاون المختلفة بين المعهد ومعاهد الأكاديمية. وأضافت غابش: ضمت الأسابيع العالمية فعاليات من قيرغستان، من بينها معروضات تراثية متنوعة من حرف يدوية وأزياء وأكلات شعبية، وموسيقى وأهازيج شعبية، كما تضمنت الفعاليات عرض فيلم عن قيرغستان، وطبيعتها الخلابة، وبعض الطقوس والموروثات الشعبية. ولا يمكن أن ننسى الأسبوعين الإيطالي الذي كان ناجحاً للغاية، والفنلندي، إذ بنينا جسوراً من التعاون بين الإمارات ومختلف دول العالم.

مكتبة متكاملة

تضمنت إنجازات المعهد افتتاح مكتبة حملت اسم الموروث في مارس /‏آذار الماضي، وهي متخصصة في مصادر التراث من كتب ومراجع، المتأمل لضخامتها يعرف جيداً أن هدفها الأوحد هو أن تكون مقصداً للباحثين ووجهة لطلاب العلم والمهتمين بالتراث الثقافي والحضاري بما تضمه من المراجع المتخصصة وغيرها.

مكتبة الموروث أصبحت تمثل إضافة نوعية إلى مكتبات الشارقة، بل الإمارات كلها، لما تحويه من نوادر العلوم وفرائد الكتب، وهي مكتبة مجهزة ومتكاملة، تحوي آلاف العناوين والمضامين في شتى مجالات المعارف والفنون، وتستجيب لتطلعات القراء والباحثين والمهتمين بالثقافة بشكل عام. وتضم المكتبة إصدارات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بالإضافة إلى متحف لأدوات الكتابة، والكثير من الكتب والمعاجم والموسوعات.

ولم يغفل المعهد في مسيرته الحافلة بالإنجازات الإصدارات الإعلامية التي تهتم بالتراث الحضاري، فأطلق في إبريل/‏نيسان الماضي مجلة حملت اسم «الموروث». وعن ذلك الإصدار تتحدث أسماء السويدي مدير المعهد بالإنابة قائلة: المجلة فصلية علمية محكمة متخصصة، تركز على التراث الإماراتي والخليجي والعربي. وجاء انطلاق المجلة تزامناً مع عام القراءة، واحتفاء باليوم العالمي للتراث الذي يصادف 18 إبريل/‏ نيسان كل عام.

وأضافت السويدي: تحمل «الموروث»رسالة تؤكد أهمية رفد الساحة العربية بدراسات وأبحاث عن التراث بهدف سد الثغرات في هذا المجال، وتضم المجلة الكثير من الأقلام العربية المتخصصة، لتكون من أهم مصادر الإشعاع في سماء الثقافة العربية والتراث العربي، وترحب بكل الدراسات والأبحاث والمواد الميدانية والتقارير العلمية التي تلقي الضوء على تراثنا العريق.

دبلومات مهنية

الجديد والمختلف والمميز ليس في الشارقة فحسب بل في العالم العربي، هو ما قدمه معهد الشارقة للتراث هذا العام تحت مسمى الدبلومات المهنية ليشكل بذلك منارة تعليمية تثقيفية ومنصة عربية وعالمية لتدريس مختلف أنواع التراث المادي واللامادي.

وفي هذا الجانب يقول د. محمد عبد الحافظ، المدير الأكاديمي للمعهد: تلك الدبلومات جزء لا يتجزأ من الخطة الاستراتيجية التعليمية للمعهد، واستغرق التحضير لها عاماً من الجهد المتواصل ولم نكن نتصور أن يصل عدد المتقدمين إلى 130 طالباً، إذ توقعت ألا يتعدى عدد الطلاب 60، وهذا يعتبر تحدياً ضخماً لنا، لكن عبد العزيز المسلم رئيس المعهد دعمنا وأعطانا دفعة قوية من أجل الاستمرار والنجاح.
أقسام الدبلومات، 6 الأول يتضمن ترميم المخطوطات والوثائق التراثية، ويعتبر مدخلاً إلى ترميم المخطوطات، والترميم اليدوي والآلي، والمعالجة الكيميائية، والحفظ والتجليد والتغليف، والتصوير الرقمي والأرشفة الإلكترونية، بينما يتضمن القسم الثاني، وهو الجمع الميداني للتراث، أدلة العمل على أرض الواقع من أجل جمع عناصر التراث الثقافي، والكنوز البشرية الحية، وأسس تدوين المادة الميدانية وتوثيقها، واللهجات والفنون القولية الشعبية. أما الدبلوم المهني في إدارة المتاحف، وهو القسم الثالث، فهو مدخل إلى علم المتاحف، وتسجيل العناصر المتحفية وحفظها وعرضها،.

ندوات وحلقات

لم يتوقف قطار الإنجازات في معهد الشارقة للتراث عند الدبلومات المهنية، بل امتد ليشمل الكثير من الحلقات النقاشية والندوات التي ينظمها بشكل شهري منذ لك، على سبيل المثال، تلك التي تناولت «التراث الثقافي في دول الخليج العربي الواقع والتحديات»، وحلقة أخرى تناولت «الكتاب وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة»، وأخرى تحدثت عن «أفضل ممارسات الصون للتراث الثقافي»، وحلقة تناولت «الرعاية الاجتماعية لذوي الإعاقة في الثقافة الشعبية».
الحدث السنوي الأضخم من نوعه الذي تنتظره الشارقة ليكون عرسها التراثي هو أيام الشارقة التراثية التي حملت نسختها الرابعة عشرة في إبريل/‏نيسان الماضي شعار«بالتراث نصون الطبيعة»، وحلت فيها مقدونيا ضيف شرف.

و«الأيام» تعتبر محطة مهمة وعنواناً كبيراً في التعريف بالتراث والأصالة، وضرورة صونه والاستفادة منه والبناء عليه، وتهدف إلى المساهمة في التعرف إلى الموروث المادي والمعنوي، وخلق جيل يعتز بأصالته، ويبني عليها ويطورها. وأيام الشارقة التراثية ملتقى كبير تتفاعل فيه الحضارات والثقافات في مدينة يعرف الجميع دورها ومكانتها الثقافية، وجهودها في مجال الحفاظ على التراث والتاريخ والتعريف بهما.

الراوي الدولي

وانطلق ملتقى الشارقة الدولي للراوي في دورته ال16 هذا العام تحت شعار «جحا تراث إنساني مشترك»، واستطاع أن يجمع كل الروائيين من مختلف دول العالم العربي على أرض عاصمة الثقافة الإسلامية، ليضيء دروب الأجيال الجديدة.

جائزة دولية

قبل أن ينتهي مايو/‏أيار الماضي كان الجميع على موعد مع المؤتمر الصحفي للإعلان عن انطلاق جائزة الشارقة الدولية للتراث الثقافي الدورة الأولى 2016، وتتوزع إلى 3 حقول تتضمن 9 فئات.

الحقول الثلاثة التي تشملها الجائزة هي ممارسات صون عناصر التراث الثقافي، والرواة وحملة التراث «الكنوز البشرية الحية»، والبحوث والدراسات في التراث الثقافي، وتتضمن هذه الحقول 9 فئات، «3 في كل حقل»، وتصل قيمة الجوائز إلى 54 ألف دولار. وتم الإعلان عن الفائزين في ختام ملتقى الراوي الدولي في سبتمبر الماضي، حيث فاز علي القصير من الإمارات عن فئة أفضل راو محلي، والعم صابر المصري من مصر كأفضل فئة راو عربي، وحصدت جوليا موراندي من فرنسا جائزة فئة أفضل راو دولي.
وللجائزة لجنة تحكيم تتكون من عدد من الأعضاء برئاسة أسماء سيف السويدي، مدير معهد الشارقة للتراث بالإنابة، بالإضافة إلى نخبة من المختصين.
هكذا انطلقت مسيرة معهد الشارقة للتراث تعدو سريعاً، وتنطلق وتتقدم وتقدم الجديد كل عام، تسير وأمام عينيها وفي قلبها رؤى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، لتنفذ توجيهات سموه الرامية إلى الحفاظ على التراث الثقافي العربي، ونشر قيم حفظه وأساليب صونه، وتوعية جميع شرائح المجتمع بأهميته وضرورة استمراريته.

عبدالعزيز المسلم: منارة علمية

عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، يؤكد أنه لولا توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لما رأى المعهد النور، ولما أصبح منارة علمية وأكاديمية ومعرفية وعملية وميدانية تسعى إلى التأكيد على أهمية التراث ومكانته، والتعريف به، وحفظه وصونه ونقله للأجيال.
ويشير إلى أن من تلك الأنشطة، على سبيل المثال، لقاء مفتوحاً للموظفين، وورشة تدريبية، وملتقى الحرف التراثية في دورته العاشرة، ودورة تدريبية حول ترميم وصيانة المخطوطات، وأخرى بعنوان «التراث الثقافي في الإمارات»، ومحاضرة بمناسبة يوم المرأة العالمي.
وكذلك كان من بين أنشطة المعهد، حسب المسلم، ورش التحليل والتصوير الضوئي، ودورات تدريبية حول تعقيم المخطوطات وحفظها وأرشفتها، وإدراج التراث الثقافي في الأوعية الثقافية والإعلامية، والإنفوجرافيك، وتقييم الأداء السنوي لموظفي حكومة الشارقة، ومهارات الصوت والإلقاء للمتحدث أمام الجمهور، وورشة عمل تناولت استراتيجيات الوصول للجمهور، وأخرى بمناسبة يوم التمريض العالمي، وحفل تكريم المشاركين في دورات تعقيم المخطوطات وحفظها وأرشفتها.
ويعدد المسلم إنجازات المعهد في الفترة الماضية، منها تنفيذ برنامج الدبلومات المهنية الستة التي بدأت مطلع العام الدراسي الجاري، وهي الأولى من نوعها على المستوى العربي.
ويقول: على الصعيد المعرفي تأسست مكتبة «الموروث»، ومجلة «الموروث»، وأنجزنا مئات الإصدارات والكتب والمطبوعات التي تعنى بعالم وشؤون التراث.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"