نساء ناجحات ... مريم القبيسي: ذوو الاحتياجات قضية عمري

ترى أن الطلاق آخر حلول الخلافات الأسرية
02:22 صباحا
قراءة 9 دقائق
تحب بساطة الحياة، وتفتقدها اليوم بشدة، أحبت دراسة علم النفس منذ صغرها، ورأت أنه مفتاحها لفهم شخصية الآخرين حولها، سعدت أيما سعادة بعملها مع ذوي الاحتياجات الخاصة حتى إنها أصبحت تقول وتكرر: لو لم أكن أعمل معهم لكرست حياتي لخدمتهم متطوعة، بل تعمل على الحد من عددهم بالدولة وفق توجيهات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. إنها مريم سيف القبيسي رئيس قطاع ذوي الاحتياجات الخاصة بمؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية، ورئيسة اللجنة الثقافية بمؤسسة التنمية الأسرية التي التقيناها في هذا الحوار. نريد منك أن تلقي لنا بعض الضوء على الميلاد والطفولة الأولى، وأهم المؤثرات التي أثرت في شخصيتك وأنت صغيرة؟ولدت عام 1965 في أبوظبي لوالد رحمه الله تعالى كان يعمل في قصر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ولأسرة من فخذ بني خدية من القبيسات، وهي أسرة معروفة في أبوظبي، وأبرز ما أحببت صغيرة واستمر معي حتى اليوم هو حبي الشديد للحياة البدوية، فأهل والدتي حفظها الله يقيمون في منطقة الفقع بين العين ودبي وأثناء زيارة الوالدة لهم كنت أبقى هناك وكنت أمارس طقوساً خاصة بالحياة البدوية بشكل يومي فنطبخ على الحطب، ونعيش أجواء الصيف والشتاء في البر المختلف عن الحضر. وأكثر فترات إجازتي الصيفية في الطفولة قضيتها في هذه الأجواء التي أفادتني جداً، فحياة البر بتفاصيلها البسيطة تكسب كثيراً من المهارات أبرزها تحمل المسؤولية والقيادة وأفادني هذا كثيراً في حياتي العملية، إضافة إلى ما كان يقتضيه عمل الوالد من غياب لفترات عن بيتنا وكان هذا يستوجب من الوالدة تحمل المسؤولية بصورة كبيرة، مع ما كان يتميز به الوالد من حب للحياة العائلية، فكان يحرص على اصطحابنا في رحلات ترفيهية في فترات الإجازات، مع حبه للتواجد في المنزل، ومساعدتنا في أمورنا الحياتية أو ترتيب الاحتياجات، فكان بحق نموذجاً عملياً أكسبني كثيراً من مهارات التعامل لذلك أحببت العمل الاجتماعي منه. لعل هذا ظهر بوضوح في العمل التطوعي بعد التحاقك بالتعليم؟ بالفعل وفي كل فترات دراستي حتى التحاقي بكلية التربية بجامعة الإمارات وتخرجي عام 1988 كنت التحقت بالعمل التطوعي من خلال المرشدات وغيرهن والدخول في مشروعات لخدمة المجتمع في منطقة الساد بالعين، والمصفح على سبيل المثال. واختيارك لقسم علم النفس من كلية الآداب في دراستك هل له علاقة بحبك العمل الاجتماعي والتطوعي؟ منذ الصغر كنت أحب علم النفس، ولم أكن أراه مادة أو علماً فقط بل محدداً لطريقة الحياة من حيث هو مفتاح لحسن تعاملي مع الآخرين، فهو يسهم في تحقيق هدفي، هذا إضافة إلى كوني رئيسة اللجنة الثقافية بجمعية المرأة الظبيانية سابقاً مؤسسة التنمية الأسرية حالياً ولازلت بها، وفي الحقيقة فإن الفترة التاريخية التي واكبت تسلم المغفور له الشيخ زايد مقاليد الحكم كانت فترة تطوير، وأرى أنها أفادتني في حياتي العملية كثيراً بداية من دخولي المدارس ونهاية بما أنا فيه الآن. إذن بدأت حياتك العملية عام 1988 عام تخرجك فماذا بعد؟ وما سر ترقيك الدائم في العمل؟ في البداية عملت اخصائية اجتماعية بمدرسة القادسية لمدة ثلاث سنوات ثم ترقيت بعدها إلى موجهة خدمة اجتماعية، ثم أصبحت نائب مدير منطقة أبوظبي التعليمية، أما عن سر تقدمي العملي والوظيفي فهو توفيق رب العالمين من قبل كل شيء ثم امكاناتي الشخصية وهما اللذان أهلاني لأن أنتقل للعمل في وزارة الشؤون الاجتماعية وكلفت بإدارة مركز أبوظبي لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة منذ عام 2003 وفي عام 2004 صدر قرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة بتحويل جميع مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة لمؤسسة زايد العليا وبالتالي انتقلت ضمن الجهاز. وفي رأيي أن الذي شجع رؤسائي على أن يكلفوني بهذا المنصب انني أحدثت نقلة نوعية في خدمات ذوي الاحتياجات الخاصة بمركز أبوظبي وكنا أول مركز حكومي نفتح وحدة للتدخل المبكر من عمر يوم واحد حتى 4 سنوات، مع التوسع في الخدمات التعليمية والتأهيلية في الفترة التالية على ذلك من عمر الصغار من المواطنين، إضافة إلى الخطط الايجابية في التفاعل مع المؤسسات المحلية من خلال الأنشطة والبرامج. يبدو أنك خططت لحياتك العملية منذ فترة مبكرة جداً من حياتك وهو ما لا يحرص عليه كثيرون؟ بل العمل في التخصص المحبب لكل إنسان مهم جداً في نجاح واستقرار حياته بل سعادته، فبعد التخرج تنتهي المرحلة النظرية من الحياة، ولكن تبدأ مرحلة جديدة من الحياة العملية، فإذا كانت على أسس صحيحة فالواحد منا يسير مسيرة حياتية صحيحة، فمجال التخصص يعنى بالجانب الإنساني، وساعدني عملي في المجال الذي أحبه ودرست فيه على اكتسابي القدرة على التعامل الحسن مع الآخرين، وحل المشكلات، وهي وظيفة كل قائد، وكانت من واجبات وظيفتي دراسة الحالات الاجتماعية والظواهر المختلفة، ودعم جماعات العمل الاجتماعي وأيضاً التخطيط لعمل مشروعات اجتماعية تربوية. وعملك مع ذوي الاحتياجات الخاصة ألم يخلق لديك بعداً إنسانياً أعلى من البعد الوظيفي؟ بالطبع فأنا منذ عملت مع ذوي الاحتياجات الخاصة، صاروا بالنسبة لي قضية خاصة جداً، فأنا لست رئيسة لهم، بل مؤمنة بقضيتهم ووضع خدمات جديدة، وحل مشكلاتهم، بل توظيفهم أيضاً فأنا معنية بتوفير الخدمات المختلفة لهم وبخاصة في مراكزهم، ثم دمجهم في المجتمع، وتوفير أسباب الصحة لهم، ووسائل الترفيه المختلفة، وأهتم جداً بكل ما يجعلهم يشعرون بإنسانيتهم ودورهم في المجتمع، وأطمئن إلى أن ولي أمر المعاق متكيف معه، وحتى لو لم أكن في هذا المنصب ما كنت لأتوقف عن خدمة هذه الفئات أبداً فأنا لا أخدمهم من منطلق المنصب بل لإيماني وقناعاتي الداخلية بأنهم أفراد من المجتمع لا بد لنا من أن نتكيف معهم ويتكيفون معنا. وهذا يقودنا لما يجب أن تكون عليه الأسر التي تكتشف وجود طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة لديها فبم تنصحينها؟ أنصحها أولاً بضرورة البحث عن الأماكن المتخصصة لعلاج الأبناء فقد يقدر الله تعالى أن يكون داخل الأسرة أكثر من واحد من هؤلاء، ويجب البحث عن أماكن مراكز التكيف مع الإعاقة، ومتابعتها، والسؤال عن الخدمات كي يكونوا لنا سنداً في رفع كفاءة ونوعية الخدمات التي نقدمها، وهذا التواصل مهم جداً خاصة أن الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة كلما تم التدخل العلاجي مبكراً يتم منع تعدد الإعاقة لديه، والتكاتف بين ولي الأمر ومراكز الرعاية يبرز في مداومة مزاولة المعاق الرياضة وتذوق الموسيقا واستمرار التحصيل التعليمي أو أن يتعلم مهنة يدوية، فيثق في نفسه والناس والمجتمع من حوله وبالتالي يثق الأخير به ويحترمه. وهذا لا يمنع أن أي ولي أمر يكتشف أن طفله معاق يمر بمرحلة نسميها مرحلة الإنكار وحرصاً من المؤسسة على متابعة ومساعدة هؤلاء فتحنا وحدات تدخل مبكر لمساعدة ولي الأمر على اكتشاف الحالة وتشخيصها، وهي وحدات متعددة في مختلف الإمارات وتهدف لمساعدة ولي الأمر في التفاعل مع حالة طفله، والخروج من حالة السلبية التي قد تصاحب الأب، وتدفعه لترك المعاق من دون علاج والدخول في دوامة الحزن عليه. والدولة تدعمنا بمبالغ كبيرة لنحقق البرامج والأنشطة المحلية والخاصة وأيضاً المشروعات التربوية لنتمكن من ممارسة دورنا في توفير الخدمات، والحمد لله فلدينا عدد من المعاقين أصبحوا أبطالاً عالميين في مجال الرياضة. في ظل المقاييس العالمية هل تعتبر معاملة المعاق في الدولة هنا متميزة؟ نحن من ضمن الدول التي تسعى سعياً قوياً لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير الخدمات لهم، وقفزنا قفزة كبيرة في هذا المجال في السنوات الأربع الأخيرة وإن كان هذا لا يمنع كون المقاييس العالية متقدمة، ولكنه صار لدينا قانون خاص بالمعاقين يحدد كيفية خدمتنا لهم في التوظيف والتعليم والصحة. هناك بعض الآباء يشتكون من عدم قدرتهم على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة فبماذا تنصحينهم؟ يجب على الأبوين أن يعلما أن الابن المعاق مهما فعل يجب أن يعذر، بل ويعاملانه بإيجابية، وبتواصلها مع مراكز خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة نسب النجاح في التعامل معهم ستزداد ولديّ شواهد على ذلك من المكفوفين الذين يحصلون على نسب عالية في الثانوية العامة، والصم المتميزين في المجتمع، وكذلك المقعدون أبطال الرياضة، وأذكر الأب والأم بأن أساس نجاح كل هؤلاء ينبع من نجاح أسرهم في التعامل معهم، فيجب أن نتعامل مع المعاقين بمفهوم الرعاية الأبوية الذي يكفل لهم العطف والحنان، ويجب أن يقترب الأهل أكثر منهم ليعرفوا كيف يندمجون مع الجتمع ويتعايشون معه. وانطلقت أنا من مقولة المغفور له الشيخ زايد رحمه الله تعالى الحد من الإعاقة مسؤولية وطنية، ودائماً أسأل نفسي كيف يمكنني أن أحد من الإعاقة فكلما طورت في الخدمات والرعاية وفرص الدمج لذوي الاحتياجات الخاصة صاروا جزءاً من المجتمع، وتحددت المسؤوليات بالتالي، فهي مقولة مهة جداً، وكلنا كأفراد مشاركون في الأمر ويجب أن نوصل المعاق لمرحلة متقدمة جداً من التكيف. هل الاستقرار الأسري دعمك في عملك؟ كثيراً فأنا متزوجة منذ بداية التسعينات ولدي أربعة أبناء، والحمد لله فإن المرأة حينما تستقر أسرياً فإن ذلك يضيف لحياتها الكثير، وفي الحقيقة فإن زوجي يدعمني كثيراً، ويتفهم عملي مما كان له الأثر الايجابي في أدائي العملي وخاصة أن عملي يأخذ وقتاً كبيراً من ساعات يومي، وأنا قادرة على الاهتمام اليومي بعملي وتكييف وضعي الأسري على ذلك والفضل راجع لشعوري بالراحة في المكان، ومع مديريّ فهو جو صحي جداً، وإن كان هناك شيء من التقصير في المنزل أو عدت متعبة فإن تفهم زوجي يقيني من الأمر، وإن بقي له عليّ بعض العتاب أحياناً. هل تفتقدين بساطة الحياة التي تفتحت عليها في البادية؟ نفتقد الحياة الاجتماعية مع كثرة التطورات والمستجدات الكثيرة التي صار معها الجار لا يعرف شيئاً عن جاره، وافتقدنا التفاعل الاجتماعي مع الناس والزيارات مع اختلاف السكن عن ذي قبل، فصار العمل يلتهم أوقات الكثيرين، وصار الوقت المتبقي خاصاً بالأبناء، وافتقاد الحياة البسيطة هذا أحد ضرائب التطور، فكل فترة زمنية لها من الظواهر ما يناسبها، هل نحن نحيا حياة بسيطة كذي قبل؟ لا خيمة ولا مفردات تستلزم أن يكون التواصل الاجتماعي بسيطاً ويجب أن نربي أبناءنا على أن ظروف الحياة اختلفت، ويبقى أننا يجب أن نتفق على هدف محدد في الحياة يهون علينا صعوباتها ولنصل بأبنائنا عبره إلى بر الأمان، وهو إرضاء رب العالمين، وهو ما يعيد إلينا تعاليم الدين الواضحة والبسيطة وعاداتنا وتقاليدنا. إذا ما تحدثنا عن أبرز مشاكل الأسر اليوم وهو الطلاق كيف تقيمين هذه الظاهرة السلبية؟ في هذه القضية من المهم جداً التفاهم والتحاور بين الزوجين، وليس من المهم فتح الملفات القديمة، والتركيز عليها ومعايرة كل منهما للآخر بأنه أساء اختياره، فلقد اختارا بالفعل وتزوجا وعليهما أن يبحثا عن حلول لما هما فيه من مشكلات بحيث يصير الانفصال الحل الأخير. وأيضاً يجب مراعاة قاعدة مهة جداً هي أنهما لا ينبغي لهما أن يختلفا على أمر دنيوي فإن الطلاق يساوي خللاً في شخصية المرأة والرجل معاً، ولكن الذي يدفع الثمن في النهاية الصغار، وللرجل دور كبير في استمرار الحياة الزوجية فيجب أن يعامل المرأة بشيء من الخوف من رب العزة وفي ذهنه حديث الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم وأمره رفقاً بالقوارير، وأيضاً هو دور الأسرة في أن تعلم بناتها كيف يحترمن أزواجهن وبيوتهن وأنفسهن، والمؤسسات المعنية يجب أن يكون لها دور في منع الطلاق عبر اللجان التثقيفية وغيرها. بصفتك رئيس اللجنة الثقافية بمؤسسة التنمية الأسرية هل تتدخلون في حل تلك المشكلات التي تؤدي للطلاق؟ نعم تعمل المؤسسة كلها على حل كثير من المشكلات التي كادت تؤدي لانهيار كثير من الأسر، ونحن لا نستطيع القضاء على الظاهرة ولكن ننقصها. الفارق كبيرحول نظرتها للجيل الجديد في ظل التطورات المتلاحقة تقول مريم القبيسي: تربينا بطريقة خاصة كانت أمهاتنا تحرصن على اكسابنا المهارات مع الدين والقيم والعادات والتقاليد الواضحة إضافة للتعليم واحترام المعلمين وقدرتنا على البحث وأيضاً الاستمتاع بالأنشطة المختلفة، للأسف فأبناؤنا ليسوا مثلنا، كنا نلعب بحرية، ونتخذ الأصدقاء، والصديقات بينما هم مشغولون بالكمبيوتر طوال الوقت، جيلنا كان يشعر بل ينتظر الأعياد، وشهر رمضان الكريم كي يستمتع، بينما هم لا يشعرون بمرور الأيام أو لا يفرقون بينها وهو ما يجعلني أحزن عليهم، وأشعر بأننا فوتنا عليهم فرصة الاستمتاع بطفولتهم فالفارق ما بيننا وبينهم كبير جداً وبخاصة عندما يشتكون من الغربة الناتجة عن عدم حوار بعض الآباء مع أبنائهم. ولذلك أحرص مع زوجي على عدم اعتمادنا على غيرنا في تربية أبنائنا، وأنصح جميع الآباء والأمهات بأن يأخذوا في اعتبارهم أن الحياة ما هي إلا مجموعة من الذكريات فإن أوكلا ما ينبغي عليهما عمله للآخرين فكيف يمكن أن تكون لأحدهما مكانة لدى الأبناء؟ ولذلك يجب انتهاز الفرصة للجلوس مع الأبناء على أن تكون مميزة، هذه الأمور لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن يمكن الاستغناء عن الخادم والسائق وغيرهما.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"