هل يعود «داعش» إلى العراق؟

02:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

المعطيات السياسية والاقتصادية والمعيشية في العراق، تجعل من عودة تنظيم «داعش» الإرهابي إلى إحياء نفسه، وتصليب بناه من جديد، أمراً ممكناً.

بصعوبة كبيرة، تمّ تمرير الموافقة على حكومة مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي الجديد، وإنهاء حالة من الجمود السياسي والحكومي، بعد تقديم رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي استقالته على وقع الاحتجاجات في الشارع، والتي رفعت شعارات ضد التدخل الخارجي ومحاسبة الفاسدين، وتحسين الأوضاع المعيشية. وكانت مصاعب اختيار رئيس وزراء جديد قد اصطدمت بمواقف قوى سياسية عديدة، أبدت مواقف متشنجة.

من جديد، تضرب العراق هجمات عديدة ينفذها تنظيم «داعش» الإرهابي، على الرغم من فقدانه لكثير من زخمه في العامين السابقين، بعد خسارته معركة فاصلة في الباغوز، شرقي دير الزور، في سوريا، واعتقال المئات من عناصره، ومقتل زعيمه أبي بكر البغدادي، حتى إن بعض التحليلات المستعجلة ذهبت إلى أن هذا التنظيم أصبح بلا فاعلية، وربما لن تقوم له قائمة من جديد، وبأن أقصى ما يمكن أن يفعله هو بعض العمليات الصغيرة، خصوصاً بعد انكشافه أمنياً، بعد إدلاء المئات من معتقليه بمعلومات مهمة وواسعة حول بنيته وقادته وطرق تمويله.

من المؤكد أن التنظيم لم يعد بالقوة التي كان عليها في عامي 2014 و2015، فقد خسر المدن والقرى في العراق وسوريا، التي حكمها وأقام فيها ولايات خلافته المزعومة، لكن سياسة احتلال الأرض لدى التنظيم كانت قد ساعدت فيها حالة الهشاشة السياسية والأمنية، وقد قام بملء الفراغ بعد انسحاب القوات الحكومية من بعض المدن في البلدين، كما في الموصل في العاشر من يونيو / حزيران 2015، حيث تركت القوات المسلحة المدينة أمام هجوم واسع للتنظيم، وتطلّبت مواجهة التنظيم إنشاء تحالف دولي بقيادة أمريكية لمواجهته عسكرياً وأمنياً.

نشأة هذا التنظيم الإرهابي تعود إلى بدايات الاحتلال الأمريكي للعراق، مع تأسيس أبي مصعب الزرقاوي «جماعة التوحيد والجهاد» في عام 2003، ثم إعلانه البيعة في العام التالي لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وقد عاش التنظيم تحولات كثيرة، وفقاً لطبيعة وسير التحولات السياسية في العراق نفسه، واستفاد من فشل العملية السياسية بين المكونات التي تقاسمت السلطة، وأقامت ديمقراطية المحاصصة الطائفية، والتي أنتجت نظاماً قائماً على الولاء والمحسوبية، ابتداءً من التعيينات الحكومية والجيش، وليس انتهاءً بالمناقصات والعقود الحكومية.

من الناحية الاقتصادية، لم تشهد القطاعات الاقتصادية غير النفطية أي تطورات ملحوظة، على الرغم من العوائد المالية الضخمة التي وفّرها تصدير النفط، فقد وصل سعر برميل النفط في بعض الأوقات إلى نحو مئة دولار أمريكي، وحيث إن العراق من أهم مصدّري النفط في العالم، ويحتل المرتبة الثانية من احتياطي النفط العالمي، لكن ذلك كله لم يتم استثماره في تطوير الاقتصاد العراقي، ولا حتى في تحقيق اكتفاء في الكهرباء، في ظل استشراء الفساد، حتى إن العراق أصبح من الدول الثابتة في أعلى سلم الدول على مؤشر الفساد العالمي منذ 15 عاماً، وهو ما يفسر بشكل كبير حالات الاحتجاجات الكبرى التي شهدتها المدن العراقية، خلال العام الأخير، مع تهميش للشباب في المشاركة في الحكم، وتدوير الطبقة السياسية لرجالاتها في المناصب الحكومية.

اليوم تواجه حكومة الكاظمي ملفات عديدة صعبة، على المستويين الخارجي والداخلي، في وقت تدنّت فيه أسعار النفط إلى مستوى غير مسبوق، وهو ما سيجعل الكاظمي وحكومته يفاوضان من أجل الاستدانة لتمويل النفقات الحكومية، في ظل انتظار عدد من القوى السياسية والفصائلية فشل حكومته، بل وتحميلها النتائج، فالانقسام السياسي العراقي في ذروته، مع غياب أي ملامح حقيقية للتوافقات الإقليمية، وهو ما سيعرقل عمل حكومة الكاظمي.

كل هذه المعطيات السياسية والاقتصادية والمعيشية، تجعل من عودة تنظيم «داعش» الإرهابي إلى إحياء نفسه، وتدعيم بناه من جديد، أمراً ممكناً، حيث عُرف عن التنظيم استغلاله للأوضاع الهشة، ولتصاعد النقمة لدى بعض الفئات، ويمتلك في تاريخه تجربة الزرقاوي بين عامي 2005 و2007، التي قامت على عمليات نوعية داخل المدن، خصوصاً في العاصمة بغداد، من دون أي حاجة للتمسك بالأرض، وهو ما يجعل من ملاحقة عناصر وقيادات التنظيم أمراً بالغ الصعوبة أمنياً وعسكرياً، وكل ذلك يضع سؤال عودة «داعش» إلى العراق مرة أخرى على الطاولة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"