صباح

03:39 صباحا
قراءة دقيقتين
إبراهيم الهاشمي

لم تستطع العين منع الدمع من أن يسيل، ولم يتمالك القلب وجعه فنزف حزنه. المصاب أصاب دواخل النفس فأذهلها، فيوم الثلاثاء الماضي لم يكن يوماً عادياً، فقد غاب صباح الإنسانية، غاب صباح الكويت، غاب صباح الخليج، غاب صباح العرب، غاب صباحنا، رحل رجل الدبلوماسية والحكمة، غاب مُجمع القلوب، غاب تاركاً لنا مآثر لا تنسى ولا تعد ولا تحصى.
الكويت وآل الصباح صنوان لا يفترقان لهما في قلوبنا منزلة الشغاف، خصوصاً نحن الجيل الذي تربى وتعلم في مدارس بنتها الكويت وكتب تحمل شعار دولة الكويت، ودفاتر مزينة بصور أمرائها الكرام، تطببنا في مستشفيات تحمل اسم الكويت، حتى الملابس والطعام كان من الكويت. تلفزيوننا كان من الكويت، كويت الثقافة والمعرفة والفن والطيب واليد الممدودة بالخير منذ أبد الآبدين ولا تزال. كويت الحكمة في أحلك الظروف، لذا كانت أمهاتنا وهن يرضعننا يرضعننا أيضاً حب الكويت وأهلها، لذا كان الحب غامراً، والوفاء والعرفان بالجميل يطوقان الأعناق، فيخفق القلب ابتهاجاً لفرحها، ويعتصره الألم لحزنها ومصابها.
وليس كصباح صباح، فهو قائد ملهم لم يختلف عليه اثنان، دائماً في عين الصواب، يجمع ولا يفرق، يرتق ولا يمزق، صبورٌ بحكمة، قوي بشهامة، سليل مجد أسرة كريمة عرفت معنى الحكم وفن القيادة والصلة بين الحاكم والمحكوم، بين الشعب وولي الأمر. أسرة كتب على مدخل قصرها «لو دامت لغيرك ما وصلت إليك»، فدامت محبتها في القلوب.
الوجع الذي سرى في مفاصلنا ونحن نسمع نعيه، ليس وليد لحظة أو مفاجأة، بل وليد حب ترعرع في القلب والوجدان والخاطر، بنته قلوب سمحة خيرة وسقته بماء الود والإخلاص وصلة القربى والدم والدين والأرض من أول حاكم للكويت حتى آخر رئيس للإمارات.
غياب صباح ليس فقط غياباً عن أهل الكويت، فهو فقدٌ لنا جميعاً من أدنى المعمورة إلى أقصاها. غياب نعرف أنه كبير وجلل، لكننا نعرف أن الكويت هي الكويت، حضن الحكمة، من يحكمها يكمل مسيرة سلفه ويزيد، مسيرة خير ونبل لا تتوقف.
للكويت مآثر لا تنتهي، وحب يشفع لنا مشاركة الفرح بالفرح والحزن بالحزن، واليوم نحن نعلن الحزن على فقيدنا الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح يرحمه الله، الذي رحل إلى جوار رب كريم، ولا نقول إلا: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. والله يا صباح إننا على فراقك لمحزونون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"