وداعاً صلاح قاسم

05:03 صباحا
قراءة دقيقتين
إبراهيم الهاشمي

أرسل لي هذه الرسالة النصية في 7 يوليو معزياً في وفاة الشاعر الصديق ثاني السويدي: «البقية في حياتك، رحل أحد أصدقاء الجامعة، تقريباً هذا ثالث صديق من الجامعة بعد علي العندل وأحمد راشد ثاني يتوفى، لاحظ أن أحمد وثاني توفيا من مرض، مع الأسف لا أعرف سبباً لوفاة العندل لأنني لم أكن في البلاد».
ولم يكتمل الشهر إلا وهو يودعنا راحلاً إلى جوار ربه ملتحقاً بهم بعد عناء طويل مع المرض.
صلاح قاسم سلطان البنا، الأخ والصديق ورفيق العمر، الشديد المثابرة في البحث عن المعرفة، صاحب العطاء المتدفق على الرغم من اعتلال صحته منذ زمن طويل، وضعف بنيته الجسمانية منذ الصغر، فإن شيئاً لم يقعده عن المشاركة في الأنشطة الإبداعية والثقافية، تزاملنا منذ الصغر طفلين نبحث في دروب الحياة ونسير بطموح ليس له حد، نشارك في الكثير من الفعاليات والمناسبات، ما زلت أذكر هرولته بين مخازن الكتب وأجنحة دور النشر في المعرض الأول للكتاب في إمارة الشارقة؛ إذ كنا ضمن الفريق المساعد الذي تم تشكيله من قبل منظم المعرض المفكر محمد أبو القاسم حاج حمد، يرحمه الله، وكانت مكافأتنا مقابل ذلك مجموعة قيمة من الكتب، وما زلت أراه في كل شبر من كواليس تلك المسارح التي شهدت حفلات الفنان مارسيل خليفة في إمارات الدولة المختلفة مساهماً في التنظيم والمتابعة، أو في أنشطتنا الجامعية الكثيرة في جامعة الإمارات بمدينة العين مثل تأسيس اتحاد طلبة الإمارات أو المسرح الحر.
صلاح الشغوف بالعلم والمعرفة المثقف من الطراز النادر المشاكس حد الثورة، طيب القلب حد الاحتراق، الباحث عن المعلومة في كل سطر وبدقة ومصداقية متناهية، الذي لا يكل ولا يمل مهما كانت الظروف والمصاعب، اختفى قليلاً، لكن صوته جاءني قبل زمن معتذراً وطالباً بعض العون في كتب ومراجع يعتقد توفرها لدي، عرفت حينها أن المرض أقعده مدة من الزمن، لكنه لم يقعده عن إنجاز رسالة الدكتوراه التي كان يطمح في إنجازها وأنجزها، أرسلت له ما يريد، وعدنا للتواصل وبث همومنا لبعضنا البعض، وأخذ النصيحة، فصلاح لا يجامل ولا يحابي كنت من كنت، أما عبر اتصال هاتفي أو رسالة نصية أو لقاء في ندوة أو محاضرة أو معرض، رأيته في كل حالاته متحدياً قوياً، يتعامل مع مرضه بقوة فيحمل أحياناً حقيبة التنفس على ظهره، وأحياناً وحنجرته مثقوبة وصوته مبحوح، وأحياناً على كرسي متحرك، كل ذلك لم يوقف صلاح من تعاطي الحياة بحب، لم يثنه عن العطاء والمشاركة والمثابرة؛ بل جعله عنيداً قوياً متحدياً في مجابهة حالته الصحية مصراً على العطاء بكل صلابة.
تعودنا على تهنئة بعضنا بالعيد، لكن العيد جاء، ولم يأت صوت صلاح، سبقه نعي مؤلم معلناً غيابه ورحيله عن الدنيا، لم أستطع كتابة حرف واحد حينها، فصلاح كان الأخ وصديق القلب ورفيق عمر جميل مملوء بالمثابرة والعطاء والتفاني والمشاكسة والشقاوة والشفافية والصدق.
رحمك الله وغفر لك وأسكنك فسيح جناته وألهمنا وأهلك ومحبيك الصبر والسلوان.
سأفتقدك جداً أيها الصادق الوفي الجميل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"