لماذا أخفق التباعد الاجتماعي؟

04:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاطف الغمري

الرد السياسي الغريب الشأن من جانب الرئيس ترامب، لأزمة الصحة العامة في الولايات المتحدة، يعكس أسلوب إدارته للبلاد.

الخبراء الأمريكيون في عدد من مراكز الأبحاث السياسية والعلمية من بينها جامعة جون هوبكنز والمؤسسات البحثية التابعة لها، أعدوا ورقة عمل متضمنة خطوات تفصيلية تنصح الدولة الأمريكية باتّباعها لأنها يمكن أن تتعقب ظواهر انتشار فيروس كورونا في المجتمعات بالولايات، وتعمل على الحد من انتشاره، وتقديم خطة لإعادة فتح مواقع النشاط الاجتماعي والاقتصادي بطريقة آمنة، ثم تضيف ورقة العمل إلى ذلك قولها إن قادتنا يتبعون في أحسن الأحوال هذه التوصيات كيفما اتفق، وليس من باب الالتزام التام بها. وإذا لم نحدد لأنفسنا ما هي أخطاؤنا، وأن نتعلم من تجارب دول أخرى سواء من حيث نجاحاتها أو نكساتها، فإننا نخاطر بحدوث كوارث أخرى.

هنا - كانت المقارنة بين السلوك الأمريكي، وبين تصرفات الرؤساء والمواطنين في دول أخرى، مع التركيز على كوريا الجنوبية، واليابان والصين، فضلاً عن الإشارة إلى دول غيرها كاليابان وأستراليا، وسويسرا، والنرويج، ونيوزيلندا.

وبداية مما يجري في الولايات المتحدة، فقد نقل عن الدكتور أنتونى فاوسي خبير الأمراض المعدية، في كلمته أمام لجنة بمجلس الشيوخ أن الإسراع بتخفيف قيود التباعد الاجتماعي يشكل مخاطرة بمضاعفة الإصابات بالفيروس، وهو ما ستنتج عنه إصابات ووفيات كان يمكن تفاديها. وهنا يكون الاختيار بين استعادة الحيوية للاقتصاد، وبين حماية أرواح أناس يمكن أن يتعرضوا للإصابة. الاختيار يجب أن يكون وفق حسابات دقيقة. وأن الفشل في دقة هذا الاختيار يعنى المجازفة بملاقاة ما هو أسوأ. وكما حدث، فإن حكام 14 ولاية على الأقل خفضوا من القيود على التباعد الاجتماعي، والمضي في إجراءات إعادة فتح مجالات النشاط.

كانت ألمانيا هي الدولة التالية في مجال المقارنة، فالحكومة الألمانية وضعت معايير للمتابعة المتدرجة للأوضاع الصحية، مع خطة تتم على مراحل لإعادة فتح مراكز النشاط. وأن يترافق مع ذلك برنامج للاختيار والمراقبة كان من نتائجه رفع شعار «البقاء في البيت»، والسماح بالعودة لممارسة أنواع من النشاط، وفتح المطاعم، مع وجود فرق للمراقبة الصحية في هذه المجالات. وقالت المستشارة أنجيلا ميركل إن القيود على التواصل الاجتماعي ستبقى على مستوى الدولة لشهرين قادمين. مع التزام الجميع بوضع الكمامات.

وفي كوريا الجنوبية فقد ابتكرت شبكة رقمية يمكن عن طريقها اكتشاف كل حالة إصابة بفيروس كورونا داخل حدودها. ونتيجة لذلك استطاع المسؤولون في كوريا الجنوبية المعرفة العاجلة بأية إصابات جديدة، وتحديد مصادرها، وبالتالي خفض معدل الإصابة المحتملة.

وهذا التناول لموضوع الفيروس جعل الكثير من المراكز البحثية والصحية في العالم تتحدث عن التجربة الناجحة لدولة كوريا الجنوبية، بعدد سكانها البالغ 51 مليوناً، بعد أن أثبت المسؤولون بها قدرة على سرعة احتواء الوباء، والحد من انتشاره.

ينطبق ذلك على الصين، فهي أعادت افتتاح ديزني لاند شنغهاي، الذي يمثل مصدر سعادة فائقة للمواطنين، لكنها فرضت قيوداً على التجمعات والمراقبة الدقيقة للحالة الصحية للجميع. إلى أن فوجئت الصين بتفشي الوباء في العاصمة بكين، فاتخذت إجراءات احترازية جديدة.

يشير كثير من الباحثين المتابعين لأداء الإدارة الأمريكية لهذه الأزمة، إلى أن الرد السياسي الغريب الشأن من جانب الرئيس ترامب، لأزمة الصحة العامة في الولايات المتحدة، يعكس أسلوب إدارته للبلاد، كما أنه يمثل تحدياً لطبيعة إدارة النظام السياسي الأمريكي.

وطبقاً لتقديرات الخبراء في جامعة جون هبكنز وغيرها، أن الأمريكيين سوف يتابعون نتائج إجراءات الدول الأخرى، مثل ألمانيا، وكوريا الجنوبية، واليابان، وأستراليا، وغيرها، وكيف أن مواطنيها يتمتعون بحرية الحركة في صيف هذا العام، والتي نتطلع في لهفة أن يكون لدينا ما هو متاح لهم. ولابد أن نعي أن سرعة بلوغ هذه الحالة، سوف تكون على حساب الوضع الاقتصادي، لكن الحكمة تقضى ببقاء الناس في بيوتهم - في الظروف الراهنة - وحتى يتم رفع الحظر الواحد على الحركة. وبالرغم من أن القيادة الأمريكية تحبذ إعادة النشاط الاقتصادي، إلا أن مخاوف المواطنين من خطورة الإصابة، تجعلهم مشدودين إلى البقاء في البيت، ومقاومة أية رغبة في العودة إلى الحياة العامة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"