«مسبار الأمل» والاستثمار في المستقبل

03:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

«مسبار الأمل» هو عنوان حقيقي ومباشر للاستثمار في المستقبل، ودعوة إليه، لنكون حيث يكون التقدم، وحيث يكون الفكر والعلم جناحي الطائر الذي تحلق به البشرية.

كثيرة هي الصراعات التي ما زالت تدور حول الماضي، تحت عناوين عدة، معظمها زائف، لا معنى حقيقي له، لتبرهن عن انتكاسات في الواقع، والعقل، وقصور في معرفة الحقائق العلمية والمعرفية، وتأكل تلك الصراعات كل ممكنات النهوض التي تحتاج إليها الشعوب، ليس من أجل الأجيال الحالية فقط؛ بل من أجل الأجيال المقبلة، وقد أصبح العمل من أجل ازدهار حياة الأجيال المقبلة أحد الأركان البارزة في استراتيجيات الدول المتقدمة.

إن «مسبار الأمل» الإماراتي الذي يستهدف اكتشاف كوكب المريخ، هو بعض استراتيجيات البحث العلمي المتقدم، خدمة لأهداف تتعلق بمستقبل الحياة على الأرض، فثمة فرص عدة، من الناحيتين العلمية والاستثمارية في اكتشاف هذا الكوكب.

بعد ما يقارب الخمسة عقود على تأسيس دولة الإمارات، أصبحت علامة مميزة في عدد من الحقول، فقد أكدت مكانتها المالية والاقتصادية والعمرانية عالمياً، وهي اليوم تذهب نحو الاستثمار في أحد أهم علوم المستقبل، وهو علم الفضاء، ولم يكن من الممكن فعلياً القيام بخطوة من هذا النوع من دون التأسيس الفعلي لعدد من الخطوات السابقة، والمرتبطة بشكل أساسي في إيلاء الاستثمار في العلوم مكانة مهمة في استراتيجياتها، فمثل هذه الخطوات تأتي عادة كتتويج لمسار، قائم على إدراك لأهمية العلوم، وتأثيرها المباشر على كل الحقول الأخرى.

منذ القرن السادس عشر، شهد العالم محطات عدة في علم الفلك، مع أطروحة الراهب وعالم الرياضيات والفلك البولندي نيكولاس كوبرنيكوس (1473-1543)، والتي اعتبر فيها أن الشمس هي مركز النظام الشمسي الذي تدور في فلكه الأرض وكواكب أخرى، وكانت أطروحة كوبرنيكوس، ثورة علمية كبيرة، لكنها قبل كل شيء كانت ثورة في الفكر، فقد غيّرت سياقاً كاملاً من المعرفة التي كانت سائدة آنذاك، وبعد قرنين من الزمن، كانت العلوم الرياضية والفيزيائية قد عرفت تطوراً كمياً ونوعياً، أفضى إلى اختراع أول طائرة مروحية في نهاية القرن الثامن عشر، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام تطوير علم الطيران، وقد قاد هذا المسار العلمي التكنولوجي إلى منح البشرية ما تعرفه اليوم من إمكانات هائلة في حرية الحركة للأفراد والبضائع عبر بلدان العالم.

ومع وصول رائد الفضاء الأمريكي نيل ارمسترونغ إلى القمر، حقق الإنسان واحدة من أحلامه التي كان من الصعب توقع تحقيقها، ومن ذلك الوقت بدأ تنافس قوي بين الدول المتقدمة من أجل الوصول أكثر إلى الفضاء، عبر برامج علمية يشترك فيها علماء من اختصاصات عدة، من رياضيات وفيزياء وميكانيك وكيمياء وهندسة وغيرها، لقناعتهم بأن المزيد من اكتشاف الفضاء هو مفيد لكل ما يرتبط بالإنسان، من وعي وإنتاج ونمط حياة، وبأن الكثير من المشكلات التي تواجه عالمنا اليوم قد تجد لها حلولاً عبر الكشوفات الفضائية.

أما الإسهام العربي في علوم الفضاء، كما في البحث العلمي، فقد بقي مجرد نوايا وتوصيات لعشرات، وربما لمئات، المؤتمرات العلمية، مع بعض الاختراقات الصغيرة هنا وهناك، بينما يمضي العالم إلى الأمام، غير مبالٍ بكوارثنا، وبهدر إمكانياتنا البشرية والمادية، وبخسائر لا تعوض في فقدان الزمن، الذي أصبح عاملاً رئيسياً في التنافس بين الدول في كل الصناعات.

مسار «مسبار الأمل» الإماراتي طوله 500 مليون كيلومتر، سيرسو بعدها في فبراير/ شباط من العام المقبل في مداره، في الوقت نفسه، سيكون هناك إطلاق مركبتين فضائيتين للولايات المتحدة والصين، وبهذا الإنجاز تكون الإمارات واحدة من بضع دول قليلة تصل إلى الكوكب الأحمر، في سابقة عربية وشرق أوسطية، تكلل بها مسيرة خمسين عاماً من تأسيس الدولة، ومن جهد كبير، مر بمراحل كثيرة، في تطوير البنى التعليمية المرتبطة بعلوم المستقبل،

«مسبار الأمل»، ومن ناحيتين معرفية وتربوية، يضعنا أمام أسئلة راهنة ومستقبلية في آن واحد، وأهمها الأسئلة المرتبطة بالاستثمار الحقيقي، من حيث الجدوى المرتبطة بحياتنا وحياة الأجيال المقبلة، وبما تمتلكه دول العالم العربي من ثروات أحفورية وزراعية وخامات وعقول وكفاءات، من غير أن يتم استثمارها في العلم والمعرفة والتكنولوجيا وعلوم المستقبل؛ بل الأسوأ من ذلك، هو تلك الانتكاسات الكبيرة نحو معارك ماضوية لا طائل منها؛ بل أنها تزيد من تعقيد وتركيب مآسينا.

«مسبار الأمل» هو عنوان حقيقي ومباشر للاستثمار في المستقبل، ودعوة إليه، لنكون حيث يكون التقدم؛ وحيث يكون الفكر والعلم جناحي الطائر الذي تحلق به البشرية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"