دمشق

03:59 صباحا
قراءة دقيقتين
إبراهيم الهاشمي

مدينة ليس كمثلها مدينة في العالم، أقدم عاصمة في الأرض، لا يستطيع القلب إلا أن يحبها، تأسره بتنوعها وحضارتها وعراقتها وبشرها، هي شجرة الياسمين التي ينتشر شذاها ليتغلغل في المسام، فلا تبرح الفؤاد أبداً.
دمشق هذه المدينة الأخاذة، صنو المعرفة والفن والحضارة والألق، الأغنية الخالدة لكل فنون الحياة، كل حجر فيها ينطق بالعراقة، فإذا اعتليت جبل قاسيون، رأيت مشهداً قلما تجد له مثيلاً في بلاد الدنيا؛ إذ تنام المدينة في حضن تاريخ نابض بالحياة، تتلألأ فيه المدينة أمامك بكل شوارعها وأزقتها وبيوتها، ترى أبواب دمشق التي بنيت على أسماء الكواكب الـ7، ترى عمق التاريخ وتسمع صليل السيوف وسنابك الخيل، وهي تفتح المدينة أمام جيش الإسلام، لتكون دمشق حاضرة من حواضر مجده، تسمع القرآن يترتل في جنباتها وتسمع صبابات أعذب ما كتب الشعراء، وتسمع صرير تدوين الكتب وتأليفها.
ترى تعريشات العنب والصبارة واللوز والفستق الحلبي الطازج، تشرب قهوتك في مقهى «النوفرة» على بعد خطوات من أزقة الحضارة الموغلة في القدم، تسمع دبيب أقدام الحواريين وهم يعبرون على عجل، يشدك باب الجابية، لتدخل سوق الحميدية التاريخي لتتذوق طعم البوظة عند «بكداش» الذي لا تجد لطعمه مثيلاً، تطرق باب توما، لتتمتع بما لذ وطاب من أنواع الطعام في مطاعمها المختلفة المشارب، تتوجه إلى باب شرقي؛ حيث تشرق الشمس عليه قبل غيره من الأبواب، لتشهد عناق المآذن مع الكنائس في إيمان عميق بوحدانية الله، وتأكيد رسالة الأنبياء الواحدة، أبواب تلو أبواب كل باب تنطق حجارته ودروبه وكل ما فيه بعظم هذه المدينة وتاريخها الحافل.
دمشق التي أتحفت العالم بأول شارع مضاء في الكون، وأول شارع مرصوف على البسيطة، دمشق التي دخلتها سنة 1990 فدخلت القلب ولم تغادره، حاضرة فيه تشدني دائماً إليها بكل حنو ومحبة، فأشتاقها، أشتاق هدوءها وصخبها، لون أشجارها، ياسمين حواريها، صوت الآذان فيها وأجراس كنائسها، أشتاق أناسها الطيبين الذين يستقبلونك بالترحاب ويودعونك بالود، دمشق الأصالة الحاضرة في الخاطر دائماً صنواً للمعرفة والفن والإبداع، دمشق التي يألفها القلب وتألفه، تشدك من تلابيبك عاشقاً لكل ما فيها، لا تبرح إلا أن تتذكرها بين شوق وشوق متمنياً العودة إليها مرات ومرات.
دمشق منذ أن شربت ماءها عرفت أن الله خصها بميزة ليست لغيرها من المدن، مدينة مهما أصابها تبقى نابضة حية قوية زكية.
دمشق لك ولأهلوك كل الحب، عودي فقد اشتقنا كثيراً إليك يا نور الدنيا الذي لا يخبو.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"