استراتيجية أوروبا لمواجهة أسلوب «الذئب المحارب» الصيني

02:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي *

تاريخ العلاقات الأوروبية الصينية طويل ومعقد. عندما أقامت المجموعة الأوروبية التي كانت تضم آنذاك تسعة أعضاء، علاقة دبلوماسية رسمية مع جمهورية الصين الشعبية في 1975، لم تكن تلك العلاقة أكثر من صورة باهتة مقارنة بما هي عليه اليوم. هذه العلاقة نمت وتطورت منذ أواخر التسعينات، وفي عام 2003 أعلن الجانبان عن شراكة استراتيجية شاملة بينهما. وقبلها في عام 1995 أسقط الاتحاد الأوروبي كل العقوبات عن الصين فيما عدا مبيعات السلاح ونقل تكنولوجيا الدفاع. وكانت السياسة الاستراتيجية إزاء الصين التي رسمتها المفوضية الأوروبية في عدة وثائق بين 1995 و2006 تعبر عن رؤية معتدلة غير متوجسة إزاء الصين.
ولذا كان من الطبيعي أن تصبح أوروبا أكبر مصدر لنقل التكنولوجيا والمعدات إلى الصين؛ حيث تم نقل إجمالي 22852 مادة تكنولوجية إلى الصين حتى 2006. وهو ما يصل إلى نصف إجمالي ما كانت تستورده الصين كل عام من الخارج. ثم تضاعفت الصادرات الصينية إلى الاتحاد الأوروبي بمقدار 8.8 منذ انضمام بكين إلى منظمة التجارة العالمية، كما تضاعفت وارداتها من الاتحاد الأوروبي بنحو سبعة أضعاف.
وهكذا تعتبر الصين الشريك الثاني للاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة، وقفزت الاستثمارات الصينية المباشرة في دول الاتحاد الأوروبي إلى 37.2 مليار في 2016، قبل أن تتراجع إلى 17.3 مليار في 2018 (45% منها في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة)، ولكن منذ عام 2018.
بدأ الجانبان يدركان تعقيدات العلاقة واختلاف وجهات النظر حول قضايا كثيرة. وأن هناك عوامل أخرى ولاعبين آخرين يؤثرون، ومن أهم تلك العوامل:
(1) الأحداث التي ذاع خبرها عن التجسس الصناعي الصيني.
(2 ) الانشغال الأوروبي بقضايا الإنسان وحرية الإنترنت في الصين.
(3 ) اتهام الصين بسرقة وقرصنة الملكية الفكرية.
(4 ) المعوقات أمام دخول سوق صناعات الخدمات المالية الصينية وشبكات التوزيع والصناعات الاستراتيجية التي تتمتع بالحماية.
(5 ) قيام الصين بإغراق السوق الأوروبي بالسلع الرخيصة، وتأكيد الأوربيين أن الصين تخرق قواعد منظمة التجارة العالمية المتعلقة بمكافحة الإغراق.
(6 ) على الرغم من أن حجم التجارة المتبادلة بين الاتحاد الأوروبي والصين أكثر من 1.5 مليار دولار يومياً، فإن هناك قدراً كبيراً من عدم التوازن في هذا التبادل.
( 7 ) ترى بعض الدول الأوروبية أن صعود الصين كقوة اقتصادية عظمى له أثر مدمر في بعض الصناعات الأوروبية.
(8) تتصاعد صيحات احتجاج الدول الأوروبية ضد الاستثمارات الصينية، خصوصاً في القطاعات الاستراتيجية، وعدم شفافية هذه الاستثمارات.
(9) قام الاتحاد الأوروبي بتقديم شكوى لدى منظمة التجارة العالمية ضد الصين بسبب «النقل غير العادل للتكنولوجيا».
(10) أن الخطة الطموحة «صنع في الصين لعام 2025» والتي تهدف إلى جعل هذه الدولة رائدة في صناعات المستقبل تثير قلق أوروبا.
(11) تشكو بعض الدول الأوروبية من تلاعب الصين بإحصاءات وباء كورونا المستجد.
(12) لاحظ بعض المراقبين الغربيين أن الصين تشعر بأنها قوة عظمى، ويظهر دبلوماسيو الصين عداء نادراً تجاه كل من يتجرأ على انتقاد الصين.
وتحقيقاً لهذه الغاية تقترح المفوضية الأوروبية استراتيجية ثلاثية:
الأولى تفرض بروكسل غرامات أو تدابير تصحيحية على الشركات التي تتبع دولاً ثالثة تتلقى مساعدة عامة بقيمة 200 مليون يورو على مدار ثلاث سنوات متتالية، إذا ثبت أن هذه الإعانات تضر بالسوق المشتركة.
والثانية تريد السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي فرض نظام للمراقبة المسبقة، بحيث يمكن رفض أي استحواذ على شركة أوروبية من قبل شركة أجنبية تتلقى إعانات عامة.
والثالثة الدفاع عن تقييد الوصول إلى المناقصات التي تجرى في الأراضي الأوروبية.

* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"