معركة اللقاح لقنص الأهداف الكبيرة

02:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي *


تزداد حدة التنافس بين العديد من البلدان حول العالم لتطوير علاجات ولقاحات ضد فيروس «كوفيد- 19»، وأعلن الرئيس الروسي بوتين تسجيل أول لقاح ضد فيروس كورونا، وأطلق على العقار اسم «سبوتنيك ٥»، إشارة للقمر الصناعي اِلذي أطلقه الاتحاد السوفييتي إلى الفضاء أثناء الحرب الباردة، متغلباً وقتها على الولايات المتحدة الأمريكية. الأمر الذي وصفته صحيفة وول ستريت جورنال بأن الهم الأكبر للكرملين هو تسجيل كلمة «أول»، ليدخل التاريخ الطبي من أوسع أبوابه، حتى وإن كان ذلك «على حساب صحة مواطنيه».
ودعت منظمة الصحة العالمية إلى احترام «الخطوط التوجيهية والإرشادات الواضحة» فيما يخص تطوير هذا النوع من المنتجات، وأكدت هي والمراكز الطبية العالمية على عنصري الفعالية والأمن التي تسبق تسجيل أي لقاح، وهو ما لم يتحقق في اللقاح الروسي الذي بدأت موسكو في إنتاجه، ولم ينتهِ من المرحلة الثالثة.
وأشارت تقارير غربية، إلى أن الإعلان الروسي المبكر عن لقاح لكورونا غرضه تحقيق أهداف سياسية بالأساس. وتعكف الحكومات المسؤولة على العمل من أجل إيجاد لقاح فعال ل«كوفيد- 19» باستخدام معايير علمية مقبولة؛ حيث بدأت شركات الأدوية العالمية في الولايات المتحدة وبريطانيا في التجارب السريرية في المرحلة الثالثة وهي المرحلة النهائية للتحقق من سلامة وفاعلية اللقاح قبل طرحه في السوق، وهو ما يعني إمكانية تطوير لقاحات وعلاجات مضادة لفيروس كورونا في أواخر هذا العام.. على سبيل المثال، تتقدم شركة التكنولوجيا الحيوية الأمريكية «مودرنا» غيرها في مجال المواد المرشحة للقاح، وهدفها هو إكمال التجارب السريرية للمرحلة الثالثة بحلول نهاية هذا العام، ثم تسويق اللقاحات في عام 2021. لكن الرئيس ترامب أعلن أن الولايات المتحدة، سيكون لديها لقاح جاهز للاستخدام في يوم الانتخابات القادمة (3 نوفمبر)، والهدف السياسي واضح من الإعلان. كما دخلت «أسترازينيكا للمنتجات الصيدلانية» في علاقة مشاركة مع جامعة «أوكسفورد» البريطانية لإنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا «كوفيد- 19». وتقول شركة الأدوية البريطانية متعددة الجنسيات إن التجارب كانت ناجحة وسوف تحقق نتائج واضحة في سبتمبر القادم.
وأعلنت الصين، أن معهد علوم الأحياء الدقيقة في الأكاديمية الصينية للعلوم يحرز تقدماً لافتاً في تجارب سريرية بشرية على اللقاح. وقفزت الهند أيضاً إلى العربة، بإعلان رئيس الوزراء الهندي أن بلاده ستعلن عن لقاح لكورونا يوم عيد الاستقلال (10 أغسطس)، وعندما حل هذا الموعد، ذكر أنه يتم حالياً اختبار ثلاث لقاحات مختلفة ضد فيروس كورونا، وأن الهند جاهزة لإنتاج كميات كبيرة من تلك اللقاحات.
وسر هذا التنافس الدولي المرير، أن الدولة التي تنجح في تطوير لقاحات أو علاجات للفيروس «كوفيد 19»، ستكون قادرة على إثبات نفسها كقوة عالمية في قطاع الصحة البيولوجية وستخلق محرك نمو جديد في المجال الحيوي والصحي. كما أن البلدان التي ستفوز في هذا السباق ستكون قادرة على رفع وضعها الاقتصادي والاجتماعي بشكل كبير؛ حيث سيولد التطوير الناجح للأدوية الفعالة آثاراً اقتصادية هائلة ويعزز الوعي بالعلامة التجارية للشركة المطورة وبلدها؛ بحيث يكون ذلك مثل دجاجة تبيض ذهباً.
من بين الأمثلة الماضية على ذلك: الدواء المضاد للفيروسات «تامي فلو» الذي أثبت فاعليته في علاج جائحة الإنفلونزا عام 2009 وكانت الشركة المطورة له مجرد شركة صغيرة، لكنها نمت بشكل كبير بعد طرحها لهذا الدواء للفيروس. وصارت قيمتها السوقية نحو 96 مليار دولار.
وأثارت معاهد الدراسات الكبرى، أسئلة مشروعة عن مدى إتاحة العقار بعد النجاح في إنتاجه للدول الفقيرة؛ فعلى الرغم من تعابير الإيثار ونكران الذات فإن كل حكومة ستواجه توتراً بين الرغبة في حماية مواطنيها بأسرع ما يمكن وبين إدراكها أن ذلك سيكون على حساب البلدان الفقيرة التي لا تستطيع خدماتها الصحية حتى التعامل مع الجائحة. فمنح حصة من اللقاح للبلدان الأقل حظاً لن يحقق أصواتاً في الانتخابات. وتساءلت تلك المعاهد: هل سيُلزِم الاتحاد الأوروبي المصنعين الأوروبيين بِقَصر مبيعات اللقاح للبلدان الأوروبية أولاً؟ وهل ستطبق الولايات المتحدة قانون الإنتاج الدفاعي وتفرض حظراً على تصدير اللقاح حتى يتوفر مخزون كاف لكل مواطن أمريكي؟ وهل سيكون اللقاح متاحاً في الهند فقط لأولئك الذين يمكنهم شراؤه؟
* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"