جعلوه متهماً

02:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
كتب: محمد ياسين

في رواق إحدى المحاكم، يقف شاب في مقتبل العمر ينتظر دوره في مراجعة الموظف المختص في قسم تنفيذ الأحكام.. تمضي دقائق معدودات فيظهر عليه القلق والتوتر ويلتفت يميناً ويساراً في انتظار أن يأتي دوره لمعرفة الإجابة عن استفساره من قبل مسؤول الخدمات الخارجية المخول بمتابعة القضايا وتطوراتها في المحكمة.. يبدو على الشاب الإرهاق .
خرج الشاب من مكتب الموظف متجهاً إلى باب المحكمة، وفي يديه حزمة من الأوراق جمعها في ملف ورقي، وهو يحمل قصة كبيرة لحلم أصبح له كابوساً، فقصته بدأت منذ التحاقه بوظيفة تناسب خبراته العملية وتجاربه الحياتية، فهو شاب ثلاثيني يتحمل عبء أسرته ومصاريف أشقائه، وبعد سنوات عديدة من العمل تم إنهاء خدماته من دون سابق إنذار، وكان يأمل في الاعتماد على مستحقات نهاية خدمته لتدبير أموره ومساعدة أسرته، لكن تعنت الشركة في صرف مستحقاته أوقعه في ورطة، فأصبح عاجزاً عن الوفاء بما عليه من التزامات.
تقدم الشاب بشكوى ضد الشركة إلى وزارة الموارد البشرية والتوطين، وبعد فشل التصالح مع الشركة عبر مكتب الباحث العمالي، تم تحويل القضية إلى المحكمة العمالية للبت فيها، وطالت الأيام ثم تحولت إلى سنوات وكان الشاب يأمل في إنهاء القضية بسرعة،إلا أن عدم درايته بالمسائل القانونية التي يجيدها الطرف الآخر وعجزه عن توفير محام؛ أطال أمد القضية، إضافة إلى حاجته للمساعدة القانونية وعجزه عن توفيرها، وأصبح متورطاً في خصومة رجل أعمال يعاونه مستشار حاذق يجيد التعامل في شؤون القانون، مستغلاً مهاراته لإطالة أمد القضية، بهدف إجبار الشاب على التنازل عن حقوقه، وبالفعل نجح مستشار رجل الأعمال في تأجيل القضية العمالية لثلاث سنوات، وعلى الرغم من التحاق الشاب بوظيفة أخرى اضطر للعمل بها تراكمت عليه الديون ومن ضمنها متأخرات سكن واتصالات وقرض مالي، وهكذا أصبح ملاحقاً من جهات عديدة، لكن المحكمة قضت بعد ندب الخبراء بصرف مستحقات الشاب العمالية، فضلاً عن الحكم بصرف بدل فصل تعسفي، وقد يكون هذا مناسباً لسداد ديون الشاب المتراكمة عليه وانتشاله من مطالبات البنوك وتبعات الشيكات المرتجعة والفواتير المتراكمة عليه منذ فصله من عمله.
ورغم ما قضت به المحكمة بدرجاتها الابتدائية والاستئنافية بصرف مستحقات لم تتجاوز 30 ألف درهم ، بدأت يد مستشار رجل الأعمال من جديد تتحرك من أجل تأجيل تنفيذ الحكم الواجب النفاذ، حيث تقدم بطلبات للمحكمة بتقسيط مبلغ التنفيذ الذي يعد ضئيلاً بالنسبة لتعاملات رجل الأعمال المالية وأرصدته البنكية؛ متحججاً بعدم القدرة على سداد المبلغ وغير ذلك من الحيل التي يجيدها المستشار القانوني لرجل الأعمال.
وقف الشاب يتساءل عن أمور قانونية لا يعرفها، وعن مدى قدرة العامل البسيط على التعامل مع التكنولوجيا، وطلب مستحقاته من خلال التقنيات الحديثة التي يجهل استخدامها، والتي قد تحول صاحب الحق إلى متهم في قضايا مالية، بسبب تلاعب مستشار يجيد ألاعيب التأجيل والمماطلة في دفع مستحقات عامل بسيط.
طال أمد تنفيذ القضية إلى أكثر من 8 أشهر إضافة إلى السنوات الثلاث العجاف التي عاشها الشاب مع المعاناة والقلق حول مصيره ومدى قدرته على تحصيل مستحقاته، لتسديد ديونه المتراكمة قبل أن يحكم عليه في قضية شيك سكن مرتجع، فضلاً عن سداد قيمة متطلباته الحياتية الأساسية من مأكل وصحة ومواصلات وغيرها، وهكذا أصبح الموظف صاحب الحق متهماً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"