تونس.. سعيّد يتحدى الأحزاب

02:56 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد عز العرب*

كلف الرئيس التونسي قيس سعيد، في الخامس والعشرين من يوليو / تموز الجاري، وزير الداخلية السابق هشام المشيشي بتشكيل الحكومة الجديدة، خلفاً لحكومة إلياس الفخفاخ، التي استقالت في 15 يوليو، على خلفية تصدع وعدم استقرار الائتلاف الحكومي، وأمهله 30 يوماً للتشاور مع الأحزاب السياسية المتصدرة للمشهد السياسي الحالي في البلاد، وإعلان تشكيل حكومة جديدة تحظى بثقة البرلمان (109 أصوات من إجمالي 217 صوتاً).
ثمة أسباب عديدة دفعت الرئيس قيس سعيد لاختيار المشيشي رئيساً للحكومة، أبرزها أنه شخصية مستقلة، لا يعبر عن توجهات حزبية تؤدي لتأييد هذا الحزب أو معارضة ذاك، تجنباً لمصير حكومات سابقة، جعلت تونس أقرب إلى أن تكون «إيطاليا المنطقة العربية»، على نحو يمكن أن يحظى بدعم أغلب الأطراف السياسية.
يضاف إلى ذلك عامل يتعلق بالخبرات السابقة للمشيشي، إذ تولى منصب المستشار الأول للرئيس سعيد للشؤون القانونية. فضلاً عن عمله السابق كرئيس للديوان في وزارة النقل، وكذلك عمله في وزارة الشؤون الاجتماعية، كما كان عضواً بالهيئة الوطنية للتقصي حول الفساد التي تشكلت عام 2011، لمواجهة رموز النظام السابق.
وأخيراً، هناك مبرر للاختيار يخص الخبرة الأمنية له كوزير للداخلية في توقيت تتعرض له البلاد لتهديدات أمنية متصاعدة، سواء من تنظيمات الإرهاب وجماعات التطرف، وخاصة في المناطق الطرفية، وتصاعد أتون الفوضى القادمة من الجوار الليبي.


تحديات ضاغطة


غير أن هناك تحديات سوف تواجه المشيشي أثناء تشكيله الحكومة خلال الأسابيع المقبلة على النحو التالي:

* أولها، مناوأة حركة النهضة وأحزاب الموالاة لتكليف المشيشي: غلب على الموقف الأولي لحركة النهضة تجاه تكليف المشيشي بتشكيل الحكومة «الرفض» من زوايا عدة. أولها أنه ينتمي إلى الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس على نحو يجعله منفذاً لتصوراته في القضايا الداخلية بحكم محورية دور الرئيس في الشؤون الخارجية.

* ثانيها ضعف خبراته الاقتصادية لإدارة شؤون البلاد في وقت تعاني البلاد أزمات اقتصادية حادة.

* ثالثها رفضه استخدام القوة لفض اعتصام نواب الحزب الدستوري الحر داخل البرلمان، اعتراضاً منهم على ممارسات رئيس البرلمان «الغنوشي».

* رابعها أن اختياره يعكس عدم إيلاء الرئيس قيس سعيد أهمية لمقترحات الأحزاب والقوى السياسية، بشأن الأسماء المقترحة لشغل هذا المنصب، لدرجة أن سيف الدين مخلوف رئيس ائتلاف الكرامة (المقرب من النهضة) وصف ذلك بتاريخ 26 يوليو الجاري، قائلاً: إن «مصير استشارة الأحزاب كان سلة المهملات في قصر قرطاج».
تجاذبات متصاعدة بين الأحزاب والقوى السياسية، التي توجد كتل برلمانية معبرة عن رؤاها الفكرية ومصالحها السياسية داخل مجلس نواب الشعب التونسي، إذ ستسعى حركة النهضة إلى فرض تصوراتها وشروطها على رئيس الحكومة الجديدة عبر ضرورة تمثيلها بالحصة الكبرى في التشكيل الجديد، على اعتبار أنها صاحبة الكتلة النيابية الأولى داخل البرلمان (54 عضواً).
وفي حال عدم الأخذ بآرائها تلك، سوف تهدد بعدم منح المشيشي الثقة داخل البرلمان. أما في ما يخص الحزب الدستوري الحر، برئاسة عبير موسى، فسوف يضغط على الجانب الآخر بإقصاء حركة النهضة من التشكيل الجديد للحكومة، وسوف تحدد الجلسة المنعقدة بتاريخ اليوم (30 يوليو) مصير سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي قوة الدستوري الحر، الذي يناوئ النهضة.
غياب الكتلة السياسية الداعمة، وهو ما يطلق عليه «الظهير السياسي»، الذي يقف بثقل خلف المشيشي مدافعاً عنه، والذي يمكنه من تمرير القوانين والحصول على الدعم البرلماني، وهو ما قد يؤدي إلى تكرار أزمة رئيس الوزراء السابق إلياس الفخاخ. بل إن ما يدعم المشيشي هو مؤسسة الرئاسة؛ ليكون قوة موازنة في مواجهة محاولة النهضة للانفراد بحكم البلاد.
وقد جاء ذلك على خلفية التباين بين الرئيس قيس سعيد وحركة النهضة في المنظور الحاكم للقضايا الخارجية، وبصفة خاصة الموقف من الأزمة الليبية والانخراط التركي فيها. ولعل ذلك قد يكون المأزق الرئيسي الذي يواجه المشيشي في بلد صارت تحركه التجاذبات السياسية وخلافات الكتل النيابية، التي تحكمها المصالح الضيقة في المقام الأول، على نحو أدخل البلاد في دوامة من عدم الاستقرار السياسي.
ضعف أو محدودية الخبرة الاقتصادية يعد أحد التحديات الجوهرية لرئيس الحكومة الجديد، وهو غياب الحس الاقتصادي لديه في الوقت الذي تواجه البلاد تحدياً اقتصادياً ضاغطاً. وعلى الرغم من أن تونس تواجه منذ ثورة 2011 حالة من الركود الاقتصادي، وانخفاض مستويات المعيشة، وتراجع الخدمات العامة؛ فإنه بعد مرور عشر سنوات، تزايدت المضاعفات لتلك الأزمات.


سيناريوهان محتملان


يمكن القول: إن هناك سيناريوهين محتملين لتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، على النحو التالي:

* السيناريو الأول يفترض نجاح مشاورات المشيشي في تشكيل الحكومة بصعوبات كبيرة، ومنحها الثقة داخل البرلمان، إذ تدرك الأحزاب والقوى السياسية أن إجراء انتخابات نيابية مبكرة قد يؤدي إلى فقدانها المكاسب التي تحققت، بل قد يصعب تحقيقها في حالة إجراء انتخابات جديدة، قد تتغير معها توازنات القوى بين هذه الأحزاب، ولا سيما أن توجهات الرأي العام التونسي تتغير بسرعة، وهو ما يعكسه الموقف من حركة النهضة.
وفي هذا السياق سوف يكون التحدي الرئيسي للحكومة مواجهة الأزمة الاقتصادية، والحد من المخاطر والتهديدات الأمنية، التي تواجه البلاد، وهو ما عكسته الخلايا الإرهابية النائمة وفوضى الصراع الليبي.

* أما السيناريو الثاني، فيذهب في اتجاه حل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة بعد فشل مشاورات رئيس الحكومة، وعجز التحالفات البرلمانية عن جمع الأصوات اللازمة لتشكيل الحكومة. وتزداد احتمالية حدوث هذا السيناريو في حال قدرة الأحزاب المناوئة لحزب النهضة على الإطاحة برئيس البرلمان راشد الغنوشي بعد توقيع 73 عضواً من أعضاء البرلمان على لائحة سحب الثقة، ويسعون للحصول على تأييد 36 آخرين لتمريرها، والتي ستتزامن مع مشاورات تشكيل هذه الحكومة. غير أن إمكانية ذلك تظل غير واردة، استناداً إلى سوابق تصويتية، حدثت خلال الشهرين الماضية، لمساءلة الغنوشي، ولم تنجح تلك المحاولات.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"