«علمتنـي كورونـا».. وقفـة مـع الـذات

02:26 صباحا
قراءة 4 دقائق
تحقيق: زكية كردي

دائماً ما تترك التجارب الصعبة دروساً مهمة في الحياة وأحكاماً ينطلق منها الناس لإعادة تشكيل ملامح حياتهم، أو نظرتهم للأمور وطريقتهم بالتعاطي معها على الأقل. وتعتبر جائحة «كورونا» والظروف غير المعتادة التي رافقتها على مستوى العالم، والتي أثرت في حياة جميع سكان الأرض بشكل كبير من التجارب المهمة التي وقف عندها الكثيرون لاستخلاص المعنى الأصيل في الحياة عموماً، في العلاقات الاجتماعية، وفي اكتشاف الذات، وهذا ما نحاول الوقوف عنده..
الشيء الإيجابي في هذه الجائحة أن الناس أصبحوا أقرب إلى بعضهم بعضا وأكثر تكاتفاً وتعاطفاً برأي عدنان الفندي، ويقول: على الرغم من مشاعر الخوف والهلع التي تركها انتشار الفيروس لدى الناس، والضائقة الاقتصادية التي تركت ظلالها على الكثير من الأسر ومحدودي الدخل، لكن لا يمكننا إنكار المظاهر الإيجابية التي رافقت هذه المرحلة من التكاتف الاجتماعي والالتزام من قبل الجميع، وأيضاً العمل الجماعي والطوعي.
ويضيف: أن هذه الأزمة كانت درساً لكل إنسان ليحاسب نفسه، ويستكشف نعمة الحياة التي كان يحياها، ويبتعد عن المغريات، فالناس في هذه العزلة تعلموا أن يلجأوا إلى أنفسهم ويقّوموا معتقداتهم في التعامل مع الكثير من العادات.
توافقه الرأي مرام حسون، طالبة في المرحلة الثانوية، مؤكدة أن أهم درس تعلمته في هذه الظروف هو أن هناك الكثير من الأشياء في الحياة كانت تعتقد أنها ضرورية، لكنها اكتشفت أنها ليست ضرورية، وتقول: اكتشفت في هذه الفترة المعنى العميق لفن الاستغناء، وتعلمت كيف أميز بين الأشياء النافعة والأشياء الضارة في حياتي، واعتبرتها فترة لتطويع النفس والسيطرة عليها، فأصبحت أكثر قدرة على إدارة وقتي والتحكم بعاداتي.
أما غراء عبد الله، مصففة شعر، فترى أن أهم ما تعلمته من هذه المحنة هو أن نركز على المشاعر الإنسانية التي نحتاج إليها جميعاً، فاحتضان من نحب ولقائهم نعمة كبيرة لا يجب أن نستهين بها، وتقول: للأسف يستهين الكثير من الناس في عصرنا بالعلاقات الاجتماعية ويعلون فيها شأن المصلحة على المشاعر، وإذا أردنا أن ننظر للأمر من زاوية أخرى نجد أن النميمة على سبيل المثال متفشية في معظم المجتمعات، ولعل هذه العزلة كانت درساً للكثير من الناس ليراجعوا أنفسهم ويهذبوها، والأهم أن يعرفوا قيمة المشاعر والتواصل السليم الذي يترك أثراً طيباً، وتضيف أن من أجمل المظاهر التي رافقت الأزمة مظاهر التكاتف الاجتماعي الطبيعي، ورسائل الاطمئنان التي حرص البعض على إرسالها للجميع دلالة كبيرة على عظيم قيمة هذا التواصل.


العودة للتأمل


لعل هذه المرحلة كانت مناسبة للتأمل في عظيم شأن الله وقيمة هذه الحياة حسب أمنية خليل، ربة منزل، وتقول: الدرس الأكبر الذي تعلمناه من هذه المحنة هو العودة للتأمل في حكمة الله وقدرته على كل شيء، فمجرد فيروس مجهري، لو جمعت كل عناصره حول العالم لن تملأ كأساً صغيرة استطاع أن يغير وجه الكرة الأرضية، ويبث الرعب في قلوب الجميع، ولا ننسى أن هذه المرحلة قلبت الموازين بالفعل فشاهدنا البشر حبيسي المنازل بينما الحيوانات تتجول في الشوارع حرة طليقة دون خوف أو قلق، وكان لنا في هذا دلالة على مقدار التأثير السيئ للإنسان على الكرة الأرضية، وأعتقد أن هذه كانت الرسالة الأهم، أن نأخذ موضوع حماية البيئة والكائنات الأخرى على محمل الجد، فحماية هذا الكوكب ليست مجرد ترويج عبر الأفلام وحسب، إنها مسؤولية حقيقية.
ورغم توفر الوقت الذي يشكو الجميع من عدم توافره عادة، إلا أن معظم الناس لم يتمكنوا من التحكم في رغباتهم وأهوائهم واختاروا تضييع الوقت للأسف حسب ميثا عبد الله، موظفة حكومية، وتقول: لدى معظمنا مشاريع مؤجلة في الحياة، في تطوير الذات، تعلم أشياء جديدة أو تطوير مهاراتنا في الحياة، لكننا دائماً ما نتذرع بالانشغال وقلة الوقت، وعندما توفر الوقت ماذا فعلت الغالبية العظمى من الناس، اتجهوا إلى التسلية والترفيه لتجدهم مشغولين بإهدار الوقت لا استثماره، فنجد الكثيرين يشتكون من زيادة الوزن والملل، رغم أن هذا الوقت الذي يهدرونه كان فرصة مناسبة للتدرب على تنظيم حياتهم وإنجاز مشاريعهم المؤجلة، ولهذا علمتني «كورونا» أن المشكلة لا تكمن في الوقت، وإنما في قدرتنا على إدارته والتحكم بأنفسنا ورغباتنا.


استخدام الإنترنت


ترى إسراء حيلاني، ربة منزل، أن هذه الفترة جعلتنا نتعلق بالشبكة العنكبوتية وبالتكنولوجيا، والتي تحولت إلى إدمان لدى الكثيرين وخاصة الشباب، وتقول: هذا الإدمان على استخدام الإنترنت يتناسب طرداً مع فقدان السيطرة على القرارات الشخصية وقدرة الإنسان على التحكم بحياته، وهذا ما يعانيه الكثير من الأهل مع أبنائهم ومع أنفسهم أيضاً، لكن للأسف رغم أن الجميع يدرك هذا الكلام إلا أن تغيير هذا الوضع بات يعتبر شبه مستحيل.
ولعل الإيمان بحكمة الله بكل ما يحدث والتفاؤل به هو من أهم الدروس بنظر سوسن موصلي، مصممة حقائب، وتقول: يجب أن يكون لدينا يقين بأن الخير يولد من قلب الشر، وإذا تأملنا بالوجه الإيجابي لهذه المحنة سوف نجد أن هذه الفترة انعكست بشكل إيجابي على كوكب الأرض، وأيضاً علينا نحن كأشخاص، فجعلتنا نتقرب من أسرنا ونتناقش ونتعرف إلى أنفسنا وإلى الآخرين بشكل أعمق وهناك الكثيرون تمكنوا من اكتشاف مواهب وقدرات لديهم لم يلتفتوا إليها من قبل، كما أتاحت لنا التعرف إلى العادات الزائفة التي نعيشها كالمنظور السطحي للحياة، وربط مقياس السعادة بأمور ثانوية كالموضة والمشاوير، وأعتقد أن «كورونا» رغم الأذى الذي تسبب به للكثيرين مادياً وصحياً للأسف، لكنه على الصعيد الآخر سوف يكون مرحلة يعيد بعدها المجتمع بناء نفسه من جديد بطريقة أكثر واقعية وموضوعية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"