العالـم في انتظار اللقاح

01:46 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: بنيمين زرزور

يحث العالم الخطى لتوفير لقاح لوباء «كورونا» في سباق مع الزمن، وسط تحذيرات متسارعة من تفشي موجة ثانية من الوباء مع حلول فصل الخريف بدأت تظهر بوادرها في ارتفاع أعداد الإصابات وظهورها في مناطق كان يعتقد أنها تخلصت كلياً منه. وتستعد دول العالم لمواجهة الموجة الثانية بما أوتيت من خبرة تعلمتها من الموجة الأولى، أو من قوة لمن بقيت لديها بقايا قوة.
جاء آخر تصريح للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس جيبريسوس، الذي أعلن فيه عن تجاوز عدد الإصابات على مستوى العالم 16 مليون إصابة، واصفاً الوضع بأنه أسوأ حالة طوارئ يواجهها العالم، ليعزز المخاوف من تطورات الوباء خلال الأشهر المقبلة، ما يتطلب التزاما أشد بتعلميات السلامة والإجراءات الاحترازية.
وللأمانة نقول، إن هناك دولاً وربما شركات ومنظمات عالمية، أبلت بلاء حسناً في المواجهة، وحقق بعضها نتائج جيدة حق لها أن تتباهى بها، سواء لجهة محاصرة انتشار الوباء في أضيق نطاق جغرافي، أو عدد الإصابات، ومنع انتشار العدوى، ودولة الإمارات العربية المتحدة في المقدمة بشهادات عالمية. لكن عالم اليوم الذي صار قرية صغيرة تتشابك فيها المصالح والأنشطة فرض على الجميع معايير سلامة صارمة لضبط انتقال الفيروس. ولم تجد تعليمات التباعد الاجتماعي وتقييد الأنشطة البشرية نفعاً في القضاء على الوباء.


جهود إنتاج اللقاح


ويعلق العالم آمالاً عريضة على جهود تطوير علاج، أو لقاح، وهي مستمرة بطبيعة الحال، حيث تجاوز عدد مشاريع البحث عن لقاح أو تطويره مئة مشروع، كتب لنحو عشرين مشروعاً منها النجاح، ويخضع بعضها لتجارب سريرية بدرجات نجاح متفاوتة. وقد أعرب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مجدداً، عن اعتقاده بأن لقاحاً قد يكون متاحاً بحلول نهاية العام، وقال إن الولايات المتحدة تعمل على أربع لقاحات، وجميعها حققت تقدماً.
وهناك جهود حثيثة على هذا الصعيد نذكر منها مشاركة أول 30 ألف متطوع في اختبار لقاح طورته شركة موديرنا، بتمويل أمريكي.
وتبدأ هذا الشهر التجارب النهائية على لقاح أكسفورد، تليها خطط لاختبار لقاح آخر من «جونسون آند جونسون» في سبتمبر/ أيلول، و«نوفافاكس» في أكتوبر/ تشرين الأول، إذا سارت الأمور وفقاً للجدول الزمني الموضوع. وتخطط شركة «فايزر» لإطلاق دراستها الخاصة التي تضم 30 ألف شخص هذا الصيف.
لكن توفير اللقاح الذي لم يتم حتى الآن، يواجه خلافات بين الدول، كما بين الشركات ومراكز الأبحاث، ما يهدد بعرقلة إنتاجه أو توزيعه بعدالة على من هم في حاجة ماسة إليه، بحيث لا يبقى حكراً على الدول القادرة. وتجدر الإشارة هنا إلى آخر ما طفا على السطح، وهو خلافات الاتحاد الأوروبي مع ثلاث شركات أدوية كبرى، هي (فايزر، وسانوفي، وجونسون آند جونسون)، بشأن السعر وطريقة الدفع وتكاليف المسؤولية المحتملة.
وقال ثلاثة مسؤولين في الاتحاد الأوروبي ل «رويترز»، إنه على الرغم من الضرورة الملحة لإبرام الصفقات وسط سباق عالمي لضمان الحصول على أفضل اللقاحات الواعدة، فإن الاتحاد الأوروبي يكافح من أجل التوصل إلى اتفاقات سريعة. وحققت المفاوضات مع «جونسون آند جونسون» تقدماً ملحوظاً، لكن هناك مساومات بخصوص كيفية تقاسم تكاليف المسؤولية إذا ظهرت للقاح المحتمل آثار جانبية غير متوقعة.
وذكر المسؤولون أن شركة «سانوفي» الفرنسية تتفاوض لتوريد 300 مليون جرعة من اللقاح المحتمل الذي تطوره مع شركة الأدوية البريطانية «جلاكسو سميثكلاين» إلى الاتحاد الأوروبي، وتريد دفعة مقدمة على الفور مقابل المخزون بأكمله.
من جانب آخر، وقعت شركة «استرازينيكا» على صفقات تصنيع على مستوى العالم لتحقيق هدفها في إنتاج ملياري جرعة من اللقاح، كما وقعت اتفاقية بقيمة 1.2 مليار دولار مع الحكومة الأمريكية، ويعتبر لقاح الشركة، الذي تم تطويره مع جامعة أكسفورد، من بين أوائل اللقاحات التي انتقلت إلى التجارب الأخيرة والنهائية.
هذه الصورة من الخلافات والتردد في حسم الأمور تتكرر في ألمانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، ودول أخرى، وتمثل نموذجاً للعراقيل التي تعيق وضع أحد هذه اللقاحات في الاستخدام الفعلي بالسرعة المطلوبة، وبالتالي تجعل من تهديدات الموجة الثانية من تفشي الوباء أمراً لا مفر منه.


ملامح الموجة الثانية


في غياب التنسيق وفي ظل حالة من الارتباك تسود دوائر القرار على المستوى الوطني والتنسيق العالمي، يبذل مسؤولو الصحة في معظم دول العالم جهوداً لمواجهة الموجة الثانية التي ظهرت بوادرها في عدد من الدول. وبعد أن تجاوز عدد الإصابات على مستوى العالم 16 مليون مصاب، ارتفعت أعداد الوفيات لتصل إلى 652437 وفاة. وسجلت الهند أعلى معدلات تفشي الوباء حيث بلغ عدد الإصابات 50 ألفاً في يوم واحد. وأعلنت الصين عن أكبر زيادة في عدد الإصابات منذ مارس/ آذار، في حين تصارع إسبانيا للإفلات من موجة تفش ثانية.
أما الولايات المتحدة فقد تجاوز عدد الإصابات فيها 4.37 مليون إصابة، مات منهم 149849 مصاباً، موزعة على مختلف الولايات، وإن كان الضرر في بعضها أشد، كما هو الحال في كاليفورنيا، ونيويورك.
وينطبق الكلام نفسه على دول أمريكا اللاتينية، ما يعني أن العالم كله موبوء، وأن تبعثر جهود وإجراءات المواجهة سوف يؤخر القضاء على الوباء.
وسط هذه الصورة تعالت أصوات منتقدي الأداء الحكومي الرسمي، وأصوات الداعين لوضع استراتيجيات مضمونة النتائج ليس على الصعيد الصحي فقط، رغم أهميته، بل على صعيد حماية اقتصادات العالم من الانهيار تحت ضربات الفيروس المتلاحقة التي تسببت بوقف كلي لأنشطة بعض القطاعات، ومنها السفر والسياحة، أو تعطل جزئي في بقية القطاعات.
وارتفعت معدلات البطالة على مستوى العالم، حيث فقد أربعة من كل خمسة عمال وظائفهم بسبب الفيروس. ويحذر خبراء الاقتصاد من أن الحكومات التي سارعت لضخ أموال التحفيز الاقتصادي في مواجهة الموجة الأولى ستكون غير قادرة على الاستمرار في ضخ المساعدات المالية للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تستوعب القسم الأكبر من العمالة في مختلف اقتصادات العالم.
أما في الدول الفقيرة، فتتعدد أوجه مخاطر تفشي الوباء، لتشمل فشل النظام الصحي في المواجهة، يعززه نقص إمكانات الاختبارات والحجر الصحي، فضلاً عن النظام الغذائي الرديء نتيجة ضعف القدرات الشرائية.
وقال فابيو بانيتا، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي: «النشاط الاقتصادي لا يزال أقل بكثير من مستوى ما قبل الأزمة، ولن نشهد عودته إلى هذا المستوى قبل نهاية عام 2022».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"