عشائر شمال سوريا تنتفض

03:08 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد عباس ناجي *

يبدو أن مرحلة جديدة سوف تبدأ في شمال شرق سوريا؛ بعد تصاعد حدة التوتر بين العشائر السورية من ناحية، وكل من ميليشيات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) الكردية والقوات الأمريكية من ناحية أخرى؛ حيث بدأت العشائر العربية السورية في منطقة الجزيرة تستعد لمواجهات مع الاحتلال الأمريكي، والأكراد الذين يديرون نظام الإدارة الذاتية.

المسألة لم تعد تقتصر فقط على الاعتراض على إدارة «قسد» للمناطق التي تسيطر عليها، وتتواجد فيها حقول النفط السورية الرئيسية، التي تمثل نحو 90% من مصادر النفط السورية، على الرغم من أهمية ذلك بالطبع، لاسيما أنها أدت إلى تراجع مستوى المعيشة، وتدني الخدمات المقدمة، وإنما امتدت إلى محاولات «قسد» مصادرة عوائد إنتاج وتصدير النفط السوري، على نحو غير شرعي؛ بعد توقيع إدارة الحكم الذاتي وتحديداً مظلوم عبدي قائد «قسد»، حسب ما تم إعلانه في اجتماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في 30 يوليو/تموز الفائت، على اتفاق مع شركة «دلتا كيرسنت انيرجي» الأمريكية؛ لتطوير هذه الحقول، لاسيما أكبرها وأكثر إنتاجاً؛ وهو حقل «العمر».

اللافت هنا، أن هذه المرحلة الجديدة من التوتر؛ تطرح دلالة مهمة، مفادها أن واشنطن والإدارة الكردية لم تعيان الدرس العراقي السابق، عندما أدت السياسات الأمريكية إلى انتفاضة العشائر ضد الاحتلال الأمريكي على نحو تسبب في خسائر لم تكن هينة بالنسبة للأولى. وربما يفسر ذلك محاولاتها في الوقت الحالي احتواء استياء العشائر، واستيعاب مطالبها قبل أن تفاجأ بانتفاضة قد تفرض عليها معادلة أمنية وعسكرية جديدة لا تتوافق مع سياستها القائمة على تقليص الوجود العسكري مع الاحتفاظ بقوات محددة؛ لتأمين حقول النفط.


أهداف عديدة


يشير حرص إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تشجيع تلك الخطوة التي أقدمت عليها «قسد»، على نحو بدا جلياً في تصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو والسيناتور ليندسي جراهام خلال اجتماع لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، إلى أن واشنطن تسعى إلى تحقيق أهداف عديدة من وراء ذلك.

يتمثل أولها، في مواصلة اعتمادها على الدور الذي تقوم به الميليشيات الكردية على الأرض، باعتبار أنها ترى، وفقاً لمزاعمها، أن الأخيرة كانت طرفاً رئيسياً في الحرب ضد تنظيم «داعش» والتي أسفرت عن تقلص مساحة المناطق التي كان يسيطر عليها، وإعلان الانتصار عليه في النهاية، على الرغم من قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية بين الحين والآخر.

وهنا، فإن الإدارة الأمريكية ترغب في تجنب عبء الالتزام بدعم هذا الدور، خاصة على المستوى المالي؛ من خلال تأييد هذا الاتفاق الذي يمكن أن يؤدي إلى إنتاج ما يقرب من 150 ألف برميل يومياً من الحقول الرئيسية، حسب بعض التقديرات. ويعبر ذلك بشكل واضح عن السياسة العامة التي تتبناها الإدارة الأمريكية منذ وصولها إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2017، والقائمة في الأساس على تقليص الأعباء المالية والاقتصادية الناتجة عن الانخراط بشكل مباشر في الأزمات الإقليمية والدولية المختلفة، مع تكليف حلفاء على الأرض بممارسة الأدوار نفسها التي كانت تقوم القوات الأمريكية في السابق.

وينصرف ثانيها، إلى ضمان موطئ قدم في الترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في سوريا، في أعقاب انتهاء الصراع العسكري تقريباً وتغير موازين القوى العسكرية على الأرض لمصلحة النظام السوري.

وهنا، فإن إدارة الرئيس ترامب تضع في اعتبارها أن وجودها العسكري في سوريا لم يكن محل ترحيب من جانب معظم القوى المعنية بالصراع السوري والمنخرطة فيه، حتى حلفائها لاسيما تركيا، التي ما زالت تبدي تحفظات مستمرة على التعاون بين واشنطن و«قسد» في شمال شرق سوريا. ولذا، فإن تعزيز الوجود الاقتصادي، عبر مثل هذه النوعية من الاتفاقات؛ يمكن أن يكون الخيار الأكثر ملاءمة بالنسبة لواشنطن في الوقت الحالي.

ويتعلق ثالثها، بتطبيق العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام السوري، في إطار قانون «قيصر» بشكل صارم، من خلال حرمان الدولة من إدارة إنتاج وتصدير النفط السوري ومنح الضوء الأخضر للميليشيات الكردية للقيام بذلك على الرغم من أنه يمثل خطوة غير مشروعة، أو على حد وصف الحكومة السورية والعشائر الرئيسية «سرقة لموارد الدولة وانتهاكاً لسيادتها».


تقديرات خاطئة


اللافت هنا، أن الثقل العشائري، على الرغم من أهميته التي لا يمكن تجاهلها على نحو بدا جلياً في حالة العراق في السابق، لم يوضع في الاعتبار من جانب «قسد» والإدارة الأمريكية، بشكل دفع العشائر إلى التحرك، أولاً لتأكيد أن ما تقوم به الإدارة الكردية وواشنطن لا يعبر إلا عن سياسة الأمر الواقع، وهو اتجاه قد يكون مؤقتاً، باعتبار أن التطورات الميدانية والسياسية في سوريا قد لا توفر له أرضية في المستقبل، وثانياً، للتركيز على أن ما تقوم به الولايات المتحدة لا يغير من طبيعة وجودها بصفتها طرفاً محتلاً لأراضي سوريا على غرار تركيا.

وبدا ذلك واضحاً في التظاهرات التي عمت المناطق التي تسيطر عليها «قسد»، وفي الاحتقان الذي تفاقمت حدته؛ بعد مقتل الشيخ مطشر جدعان الهفل أحد شيوخ قبيلة العكيدات في دير الزور، وإصابة الشيخ إبراهيم الهفل.

وانعكس ذلك في إعلان قبيلة العكيدات الزبيدية، في 10 أغسطس/آب الجاري، عن تشكيل مجلس عسكري؛ لتحرير المنطقة مع توجيه رسائل في الوقت نفسه تشير إلى تأييدها للتطورات الميدانية التي شهدتها سوريا في الفترة الماضية؛ حيث كان لافتاً تركيزها على «بطولات الجيش العربي السوري».

من هنا، يبقى مسار المواجهة العسكرية حاضراً في الصورة في شمال شرق سوريا.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"