استقلال السنة بتشريعات وأحكام ملزمة

وما ينطق عن الهوى
02:23 صباحا
قراءة 4 دقائق

إن استقلال السنة بالتشريع‮ ‬يعني‮ ‬أنها قد جاءت بتشريعات وأحكام لم‮ ‬ينص عليها القرآن الكريم وأنها حجة في‮ ‬ذلك،‮ ‬أي‮ ‬أن الله سبحانه أوجب علينا اعتقادها والعمل بها،‮ ‬وأن وظيفة السنة لا تقتصر على تأكيد أحكام القرآن وبيانها؛‮ ‬بل من وظيفتها أيضاً‮ ‬أن تضيف تشريعات أخرى بوحي‮ ‬من الله تعالى،‮ ‬وهي‮ ‬تشريعات ملزمة للمسلمين كإلزام القسمين الأولين،‮ ‬وكإلزام ما جاء به القرآن الكريم نفسه؛‮ ‬حيث إن الوحي‮ ‬هو مصدر جميع ذلك‮.‬
يقول الدكتور الحسين بن محمد شواط في‮ ‬كتاب‮ «‬حجية السنة وتاريخها‮»: ‬«إن العلماء أجمعوا على وقوع القسم الثالث من أقسام السنة،‮ ‬وهو أنها تأتي‮ ‬بأحكام لم‮ ‬يثبتها القرآن ولم‮ ‬ينفها،‮ ‬وأن ذلك كثير في‮ ‬السنة،‮ ‬وأنه حجة شرعية ملزمة‮ ‮‬ثم اختلفوا بعد ذلك في‮ طريقة ثبوت هذا القسم‮: ‬هل هو عن طريق استقلال السنة بالتشريع أم عن طريق دخولها تحت نصوص القرآن ولو بتأويل‮؟
‬فذهب جماهير علماء الأمة قديماً‮ ‬وحديثاً‮ ‬إلى أن ذلك عن طريق استقلال السنة بالتشريع،‮ ‬وأن الله تعالى أوحى إليه صلى الله عليه وسلم بمعتقدات وأحكام جديدة مضافة إلى ما أوحى إليه في‮ ‬القرآن،‮ ‬وهذا هو الصواب لتضافر الأدلة عليه ولشهادة الواقع،‮ ‬ولأن السنة وحي‮ ‬كالقرآن،‮ ‬فلا مانع من التعبد بها على سبيل الاستقلال»‮.‬
‬وذهب الشاطبي‮ ‬وقلة معه في‮ ‬كتاب‮ «‬الموافقات‮» ‬إلى أن هذا القسم من الأحكام التي‮ ‬أضافتها السنة داخل تحت عموم القرآن وراجع إليه،‮ ‬وهذا مرجوح للأدلة البينة على قول الجمهور‮.‬


خلاف لفظي


‮وعند التأمل نجد أن الخلاف لفظي‮ ‬بين الفريقين ما دام الجميع معترفين بوجود أحكام في‮ ‬السنة لم‮ ‬ينص عليها القرآن،‮ ‬وأن الله قد ألزمنا بها‮.‬
‮وعن أدلة استقلال السنة بالتشريع،‮ ‬يقول الإمام الشافعي‮ ‬في‮ ‬كتاب‮ «‬الرسالة‮»: «‬لقد دل القرآن الكريم ودلت السنة وإجماع‮ ‬السلف على أن السنة وحي‮ ‬من عند الله،‮ ‬ولله تعالى أن‮ ‬يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بتبليغ‮ ‬أحكامه للناس من أي‮ ‬طريق،‮ ‬سواء كان ذلك بالكتاب أو السنة،‮ ‬وذلك جائز شرعاً‮ ‬وعقلاً وواقع فعلاً‮.‬
‮ ‬إن نصوص القرآن الدالة على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته مطلقة،‮ ‬ولم تفرق في‮ ‬إيجاب الطاعة بين السنة المؤكدة أو المبينة أو المستقلة بالتشريع،‮ ‬ولهذا فإن التفريق بين ذلك في‮ ‬الطاعة مخالف للنص وتحكم بالجهالة‮».‬
‮‬إن نصوص القرآن قد دلت على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستقلال،‮ ‬مثل قوله تعالى‮: «‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي‮ ‬الأمر منكم فإن تنازعتم في‮ ‬شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر‮».‬
‮ ‬وقال الإمام ابن القيم في‮ ‬تفسير هذه الآية‮: (‬فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله،‮ ‬وأعاد الفعل إعلاماً‮ ‬بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً من‮ ‬غير عرض ما أمر به من الكتاب؛ ‬بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً،‮ ‬سواء كان ما أمر به في‮ ‬الكتاب أو لم‮ ‬يكن فيه،‮ ‬فإنه أوتي‮ ‬الكتاب ومثله معه،‮ ‬ولم‮ ‬يأمر بطاعة أولي‮ ‬الأمر استقلالاً؛‮ ‬بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في‮ ‬ضمن طاعة الرسول إيذاناً‮ ‬بأنهم إنما‮ ‬يطاعون تبعاً‮ ‬لطاعة الرسول،‮ ‬فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته ومن أمر بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع ولا طاعة‮).‬


عصمة النبي


‮ وقال التابعي‮ ‬ميمون بن مهران‮: (‬إن الرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه،‮ ‬والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرجوع إليه في‮ ‬حياته وإلى سنته بعد موته‮). ‬وإن النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم معصوم بدلالة المعجزة عن الخطأ في‮ ‬التبليغ‮ ‬عن ربه عز وجل بوحي‮ ‬متلو أو‮ ‬غير متلو،‮ ‬مبين أو مؤكد أو مستقل‮. ‬وإن القول بعدم استقلال السنة بالتشريع‮ ‬يقتضي‮ ‬القول بعدم تبيينه لما في‮ ‬الكتاب أيضاً‮ ‬لأن في‮ ‬التبيين نوع استقلال في‮ ‬تفاصيل الحكم المبين،‮ ‬كما في‮ ‬تفاصيل أحكام الصلاة والزكاة والحج وغيرها،‮ ‬فيلزم استواء الجميع في‮ ‬الجواز والوقوع‮.‬
‮ ‬ويقول الإمام الشافعي‮: «‬وما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس لله فيه حكم‮ (‬أي‮ ‬في‮ ‬القرآن‮) ‬فبحكم الله سنه،‮ ‬وكذلك أخبرنا الله في‮ ‬قوله‮: «‬وإنك لتهدي‮ ‬إلى صراط مستقيم»‮.‬


حق الشفعة


‮ ‬ويؤكد الدكتور محمد عجاج الخطيب في‮ ‬كتابه‮ «‬السنة النبوية‮» (‬مكانتها،‮ ‬حفظها وتدوينها،‮ ‬تفنيد بعض الشبهات حولها‮)‬،‮ ‬على أن في‮ ‬السنة أحكاماً لم‮ ‬ينص عليها القرآن الكريم،‮ ‬وليست بياناً‮ ‬له،‮ ‬ولا تطبيقاً‮ ‬مؤكداً لما فيه،‮ ‬ولا تفريعاً‮ ‬على أصل فيه؛‮ ‬بل هي‮ ‬أحكام مستقلة زيادة على ما في‮ ‬القرآن الكريم،‮ ‬من هذا‮: ‬ثبوت الشفعة فيما لم‮ ‬يقسم وفي‮ ‬الجوار‮: ‬لحديث جابر بن عبدالله الأنصاري‮ رضي الله عنه ‬قال‮: (‬قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في‮ ‬كل شركة لم تقسم‮: ‬ربعة أو حائط،‮ ‬لا‮ ‬يحل له أن‮ ‬يبيع حتى‮ ‬يؤذن شريكه،‮ ‬فإن شاء أخذ وإن شاء ترك،‮ ‬فإذا باع ولم‮ ‬يؤذنه فهو أحق به‮)‬،‮ ‬وثبتت للجار بحديث جابر بن عبدالله رضي‮ ‬الله عنه،‮ ‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‮: (‬الجار أحق بشفعة جاره،‮ ‬ينتظر بها وإن كان‮ ‬غائباً‮ ‬إذا كان طريقهما واحداً‮). ‬وأيضاً‮ ‬جواز الرهن في‮ ‬الحضر‮.‬

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"