ليبيا.. ساعة الصفر تقترب

03:34 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

يتزايد تصاعد التوتر في ليبيا بصورة تُنذر بانفجار وشيك للقتال، وكأن ساعة الصفر اقتربت، مع إصرار تركيا وحكومة السراج على مواصلة حشد القوات والأسلحة الثقيلة باتجاه «خط سرت الجفرة»، وسط إعلانات متكررة من جانب مسؤولين في أنقرة وحكومة «الوفاق» بأن انسحاب قوات الجيش الليبي من سرت والجفرة، شرط جوهري للموافقة على وقف إطلاق النار.
شهدت الأيام الأخيرة قيام جسر جوي تركي جديد بنقل مزيد من الأسلحة والمرتزقة إلى مدينة مصراتة؛ مركز عمليات القوات التركية وميليشيات السراج، وقاعدة «الوطية» جنوب غربي طرابلس، كما تحركت أرتال من الآليات العسكرية تضم نحو 200 آلية من مصراتة باتجاه الشرق، وصولاً إلى مدينة تاورجا الساحلية عند نحو ثلث المسافة بين مصراتة وسرت. وأشارت التقارير إلى وصول راجمات صواريخ تركية من طراز «سقاريا» التي يصل مداها 110 كيلومترات إلى القوات المحتشدة شرقي مصراتة، فيما يفترض أن تمهد للهجوم على سرت (الحدث وسكاي نيوز والصحف والمواقع، 19 و20 يوليو)، بينما يواصل السفن الحربية التركية انتشارها قبالة السواحل الليبية.
وفي المقابل يواصل الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر تعزيز قواته في سرت والجفرة والخط الواصل بينهما، تأهباً للمعركة المحتملة. ومعروف أن سرت هي البوابة الغربية لمنطقة الهلال النفطي، المركز الرئيسي لإنتاج النفط في البلاد، وعقدة المواصلات بين شرقها وغاربها وجنوبها، كما أن قاعدة الجفرة وسط ليبيا تحتل موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية في اتجاه جنوبي البلاد، ونحو الشرق أيضاً. ولهذا السبب كان الإنذار المصري الشهير بأن «خط سرت الجفرة»، هو خط أحمر لن تسمح مصر بانتهاكه.
ومن ناحية أخرى تتحرك القطع البحرية التابعة للجيش الوطني في دوريات مستمرة في خليج سرت لحماية المدينة نفسها، وميناءي تصدير النفط المهمين في البريقة ورأس الأنون، علماً بأنه في حالة مهاجمة القوات التركية والميليشيات الإرهابية لهذه المنطقة، فإن الإنذار المصري سيتم تفعيله، باعتبارها ضمن «الخط الأحمر».


اقتراحات ملتوية


وبالتوازي مع انتهاج تركيا لخط التصعيد وسياسة حافة الهاوية، خرجت الدبلوماسية التركية باقتراح مفاجئ «بإنهاء عسكرة سرت» وخروج جميع القوات منها، ومن منطقة الهلال النفطي، لتحل محلها قوات دولية، وإقامة منطقة منزوعة السلاح في سرت والهلال النفطي، تشرف عليها القوات الدولية! (الحدث، مساء 19 يوليو).
والمعنى الوحيد لهذا الاقتراح هو انسحاب قوات الجيش الوطني من هذه المنطقة الاستراتيجية «بدون معركة!»، وتسليمها لقوات دولية لا تخضع بالطبع للإرادة الوطنية الليبية، وإنما لإرادة الدول الكبرى والأمم المتحدة.
وبديهي أن هذا «التذاكي» المكشوف لا يستحق عناء المناقشة ولن يوفر لأردوغان مبرراً أو ذريعة أمام الرأي العام الدولي .


موقف مصر.. وقلب الموازين


والواقع أن المواقف التركية لا ترقى إلى مستوى جدية الأزمة الخطرة ذات الأبعاد الإقليمية والدولية التي خلقها الغزو التركي لليبيا، بما يمثله من عدوان على سيادة دولة مستقلة ذات أهمية اقتصادية كبيرة، وموقع استراتيجي بالغ الحساسية لإقليم بأهمية جنوب أوروبا، والبحر المتوسط، وشمال إفريقيا، والأمن القومي لدولة محورية مثل مصر.
السياسة التركية وشروطها الغريبة لوقف إطلاق النار، هي عبث في موضع الجد.. والأطماع الإمبراطورية التركية في ليبيا تتجاهل المصالح وعلاقات القوى الإقليمية والدولية، وبالتالي فهي محكوم عليها بالفشل؛ بل إنها تتجاهل حتى علاقات القوى المحلية في ليبيا نفسها، فالمنطقة التي تسيطر عليها تركيا وحكومة الوفاق عسكرياً، أقل بكثير من ربع مساحة ليبيا، حتى وإن كانت تضم العاصمة.
ومن ناحية أخرى، فمن الواضح أن أردوغان لم يحسب الحساب جيداً، منذ بداية مغامرته في ليبيا للموقف المصري والعربي، ولقوة مصر العسكرية والسياسية، خاصة أنها مدعومة بقوة من دولتين بأهمية الإمارات العربية والسعودية، فضلاً عن الأهمية الدولية الكبيرة للموقفين الروسي والفرنسي وما لهما من انعكاسات سياسية وميدانية.
ولسنا بحاجة لشرح أهمية ليبيا بالنسبة للأمن القومي المصري، والترابط العضوي بين الأمن القومي للبلدين.


إعلان القاهرة


وقد دانت مصر ذلك الغزو بكل قوة، ثم تقدم الرئيس السيسي ب«إعلان القاهرة» الداعي لوقف إطلاق النار وتسوية الأزمة في الإطار العام لمقررات المؤتمرات الدولية بشأن ليبيا، وكان ذلك بحضور المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الشرعي والمشير حفتر قائد الجيش الوطني (في 6 يونيو الماضي). وحينما أصبح واضحاً أن قوات السراج المدعومة من جانب تركيا، مصرة على التقدم باتجاه الشرق، وأن أردوغان والسراج يصران على رفض وقف النار، أطلق الرئيس السيسي إنذاره الشهير باعتبار «خط سرت الجفرة» خطاً أحمر، ستتدخل مصر عسكرياً إذا تم انتهاكه (20 يونيو)، ثم كانت الضربة العسكرية الجوية القاسية لقاعدة «الوطية» والقوات التركية والإرهابية فيها.
وأصبح واضحاً لأردوغان أن الإنذار المصري جدي تماماً، وأن عليه أن يتوقف ليعيد حساباته جيداً بشأن التحرك العسكري؛ لأن الموقف ينطوي على خطر الاصطدام بقوة ضخمة، هي الجيش المصري.
ثم كانت دعوة البرلمان الليبي للقوات المسلحة المصرية للتدخل لحماية الأمن القومي للبلدين، وتأييد المجلس الأعلى للقبائل الليبية لتلك الدعوة، خطوة مهمة لتأكيد إرادة الشعب الليبي في تدخل الجيش المصري في مواجهة العدوان التركي على ليبيا.
ومع ذلك يصر أردوغان على رفض وقف إطلاق النار، وربطه بشروط عبثية من قبيل اشتراط انسحاب الجيش الوطني من خط «سرت الجفرة»، أو استدعاء قوات دولية لاحتلال «الهلال النفطي».
وواضح أن الطريق إلى تحقيق السلام في ليبيا لايزال بعيداً، لكن المؤكد أن هزيمة العدوان التركي محتومة مهما تأخرت.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"