«وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»

وما ينطق عن الهوى
03:05 صباحا
قراءة 5 دقائق

‮‬أسباب وأدلة كثيرة ودامغة ساقها العلماء والأئمة والفقهاء توجب العمل بالسنة النبوية المباركة، ‬وهناك من ربط بين الإيمان والعمل بالسنة، وهناك من قدم الأدلة التي‮ ‬تلزم بضرورة العمل بالسنة وذلك من القرآن الكريم والسنة النبوية‮.‬
‮يقول الدكتور محمد عجاج الخطيب في‮ ‬كتاب‮ «‬السنة النبوية‮ (‬مكانتها‮ - ‬حفظها وتدوينها، ‬تفنيد بعض الشبهات حولها‮)»: ‬«إن أدلة وجوب العمل بالسنة كثيرة، ‬تثبت أن السنة مصدر تشريعي‮ ‬تستنبط منها الأحكام الشرعية وآداب الإسلام وقيمه الإنسانية العالمية، ‬ومن مقتضى الإيمان بالرسالة وجوب قبول كل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، ‬فقد اصطفى الله تعالى رسله من عباده ليبلغوا شرائعه إليهم، ‬قال عز وجل‮: «فهل على الرسل إلا البلاغ‮ ‬المبين» (سورة النحل الآية‮:‬ 53‮). ‬وقال‮ ‬ عز وجل‮ ‬ في‮ ‬رسولنا الكريم الأمين‮: ‬«قل‮ ‬يا أيها الناس إني‮ ‬رسول الله إليكم جميعاً الذي‮ ‬له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو‮ ‬يحيي‮ ‬ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي‮ ‬الأمي‮ ‬الذي‮ ‬يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون» (سورة الأعراف الآية‮: ‬851‮)».‬


طاعة الرسول


‮‬يقول الإمام الشافعي‮ ‬في‮ ‬كتاب‮ «‬الرسالة‮»: «‬فجعل كمال ابتداء الإيمان، ‬الذي‮ ‬ما سواه تبع له، ‬الإيمان بالله ثم برسوله‮» ‬والرسول أمين على شرع الله تعالى، ‬لا‮ ‬يبلغ‮ ‬في‮ ‬أمر الدين إلا ما‮ ‬يوحى إليه، ‬فمقتضى الرسالة والعصمة‮ ‬يوجب الاعتماد على السنة والاحتجاج بها، ‬والتأسي‮ ‬بصاحبها صلى الله عليه وسلم، ‬وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»‮.
ويوجب الله تعالى علينا في آيات كثيرة‮ ‬ طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم منها‮: ‬قوله سبحانه‮: ‬«يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي‮ ‬الأمر منكم فإن تنازعتم في‮ ‬شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر»، (سورة النساء الآية‮: ‬95‮) ‬والرد إلى الله تعالى هو الرد إلى الكتاب الكريم، ‬والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو العودة إليه في‮ ‬حياته صلى الله عليه وسلم، ‬والعودة إلى سنته بعد وفاته‮.‬
‮وبين سبحانه وتعالى أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة لله عز وجل‮ في‮ ‬قوله‮: «من‮ ‬يطع الرسول فقد أطاع الله» (سورة النساء الآية‮: 08‮)‬، ‬وكذلك في‮ ‬قوله‮: ‬«وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» وما أبلغ‮ ‬قول الله‮ عز وجل‮ في‮ ‬هذا الشأن‮: «فلا وربك لا‮ ‬يؤمنون حتى‮ ‬يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في‮ ‬أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً»، (سورة النساء الآية‮: ‬56‮). وهذه الآيات وغيرها تدل على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهديه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى‮.‬


الكتاب والحكمة


‮‬قال سبحانه وتعالى‮: ‬«وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً» وفي هذه الآية الكريمة وغيرها قرن الله عز وجل الحكمة مع الكتاب‮. ‬
قال الإمام الشافعي‮: (‬ذكر الله الكتاب وهو القرآن، ‬وذكر الحكمة فسمعت من أرضى ‬من أهل العلم بالقرآن‮ ‬يقول‮: ‬الحكمة سنة رسول الله).‬
‮ ‬وذهب كثير من أهل العلم إلى أن المراد بالحكمة في‮ ‬هذه الآيات هو السنة‮. ‬وعلى هذا القول‮ ‬يكون الله‮ عز وجل‮ قد نص في‮ ‬الكتاب الكريم على وجوب العمل بالسنة، ‬كما نص في‮ ‬آيات أخرى على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم‮. ‬وكل هذا‮ ‬يؤكد على وجوب الاعتداد بالسنة الشريفة، ‬وعلى عدها مصدراً‮ ‬من مصادر التشريع في‮ ‬الإسلام، ‬بل هي‮ ‬المصدر التشريعي‮ ‬الثاني‮ ‬في‮ ‬الإسلام‮.


عصمة من الضياع


ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تحض على وجوب العمل بالسنة، ‬والالتزام بها، ‬والترهيب من التساهل فيها، ‬أو الإعراض عنها، ‬منها‮ ‬قوله صلى الله عليه وسلم‮: «‬تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما‮: ‬كتاب الله وسنتي‮» ‬قال الحافظ بن عبد البر‮: «‬هذا محفوظ معروف عن النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة‮ ‬يكاد‮ ‬يستغنى بها عن الإسناد‮» ‬وحدثنا البغوي‮ بسنده‮ ‬ عن أبي‮ ‬هريرة رضي الله عنه قال‮: ‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: «إني‮ ‬قد خلفت فيكم اثنتين لن تضلوا بعدهما أبداً‮: ‬كتاب الله وسنتي».‬
وقال ابن عبد البر في‮ ‬كتاب‮ «‬تفسير القرآن‮»: ‬حدثنا عبد الرحمن بن‮ ‬يحيى‮ بسنده‮ عن عمرو بن عوف، ‬قال‮: ‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: «‬تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما‮: ‬كتاب الله وسنة نبيه‮».‬
‮‬وقال ابن عبد البر‮: ‬ذكر أبو عيسى الترمذي‮ بسنده‮ ‬«عن أبي‮ ‬أمامة رضي‮ ‬الله عنه قال‮: ‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: «‬ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل‮»‬، ‬ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله‮ تعالى‮: «ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون»، (سورة الزخرف الآية‮: ‬85‮). ‬وقال ابن عبد البر‮: (‬وهذا‮ «‬ولفظ‮» ‬حديث مالك سواء، ‬والكتاب والسنة قد هدى من تمسك بهما‮). ‬وتلك أدلة وجوب العمل بالسنة مما ورد في‮ ‬الحديث النبوي، ‬والنبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬«وما‮ ‬ينطق عن الهوى، ‬إن هو إلا وحي‮ ‬يوحى»، (سورة النجم‮) ‬وهو معصوم من الزلل في‮ ‬أمور الدين، ‬وما‮ ‬يقوله فيه حق وصدق‮ ‬يجب العمل به كما‮ ‬يجب العمل بالقرآن الكريم الوحي‮ ‬المتلو المتعبد بتلاوته‮.‬


إجماع الأمة


‮ أجمعت الأمة الإسلامية من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أيامنا هذه على وجوب العمل بما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم امتثالاً لأوامر الله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم، ‬واستجاب المسلمون لما في‮ ‬السنة الشريفة كما استجابوا لما في‮ ‬القرآن الكريم، ‬لأنها المصدر التشريعي‮ ‬الثاني، ‬وقد شهد الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا‮ ‬يتبع إلا ما‮ ‬يوحى إليه في‮ ‬قوله عز من قائل‮: «قل لا أقول لكم عندي‮ ‬خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني‮ ‬ملك إن أتبع إلا ما‮ ‬يوحى إلي» (سورة الأنعام الآية: 05)‬، ‬وقوله تعالى‮: «قل إنما أتبع ما‮ ‬يوحى إلي‮ ‬من ربي‮ ‬هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم‮ ‬يؤمنون»، (سورة الأعراف الآية‮: 302)، ‬وما‮ ‬يوحى إليه صلى الله عليه وسلم فيه هداية المتبعين وصلاحهم وسبيل نجاتهم ونجاحهم في‮ ‬الدنيا والآخرة، ‬والبصيرة للقلب كالبصر للعين، ‬ويقال‮: ‬أبصر الرجل إذا خرج من الكفر إلى بصيرة الإيمان‮.‬

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"