اجتياح التتار.. وحشية القرن الـ 13

أزمات مرت
03:27 صباحا
قراءة دقيقتين
الشارقة: مها عادل

لم يعرف التاريخ سلسلة من الحروب والغزوات أقسى، ولا أكثر وحشية من تلك التي جرت طوال 50 عاماً من القرن الثالث عشر، عندما اجتاح التتار العالم الإسلامي من مشرقه الأقصى، عند تخوم الصين، وحتى قلبه النابض في العراق، والشام، ومصر، فكانوا مثل «جراد جائع» يأكل الأخضر، واليابس، ويشيع الفوضى، والموت، والدمار أينما حل.
ولم تكن المذابح والفظائع التي ارتكبها التتار، وهم يسقطون الممالك والبلدان، ويخربون المدن التي كانت منارات للحضارة: طشقند، وسمرقند، وبغداد ودمشق، إلا فصلاً دموياً في تاريخ البشرية، حيث يقدر أن سيوفهم فتكت بالملايين من البشر، وجعلت أهل القرن الثالث عشر يعتقدون أنهم يعيشون في آخر الزمان.
بدأ اجتياح التتار للعالم بتوحيد قبائلهم التي تعيش في صحراء منغوليا على يد جنكيز خان عام 1206 فبدأ بغزو الصين، وبلاد التركمان، وإقليم التبت، ثم توجه غرباً عام 1218 ليدخل في حرب ضارية مع الدولة الخوارزمية في وسط آسيا، وكانت سياستهم هي إشاعة الإرهاب في نفوس السكان، فكانوا يرتكبون المذابح في كل مدينة، وإقليم، ليرهبوا أهل المدينة، والإقليم التالي، ويدخلوا في روعهم أن جيش التتار لا يهزم. ولم يوقف موت جنكيز خان عام 1227 طوفان التتار، حيث استمرت جيوش أولاده في التقدم شيئاً، فشيئاً، في أراضي فارس، وخراسان، حتى أصبحت على أبواب دولة الخلافة العباسية، وعاصمتها بغداد، التي كانت واحدة من أهم وأجمل مدن العالم، ولكن هولاكو حفيد جنكيز خان نجح في الانتصار على الخليفة العباسي المستعصم، وقتله، واستباح بغداد، وجعلها طعمة للسلب، والنهب، والنيران، وكان هذا الحدث كارثة كبرى للحضارة الإنسانية بكل المقاييس، حيث أضرم التتار النار في بيت الحكمة، وهي إحدى أعظم مكتبات العالم القديم آنذاك، وألقوا بالكُتب في نهري دجلة، والفرات، كما فتكوا بالكثير من أهل العلم والثقافة، ودمروا المعالم العمرانية من مساجد، وقصور، وحدائق، ومدارس، ومستشفيات. وقتلوا نحو مليون شخص من الأهالي، ومن نجا منهم من المذبحة أُصيب بالأمراض والأوبئة التي انتشرت في الجو نتيجة كثرة القتلى، ويقدر بعض المؤرخين عدد قتلى هذا الاجتياح الوحشي للعراق بنحو مليونين من السكان.
واستمرت جيوش التتار في اندفاعها غرباً، فاجتاحت بقية أرض العراق، والشام، ودمرت الموصل، وحلب ودمشق، وغيرها من عواصم العلم، والعمران، ولكن نهاية هذا الطوفان البشري أتت على أرض فلسطين، عندما نجح سلطان المماليك في مصر، سيف الدين قطز، في الانتصار على جيوش التتار في موقعة عين جالوت عام 1260 وردّهم، واستعاد أراضي الشام من بين أيديهم، وتحسنت بعدها أحوال البلاد، والعباد، وانقشعت الغمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"