هدنة أفغانستان والسلام الموعود

03:23 صباحا
قراءة 4 دقائق
كتب: المحرر السياسي

هلل العالم لاتفاق الهدنة الذي تم التوقيع عليه في فبراير/شباط الماضي بين حركة طالبان والحكومة الأمريكية بعد تسع جولات من التفاوض الشاق، على أمل وضع حد لمعارك لم تهدأ منذ 19 عاماً، يدّعي كل طرف فيها لنفسه الشرعية وتحقيق الانتصارات، بينما يتطلع العالم إلى تسوية سلمية تستغل أجواء الهدنة الإيجابية لتنهي الصراع وتنقل أفغانستان من الحرب إلى السلام وبناء الدولة.
يرمي الأمريكيون من وراء الاتفاق الذي تضمنت بنوده سحب قواتهم خلال 14 شهراً، إلى الخروج من مستنقع غاصوا فيه بذريعة محاربة الإرهاب، وتكبدوا خسائر بشرية (قتل 2400 جندي أمريكي هناك)، وهي الحقيقة التي راهن الرئيس ترامب عليها في جذب المزيد من التأييد في انتخابات عام 2016، حيث قال بمناسبة توقيع الاتفاقية: «كانت رحلة طويلة وشاقة في أفغانستان. لقد حان الوقت بعد كل هذه السنوات لإعادة جنودنا إلى الوطن». أضف إلى ذلك الأعباء المالية التي تزداد أهميتها في حساب موازنات البنتاجون في ظل التردي الاقتصادي الذي فرضه تفشي كوفيد-19، وارتفاع حجم المديونية العامة، ما تحول إلى مصدر صداع دائم للإدارة الأمريكية.
ويسعى الطرف الآخر من وراء المفاوضات إلى تثبيت حضوره كقوة متصاعدة، بدل تبعثر الحركة في مختلف مناطق أفغانستان التي تسيطر على ما يقرب من نصف الجغرافيا فيها، بعد أن تمكنت في سبتمبر/ أيلول عام 2015 من السيطرة على مدينة قندوز الاستراتيجية، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها سيطرتها على عاصمة إقليمية في البلاد منذ هزيمتها عام 2001. وتتزايد طموحاتها في توسيع دائرة نفوذها بحكم الواقع في غياب قوة منظمة بديلة على الساحة الأفغانية حتى الآن على الأقل.
ويفترض أن يمهد اتفاق الهدنة الطريق نحو إحلال السلام في أفغانستان حيث من المقرر أن تبدأ محادثات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، وسط رهانات غير مؤكدة على تحقيق نتائج سريعة.


معضلة طالبان والحكومة


فمن جانبها تعتقد حركة طالبان التي انخرطت مع الأمريكيين في مفاوضات سلام منذ عام2011 وشهدت المحادثات موجات شد وجذب، أن قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية قوة احتلال تعيث في البلاد خراباً وأن المتعاونين معها من أعضاء الحكومة في كابول التي تصفهم بأنهم «دمى أمريكية»، قد أنهكتهم الضربات الموجعة التي توجهها لهم وبالتالي صاروا يطلبون الخلاص بأي ثمن. وقد عبر ترامب عما يشبه ذلك بقوله إن انسحاب القوات الأمريكية السريع من أفغانستان سيترك فراغاً للإرهابيين يستغلونه، حسب وصفه.
من جانب آخر، تطور الحركة منذ مقتل زعيمها الملا منصور في هجوم بطائرة أمريكية مسيرة في مايو/أيار 2016، تكتيكاتها الهجومية ضمن خطة «عمليات الربيع» تحت قيادة زعيم أكثر تشدداً هو المولوي هيبة الله أخونزاده، حيث أربكت قوات التحالف من خلال تكثيف عمليات التفجير الانتحاري.
وقد لا يعرقل تشتت قيادات الحركة وعدم التجانس بين مكوناتها من البشتون والطاجيك والأوزبك، واختلاف استراتيجياتهم بين تأييد أنشطة الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» ومعارضتها، التوصل إلى اتفاق هدنة مؤقتة، لكنه بالتأكيد لا يسمح بتوقيعها على اتفاقية سلام دائم مع «الدمى الأمريكية» في الداخل الأفغاني إلا بشروط لا يقبل بها الأمريكيون وحلفاؤهم. بل إن إخلال الحركة بشروط الهدنة أثناء التنفيذ العملي لبنودها، قد يعرقل انسحاب القوات الأمريكية البالغ عددها حالياً 12 ألف جندي، يتم سحب 5400 جندي خلال 20 أسبوعاً، وبالتالي تعود الأمور إلى نقطة الصفر. وقد هددت حركة طالبان بأن أفغانستان ستصبح «مقبرة أخرى» للولايات المتحدة إن لم تسحب قواتها، رداً على تصريحات الرئيس الأمريكي.


السلام المفقود


ويرى العديد من المراقبين حالياً أن السلام لا يمكن أن يتحقق مستقبلاً في أفغانستان دون أن تتفاوض حكومة كابول مع طالبان. ولذا جدد الرئيس الأفغاني أشرف غني مؤخراً الدعوة لقادة طالبان إلى الانضمام إلى «محادثات السلام» في البلاد، واعتبر ذلك «الفرصة الأخيرة» أمام الحركة للمشاركة في العملية السياسية.
وكانت المحاولات السابقة لعقد مباحثات سلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان قد باءت بالفشل لرفض الحركة بدء أي تفاوض قبل مغادرة جميع القوات الأجنبية البلاد، والتي تعتبرها طالبان «قوات احتلال».
إلا أن اتفاق الهدنة يمنح حركة طالبان دفعاً قوياً لجهة توسع دائرة نشاطها التنظيمي الذي بات مكشوفاً وتحت غطاء مشروع.


طالبان الأمس واليوم


فطالبان اليوم تختلف عن طالبان الأمس التي استولت على كابول عام 1996. وتراهن الحركة على انهيار حكومة غني في كابول بعد تغير الظروف جذريا. ويقول جورجي آستيريان، أستاذ العلوم السياسية في كلية العلوم الإنسانية بجامعة موسكو أن الوضع بعد رحيل الجزء الأساسي من القوات الأمريكية والأجنبية سوف يضطر غني لمد يده لحركة طالبان بسبب الفراغ الذي تخلفه كما حصل بعد انسحاب عام 2014.
ومثل كل عملية سلام، هناك معارضون ومؤيدون في كلا الطرفين. ويبدي الأمريكيون قلقهم من تردد حكومة كابول في الشروع بالمفاوضات رغم حرص أشرف غني على السلام الوطني في بلاده، حسب تصريحاته على الأقل حيث قال مؤخراً: «إن مسؤولية الدولة هي العمل على اندماج طالبان في الحكومة»، وهذه التصريحات تدل على الإحساس بالمسؤولية تجاه الدولة والشعب.
وقد تأجلت مفاوضات السلام التي كان من المقرر أن تبدأ «بين الأطراف الأفغانية» في آذار/مارس، طبقاً لبنود الاتفاق، وسط الخلافات السياسية في كابول وبسبب تعثر عملية تبادل السجناء التي تشمل حوالي 5 آلاف عنصر من طالبان وألف عنصر من الجيش الأفغاني، حيث ترفض السلطات إطلاق سراح مئات السجناء المتهمين بجرائم خطيرة كانت الحركة طالبت بالإفراج عنهم.
وتتهم الحركة التي لا تزال تنفذ هجمات ضد القوات التحالف، حكومة أشرف غني بأنها تستخدم كل ما لديها من وسائل لإطالة أمد الوضع الراهن الذي يضمن لها حكم البلاد لمدة خمس سنوات كاملة.
وهناك من الأمريكيين من يرى أن الحرب في أفغانستان انتهت بين حركة طالبان والقوات الأمريكية، وأن ما تبقى منها هو صراع بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وما زالت واشنطن والمجتمع الدولي تمارس ضغوطاً على الطرفين للبدء في مفاوضات السلام اليوم قبل غد.
ولكن حتى لو بدأت المحادثات، فهناك عقبات كبيرة أمامها. فهل ستوافق طالبان على الاندماج في النظام الحالي القائم على نتائج الانتخابات التي تفضي لوجود برلمان؟ وهل ستكون كابول طرفاً في أي صيغة من شأنها أن تلغي وضع الحكومة المنتخبة؟ وما هي العوامل المشتركة لأي تسوية يتوصل إليها الجانبان؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"