أغنياء الصحابة والمسؤولية المجتمعية

02:54 صباحا
قراءة دقيقتين

د.إبراهيم علي المنصوري *


عندما نقلب في صفحات سيرة الصحابة الكرام نجد أن كل واحد منهم يقدم في مجاله نماذج رائعة وخالدة في خدمة المجتمع ورفعة الدين، فقد أسسوا بتوادِهم وتراحمهم في المجتمع لمبادئ كانت جزءاً مهماً من منظومة الاقتصاد الإسلامي، لا سيما أغنياءهم، وهي المسؤولية المجتمعية. وبلغوا أعلى درجاتها حين ساهموا في دعم وتنمية المجتمع بكل أطيافه، فابتداءً لم يجمعوا ثرواتهم من كد الفقراء، وعرقهم، بل تحملوا المسؤولية في تحقيق الرفاه الاجتماعي.
ولعل في سيرة الصحابي عثمان بن عفان، رضي الله عنه، ما يُشبع شغف الباحثين عن تلك الصور، وكان في مُلكه، رضي الله عنه، قرابة ثلاثين مليون درهم فضة ومئة وخمسين ألف دينار ذهب، فكان من السابقين في أعمال الخير وأثنى عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم جهز جيش العُسرة في غزوة تبوك: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم». وله أيضاً أنه سابق غيره في حفر بئر رومة وقت سمع قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «من حفر رومة فله الجنة» فحفرها وفاز بالجنة.
وليس الصحابي طلحة بن عبيد الله، رضي الله عنه، ببعيد عن نموذج عثمان، فلم يترك قريباً له إلا قضى دينه وكفاه مؤونته، وقد ترك وراءه مليونين ومئتي ألف دينار دون العروض والعقار. ولم تغب بعدُ سيرة عبدالرحمن بن عوف، رضي الله عنه، المشتهر بمقولته: «دلوني على السوق»، إذ تربى على التجارة والبيع والشراء، ونمى ماله ببركة صدقاته ومساهماته المجتمعية وكفاية المعوزين والمحتاجين، وقد رُوي عن السائب في قوله جل شأنه: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يتبعون ما أنفقوا منَّا» أنها نزلت في عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف، وقد ترك وراءه ثلاثة ملايين ومئتي ألف دينار.
وقد جاء عبد الرحمن إلى النبي، صَلَّى الله عليه وسلم، بأربعة آلاف درهم صدقة، وقال: كان عندي ثمانية آلاف، فأمسكتُ أربعة آلاف لنفسي وعيالي وأربعة آلاف أقرضها ربي عز وجل، فقال صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت»، ونزلت الآية «الذين يُنفقون أموالهم...».
ورُوي أنه باع أرضاً من عثمان بأربعين ألف دينار، فقسم ذلك المال في بني زهرة، وفقراء المسلمين، وأمهات المؤمنين، وغيرها الكثير.
ولا يتجاوز الحديثُ سيرة الزبير بن العوام، رضي الله عنه، حواري النبي، صلى الله عليه وسلم، وغيرهم من أغنياء الصحابة، رضوان الله عليهم.
وحين ينظر الناظر في سيرة أولئك الرجال، يستفز عمل الخير في نفسه، ويُنهض الروح لتسبق إلى رضوان الله بالنفقة وكفاية المعوزين.
وتظهر تلك المسؤولية اليوم جلية على أغنياء المسلمين ودورهم في تنمية المجتمع ومساعدة الدولة في تحقيق الرفاه الاجتماعي، والمساهمة الفاعلة جنباً إلى جنب مع مختلف قطاعات المجتمع، ليبارك الله جهدهم ويحفظ مالهم.
ولا يعدم الخير في بلاد المسلمين، فهناك نماذج تضرب أروع الأمثلة في المسارعة إلى فعل الخيرات ومساعدة المحتاجين، ليكونوا قدوة لغيرهم من أغنياء المسلمين.

[email protected]
* أستاذ الاقتصاد والمصارف الإسلامية
المساعد بجامعة الشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"