العراق.. الانتخابات والطريق الصعب

01:50 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد سيد أحمد *

لا يزال العراق يعيش فوق سطح صفيح ساخن مع تجدد التظاهرات بكثافة، بعد هدوئها لأشهر بسبب أزمة «كورونا»، وزاد من لهيب صيف العراق وسخونة الأحداث وتفاعلاتها سقوط قتلى، وجرحى في هذه التظاهرات، لتؤجج حالة الغليان الداخلي في البلاد، في ظل عدم وجود محاسبة واضحة، وحازمة للمسؤولين عن قتل المتظاهرين، وتقديمهم إلى محاكمات عادلة، مع تضارب وتناقض الاتهامات عن المسؤولية عن تلك الاعتداءات ما بين اتهام قوات الأمن، وما بين اتهام ميليشيات وفصائل مسلحة محسوبة على أحزاب وكتل سياسية.
قضية قتل المتظاهرين، وغياب المحاسبة وتحديد الجناة أثارا غضباً في الشارع العراقي، وأوجد لديه شكوكاً في قدرة الأجهزة العراقية على ملاحقة ومعاقبة المعتدين على المتظاهرين، خاصة أن ال400 قتيل الذين سقطوا في السابق منذ اندلاع الاحتجاجات في أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، لم تتم معاقبة المسؤولين عن قتلهم، ولذلك فإن سقوط القتلى يمثل وقوداً للاحتجاجات المستمرة، حيث شهدت ساحة التحرير في بغداد ليلة الأحد 26 يوليو/ تموز، سقوط قتلى من المتظاهرين. ولذلك، فإن التحدي الأكبر أمام حكومة مصطفى الكاظمي ليس القبض على مرتكبي جرائم القتل، والاعتداء ضد المتظاهرين، بل أيضاً منع تكرار تلك الأحداث المأساوية وحماية المتظاهرين في الشوارع بشكل حقيقي، عبر وجود ضمانات وآليات أمنية محددة تمنع تسرب عناصر مسلحة إلى ساحات التظاهر، وكذلك تمنع وجود مندسين، وعناصر مخربة تقوم بالهجوم على قوات الأمن التي قال الكاظمي إنها لا تملك صلاحيات إطلاق النار على المحتجين.
سقوط القتلى خلال التظاهرات بشكل مستمر على أيدي عناصر مجهولة يمثل أحد أشكال سياسة عض الأصابع بين الدولة العراقية ومؤسساتها، وتوجه الكاظمي نحو استعادة هيبة الدولة ونزع أسلحة الميليشيات، وبين تلك الميليشيات المسلحة التي تسعى لفرض سطوتها ومنطقها في الشارع العراقي، وتهاجم كل من يسعى إلى تغيير وضعها المميز في المشهد السياسي والأمني العراقي، سواء كان من الدولة كما حدث في محاولة جهاز مكافحة الإرهاب اعتقال عناصر من «كتائب حزب الله» العراقي، أو من جانب المتظاهرين الذين يرفضون الطبقة السياسية الحاكمة، والميليشيات المسلحة ويعتبرونها تمثل تحدياً وندّاً للدولة الوطنية، كما يحمّل المتظاهرون هذه الأحزاب والميليشيات المسؤولية عن تردي الأوضاع الاقتصادية للبلاد بسبب انتشار الفساد واستحواذ تلك النخبة السياسية على ثروات وموارد البلاد، بينما تعاني أغلبية الشعب العراقي من الفقر.


غياب الخدمات


تردي الأوضاع المعيشية للشعب العراقي، وتردي الخدمات الأساسية، خاصة الكهرباء وانقطاعها في المحافظات العراقية، خاصة في الجنوب لأكثر من 16 ساعة، أجج الاحتجاجات مرة أخرى، إضافة إلى غياب الخدمات الصحية والمياه النظيفة، وانتشار الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، وفي الوقت نفسه لم يحدث تحسن ملموس لدى المواطن العراقى على أرض الواقع، بينما تتشبث النخبة العراقية بمكتسباتها ومميزاتها، ما دفع لتجدد التظاهرات، وزاد من منسوب التوتر والسخونة في المشهد العراقي.


انتخابات مبكرة


دفعت تلك الأوضاع رئيس الوزراء العراقي إلى الدعوة لإجراء انتخابات نيابية مبكرة في يونيو/ حزيران المقبل، أي بعد عام من الآن في محاولة لإطفاء لهيب الاحتجاجات المتواصلة في الشارع، ونزع فتيل الأزمة السياسية التي تعانيها البلاد، وهذا يمثل أحد التحديات الكبرى أيضاً أمام الكاظمي الذي يسير بحكومته وسط حقل من الأشواك، والألغام، فما بين الشارع العراقي الذي يستعجل التغيير ويطالب بحدوث تغيرات ملموسة، سواء في تقديم الخدمات وتحسين الأوضاع الاقتصادية، أو في تغيير النخبة الحاكمة التي يحمّلها مسؤولية تردي الأوضاع وتغلغل الفساد الذي جعل البلاد ضمن قائمة الدول العشر الأكثر فساداً في العالم.
وما بين كتل وأحزاب سياسية ترفض التغيير الجذري وتتمسك بمزاياها ومكتسباتها وتقف عثرة أمام أي تغيير سياسي شامل في البلاد، خاصة في ما يتعلق بتغيير المعادلة السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والحزبية، نجد الكاظمي يرزح تحت مطرقة المحتجين ومطالبهم المشروعة، وسندان النخبة السياسية التي تسعى لفرض منطقها، واستمرار المعادلة السياسية الحالية، ولذلك جاءت الدعوة إلى الانتخابات المبكرة، وهي أحد المطالب الأساسية للمحتجين، في محاولة لتهدئة الشارع العراقي والخروج من الدوامة السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد منذ اندلاع التظاهرات، واستقالة حكومة عادل عبدالمهدي العام الماضي.


تحديات عدة


الانتخابات المبكرة التي دعا إليها الكاظمي تواجه تحديات عدة، خاصة في ما يتعلق بإقرارها من جانب البرلمان، فالانتخابات المبكرة تتم إما بأغلبية أعضاء البرلمان العراقي، أو بطلب من رئيس الوزراء، وموافقة رئيس الجمهورية، وقد دعا محمد الحلبوسي رئيس البرلمان لعقد اجتماع للبرلمان لمناقشة موضوع الانتخابات المبكرة، وهذا يواجه تحدياً أيضاً، لأن البرلمان معطلة أعماله بسبب عدم وجود النصاب القانوني، حيث تستخدم الكتل السياسية الموجودة في البرلمان، هذه الآلية لعدم إقرار مشروعات قوانين تمسّ مصالحها.
ورغم أن الكتل السياسية الكبيرة مثل «ائتلاف النصر»، و«تكتل سائرون»، أعلنت تأييدها للانتخابات المبكرة، إلا أن الكتل السياسية بشكل عام، تحاول الظهور بالتجاوب مع هذا المطلب لاحتواء غضب الشارع، لكنها تسعى للحفاظ على مكتسباتها، عبر تعطيل المصادقة على إقرار قانون انتخابات جديد، وتشكيل المفوضية المستقلة للانتخابات من حيث الاختصاصات، والصلاحيات، والميزانية، فقانون الانتخابات الذي جرت بموجبه الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 2018، يكرس نفوذ وسيطرة الكتل والأحزاب السياسية وفقاً للدوائر الانتخابية الواسعة، على حساب المستقلين، ولذلك فقانون الانتخابات الجديد يدفع في اتجاه إعادة تقسيم الدوائر، وإقرار النظام الفردي، وليس القائمة النسبية، لتقليل نفوذ الكتل السياسية لمصلحة المستقلين، ما يقود إلى تغيير حقيقي في الخريطة السياسية، وهذا هو التحدي الأساسي أمام حكومة الكاظمي في الدفع نحو إقرار قانون جديد للانتخابات، وتشكيل المفوضية المستقلة للإشراف على الانتخابات ومنع التزوير، حتى تكون مخرجات خطوة الانتخابات المبكرة في الاتجاه الصحيح الذي يقود العراق نحو الاستقرار، والهدوء، والخروج من الدائرة المغلقة الحالية.


مسارات متوازية


حكومة الكاظمي تواجه تحديات متعددة، ومتزامنة، وتحتاج إلى السير في مسارات متوازية أيضاً، فهناك مسار تحسين الخدمات خاصة حل مشكلة الكهرباء، وتحقيق التنمية، وإنعاش الاقتصاد العراقي، رغم انخفاض أسعار النفط وتداعيات أزمة «كورونا»، وفي الوقت نفسه السير في مسار تغيير العملية السياسية، ونظام المحاصصة الطائفية، والحزبية، من خلال إجراءات انتخابات نيابية مبكرة، وفقاً لقانون الانتخابات الجديد، لإفراز نخبة سياسية جديدة يكون ولاؤها للعراق، والمصالح الوطنية، وليس الولاءات الطائفية، والحزبية الضيقة، كما هو الحال حالياً، إضافة إلى مسار النأي بالعراق عن التجاذبات الخارجية، خاصة الأمريكية، الإيرانية، واستعادة العراق عروبته واستقلاله. فضلاً عن ملف الفساد، وهو ملف ثقيل، ومعقد.

* خبير العلاقات الدولية في «الأهرام»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"