اللطف والرفق والأناة

03:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. رشاد سالم *

اللطف والرفق والأناة خصال يحبها الله تعالى في عباده المؤمنين، ذلك أنها تجعل من تحلى بها قريباً من النفوس، محبباً إلى القلوب، «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (فصلت، 34 35)
ولقد جاءت النصوص متضافرة متتابعة تحبب في الرفق، وتحض عليه، وتؤكد أنه خلق عال ينبغي أن يسود مجتمع المسلمين، ويتصف به كل إنسان مسلم عاش في هذا المجتمع، ووعى أحكام دينه، واستنار بهديه.
وحسبنا أن الرفق من صفات الله تعالى العليا التي أحبها لعباده في الأمور كلها، وأنه سبحانه يثيب عليه من عطائه الجزل ما لا يثيبه على خلق آخر. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه»، رواه مسلم.
ويشيد الهدي النبوي العالي بالرفق، فيقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»، رواه مسلم.
وكان الرسول الكريم يعلّم المسلمين الرفق في معاملة الناس مهما كان الموقف مثيراً للحفائظ، داعياً إلى عدم الغضب والاشمئزاز، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: «قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من الماء، أو ذَنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين»، رواه البخاري.
وبالرفق والتيسير واللين والسماحة تفتح مغاليق القلوب، ويدعى الناس إلى الحق، لا بالعنف والتعسير والشدة والمؤاخذة والزجر، ولهذا كان من هديه عليه السلام:
«بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا»، متفق عليه.
والناس بطبائعهم ينفرون من الفظاظة والخشونة والعنف، ويألفون الرقة والدماثة واللين والرفق، ومن هنا كان قول الله تبارك وتعالى لنبيه
الكريم: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ». (آل عمران، 159)
إن الكلمة الطيبة اللينة الودود لابد من أن تأخذ سبيلها إلى منعرجات النفس ومسالكها، ولا بد من أن تحدث أثرها المرجو في النفوس، وهذا ما أوصى به الله تعالى نبيه موسى عليه السلام وأخاه هارون،
حين أرسلهما إلى الطاغية فرعون: «اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى». (طه، 43 - 44)
وعن جرير بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «من يحرم الرفق يحرم الخير»، رواه مسلم. وهذا الخير ينصب على الأفراد والبيوت والأقوام إذا ساد حياتهم الرفق، وهو ما نجده في حديث عائشة رضي الله عنها الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، لها: «يا عائشة ارفقي، فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً دلهم على الرفق»، رواه أحمد.
وأي خير أعظم من خليقة يتخلق بها الإنسان، فتكون له وقاية من النار؟! كما أخبر بذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بمن يحرم عليه النار، أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هيّن ليّن سهل»، رواه الترمذي.
ويسمو الهدي النبوي الكريم بالإنسان، وهو يغرس فيه خلق الرفق، فيطالبه بالرفق حتى بالحيوان الذبيح، ويعد ذلك من الإحسان، أعلى المراتب التي يرقى إليها الأتقياء الصالحون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته»، رواه مسلم.
ذلك أن الرفق بالحيوان الأعجم الذبيح دليل على رقة نفس الإنسان الذي يذبحه، وعلى ما تمثله الرحمة بكل ذي روح. ومن وقرت في نفسه هذه المعاني في معاملته لذوي الأرواح، كان بالإنسان أرفق وألطف.

* مدير الجامعة القاسمية بالشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"