مواقع النجوم

القسم الإلهي
04:45 صباحا
قراءة 3 دقائق

من أسرار البلاغة وفنون العلم التي جاءت في القرآن الكريم، ويجدر بكل مسلم التفكر فيها، والتدبر في معانيها، القَسم في القرآن. والمتتبع لآيات القسم في القرآن الكريم يجد أن الله سبحانه أقسم في بعضها بذاته الموصوفة بصفاته وأقسم بآياته ومخلوقاته وبمظاهر الكون، ويوم القيامة، لتهيئة السامع، وإعداده إعداداً صالحاً لما يأتي بعد القَسم.

يأتي ذكر القسم تأكيداً، لا سيما والقرآن أنزل بلغة العرب، الذين عهدوا على إثبات مطالبهم بالحلف واليمين والقسم، إذ كانوا يقطعون كلامهم بالقسم، بهدف تحقيق الخبر وتوكيده.

قال تعالى:«فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ».

ورد هذا القسم في الآيات من الخامسة والسبعين وحتى التاسعة والسبعين من سورة الواقعة، وهي السادسة والأربعون في ترتيب النزول، والسادسة والخمسون بالمصحف الشريف، وآياتها ست وتسعون.

والواقعة اسم السورة وبيان لموضوعها معاً، فالقضية الأولى التي تعالجها هذه السورة المكية هي قضية النشأة الآخرة،رداً على قول الشاكين فيها المشركين بالله المكذبين بالقرآن: أي إذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون؟ أو آباؤنا الأولون؟

ويقول ابن قيم الجوزية في كتابه «التبيان فى أقسام القرآن»: ذكر سبحانه هذا القسم عقب ذكر القيامة الكبرى، وأقسام الخلق فيها، ثم ذكر الأدلة القاطعة على قدرته وعلى المعاد بالنشأة الأولى، وإخراج النبات من الأرض، وإنزال الماء من السماء، وخلق النار، ثم ذكر بعد ذلك أحوال الناس في القيامة الصغرى عند مفارقة الروح للبدن، وأقسم بمواقع النجوم على ثبوت القرآن، وأنه تنزيله.

واختلف المفسرون في النجوم التي أقسم بمواقعها، فقيل: هي آيات القرآن، ومواقعها نزولهاً شيئاً بعد شيء، وهذا قول ابن عباس، رضى الله عنهما، في رواية عطاء، وقول سعيد بن جبير، والكلبي، ومقاتل، وقتادة، وقيل النجوم هي الكواكب، ومواقعها مساقطها عند غروبها، هذا قول أبي عبيدة وغيره، وقيل: مواقعها،أي انتشارها وانكدارها واندثارها يوم القيامة، وهذا قول الحسن ومن حجة هذا القول إن لفظ «مواقع» تقتضيه، فإنه مفاعل من الوقوع، وهو السقوط، فلكل نجم موقع وجمعها مواقع، ومن حجة قول من قال: هي مساقطها عند الغروب،والله يقسم بالنجوم وطلوعها وجريانها وغروبها، إذ فيها وفي أحوالها الثلاث آية وعبرة ودلالة كما تقدم في قوله تعالى بسورة التكوير:«فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس»، وقال في سورة النجم: «والنجم إذا هوى» وفي سورة المعارج: «فلا أقسم برب المشارق والمغارب». ويرجح هذا القول أيضاً أن النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد منها الكواكب كقوله تعالى في سورة الطور: «وإدبار النجوم» وقوله في سورة الأعراف:«والشمس والقمر والنجوم».

وعلى هذا فتكون المناسبة بين ذكر النجوم في القسم، وبين المقسم عليه وهو القرآن من وجوه: أحدها، أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والغي، فتلك هداية في الظلمات الحسية، وآيات القرآن فى الظلمات المعنوية، فجمع بين الهدايتين.

ومن قرأ «بموقع النجوم» على الإفراد فلدلالة الواحد المضاف إلى الجميع على التعدد، والمواقع اسم جنس، والمصادر إذا اختلفت جمعت، وإذا كان النوع واحداً، أفردت، قال تعالى في سورة لقمان: «إن أنكر الأصوات لصوت الحمير»، فجمع الأصوات لتعدد النوع، وأفرد صوت الحمير لوحدته.

والمقسم عليه هاهنا قوله: «إنه لقرآن كريم»، ووقع الاعتراض بين القسم وجوابه بقوله:«وإنه لقسم لو تعلمون عظيم» . ووقع الاعتراض بين الصفة والموصوف في جملة هذا الاعتراض بقوله تعالى:«لو تعلمون عظيم» فجاء هذا الاعتراض في ضمن هذا الاعتراض ألطف شيء وأحسنه موقعاً، وأحسن ما يقع هذا الاعتراض إذا تضمن تأكيداً أو تنبيهاً أو احترازاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"