السنة.. تطبيق عملي لأحكام القرآن الكريم

وما ينطق عن الهوى
03:06 صباحا
قراءة 4 دقائق

أنزل الله تعالى القرآن الكريم على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم منجماً‮ ‬خلال ثلاثة وعشرين عاماً‮ ‬عن طريق أمين الوحي‮ ‬جبريل عليه السلام،‮ ‬بلسان عربي‮ ‬مبين،‮ ‬المكتوب بين دفتي‮ ‬المصحف،‮ ‬المتعبد بتلاوته،‮ ‬المنقول إلينا بالتواتر،‮ ‬فيه العقائد،‮ ‬ومجمل العبادات،‮ ‬والأصول العامة للأحكام،‮ ‬والقواعد والأسس الثابتة التي‮ ‬تقوم عليها معاملات العباد فيما بينهم من‮ ‬دون التعرض إلى تفصيلها جميعها والتفريع عليها،‮ ‬وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ببيانها في‮ ‬قوله‮: ‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم‮ (‬سورة النحل:‮٦١/٤٤). ‬وفصل الله تعالى في‮ ‬القرآن الكريم الثوابت التي‮ ‬لا تتغير بمرور الزمن،‮ ‬أو تتطور باختلاف الناس في‮ ‬بيئاتهم وأعراقهم،‮ ‬كبيان المحرمات من النساء،‮ ‬وكل ما‮ ‬يتعلق بالمواريث،‮ ‬والقصاص في‮ ‬القتل العمد والدية في‮ ‬القتل الخطأ وغيرها‮..‬،‮ ‬هذا إلى جانب أصول مكارم الأخلاق والآداب،‮ ‬وترك للسنة تفصيل ذلك وبيانه،‮ ‬كما تضمن القرآن الكريم قصص الأنبياء والأمم السابقة،‮ ‬ليعتبر أولو الألباب،‮ ‬وبهذا كان القرآن الكريم‮ «‬وسيبقى‮» ‬صالحاً‮ ‬لكل زمان ومكان،‮ ‬إلى أن‮ ‬يرث الله الأرض ومن عليها‮.‬
يذكر الدكتور محمد عجاج الخطيب في‮ ‬كتابه‮ (‬السنة النبوية،‮ ‬مكانتها، ‬حفظها وتدوينها‮، ‬تفنيد بعض الشبهات حولها‮)‬،‮ ‬أن السنة الشريفة جاءت في‮ ‬الجملة موافقة للقرآن الكريم،‮ ‬تفسر مبهمه،‮ ‬وتفصل مجمله،‮ ‬وتقيد مطلقه،‮ ‬وتخصص عامّه،‮ ‬وتشرح أحكامه وأهدافه ومقاصده،‮ ‬كما جاءت في‮ ‬السنة أحكام لم‮ ‬ينص عليها القرآن الكريم،‮ ‬فكانت السنة في‮ ‬الواقع تطبيقاً‮ ‬عملياً‮ ‬لما جاء به القرآن الكريم،‮ ‬فكانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في‮ ‬أصحابه‮: ‬عقيدة وعبادة،‮ ‬وأخلاقاً‮ ‬وسلوكاً‮ ‬ومعاملات وآداباً‮ ‬هي‮ ‬الإسلام القائم على كتاب الله العظيم والسنة الشريفة الثابتة،‮ ‬من خلال أقواله وأفعاله وتقريراته،‮ ‬فكان الرسول صلى الله عليه وسلم‮ ‬يبين ما جاء به القرآن الكريم،‮ ‬والصحابة‮ ‬يتلقون ذلك عنه ويعملون به،‮ ‬ويحرصون على اتباعه،‮ ‬وعلى التأسي‮ ‬به،‮ ‬في‮ ‬كل أحوالهم،‮ ‬وما كان‮ ‬يخطر ببال واحد منهم أن‮ ‬يخالفه أو‮ ‬يعرض عما‮ ‬يصدر عنه،‮ ‬عملاً‮ ‬بقول الله تعالى‮: ‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا‮ (‬سورة الحشر‮: ٩٥/٧). ‬وأقبل المسلمون على السنة وانصاعوا لها،‮ ‬كما أقبلوا على القرآن الكريم واستجابوا له وعملوا به بصدق وإخلاص وأمانة‮. ‬فالقرآن الكريم والسنة الشريفة هما المصدران التشريعيان الرئيسيان في‮ ‬الإسلام،‮ ‬وهما متلازمان،‮ ‬لا‮ ‬يغني‮ ‬أحدهما عن الآخر‮.‬


قمة اليقين المعرفي


‮ ‬يقول المفكر الراحل محمد عمارة رحمه الله، في‮ ‬كتابه‮ «‬حقائق وشبهات حول السنة النبوية‮»: «لقد كانت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي‮ ‬بلغت دعواه‮ «‬الرسالة بهذا القرآن المعجز‮» ‬قمة اليقين المعرفي‮.. ‬البلاغ‮ ‬لهذا القرآن الكريم‮: ‬وهي‮ ‬مهمة جاءه الأمر بها في‮ ‬كثير من آيات هذا القرآن،‮ ‬بلفظ‮ «‬البلاغ‮» ‬ومشتقاته،‮ ‬وبألفاظ أخرى تحمل المضمون ذاته‮.. ‬مضمون إبلاغ‮ ‬هذا القرآن الكريم إلى العالمين‮.. ‬ولقد نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه المهمة،‮ ‬فبلغ‮ ‬الرسالة،‮ ‬وأشهد على ذلك الله والناس أجمعين‮.. «يا أيها الرسول بلغ‮ ‬ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته،‮ ‬والله‮ ‬يعصمك من الناس إن الله لا‮ ‬يهدي‮ ‬القوم الكافرين‮ (‬المائدة‮: ٧٦).‬
‮ ‬والبيان لهذا البلاغ‮ ‬القرآني‮: ‬وذلك بتفصيل مجمله‮.. ‬وتفسير إشاراته‮.. البسط لكلياته‮.. ‬والتخصيص لعامّه‮.. ‬والتقييد لمطلقه‮.. ‬ووضع الضوابط المعينة على التمييز بين محكمه ومتشابهه‮.. ‬وأيضاً بتوقيت الشعائر والفرائض والمناسك،‮ ‬وبيان مقاديرها وشروطها وأركانها وأنصبتها ومصادرها ومصارفها وهيئاتها‮.. ‬إلخ‮.. ‬إلخ‮.. ‬ثم صياغة المقاصد الشرعية الكلية قوانين تحكم واقع الأمة وعلاقات أبنائها،‮ ‬وتصبغهما بصبغة الله‮.. ‬إلخ‮.. ‬إلخ‮.‬


صبغة الله


‮ ‬تلك كانت المهمة الثانية‮ ‬من مهام الرسالة‮: ‬مهمة البيان للبلاغ‮ ‬القرآني‮.. ‬ولقد أنجزها الرسول صلى الله عليه وسلم،‮ ‬وكان فيها القائم بما فرضه عليه الله‮: ‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم‮ ‬يتفكرون‮ (‬النحل:‮٤٤)‬،‮ ‬وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي‮ ‬اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم‮ ‬يؤمنون‮ (‬النحل:‮٤٦).‬
‮ ‬والتجسيد العملي‮ ‬للرسالة الإلهية‮ ‬عقيدة وشريعة وقيماً‮ ‬وأخلاقاً،‮ ‬بالتجربة النبوية،‮ ‬والتطبيق النبوي‮ ‬لمعالم المنهج الإسلامي،‮ ‬والذي‮ ‬وضع الوحي‮ ‬القرآني‮ ‬في‮ ‬الممارسة والتطبيق،‮ ‬وأحال المنهج الرباني‮ ‬بناء معيشاً في‮ ‬الحياة،‮ ‬تخلقت من حوله إبداعات المسلمين،‮ ‬المصطبغة بصبغته الربانية،‮ ‬في‮ ‬شكل علوم وفنون،‮ ‬وأبنية مدنية،‮ ‬هي‮ ‬تلك التي‮ ‬مثلت حضارة الإسلام‮.‬
‮ ‬فالإسلام لم‮ ‬يقف‮ «‬في‮ ‬الرسالة المحمدية‮» ‬عند حدود البلاغ‮ ‬القرآني،‮ ‬ولا البيان النبوي‮ ‬النظري‮ ‬لهذا البلاغ‮ ‬القرآني،‮ ‬لأنه لم‮ ‬يكن مجرد مذهب،‮ ‬أو نحلة فكرية،‮ ‬أو وصايا‮ ‬يودعها الرسول أمانة لدى عدد من الحواريين‮.. ‬وإنما كان‮ «‬عبر التجربة النبوية‮» ‬بناء حياتياً معيشاً،‮ ‬في‮ ‬الممارسة والسلوك والدولة والعلاقات،‮ ‬وقد‮ ‬غدا صبغة الله التي‮ ‬صبغت الواقع والأمة والفكر والحضارة.‮


كيان حيّ


‬«لقد كان القرآن‮ «‬البلاغ‮» ‬الذي‮ ‬جسدته السنة النبوية‮ «‬بالبيان النظري‮ ‬والتجسيد التطبيقي‮» ‬كياناً‮ ‬حياً‮ ‬يحيا به المسلمون،‮ ‬ويحيا في‮ ‬هؤلاء المسلمين‮،‬ ‮ ‬ولذلك،‮ ‬فإنه بحكم شمول البلاغ‮ ‬القرآني‮ ‬لشؤون عالمي‮ ‬الغيب والشهادة،‮ ‬وجمعه للمبادئ والكليات والوصايا والتوجيهات والضوابط الهادية والموجهة والمرشدة والحاكمة لكافة مناحي‮ ‬الحياة الإنسانية،‮ ‬ووفائه‮ «‬باعتباره كتاب الرسالة الخاتمة والخالدة‮» ‬بالإجابة على علامات الاستفهام الإنسانية‮: ‬عن البدء،‮ ‬والحكمة والتاريخ،‮ ‬والواقع،‮ ‬والمستقبل،‮ ‬والمنتهى والمصير،‮ ‬وعن المعايير في‮ ‬كل ذلك،‮ ‬بحكم شمول البلاغ‮ ‬القرآني‮ ‬ووفائه‮ «‬كمصدر المعرفة الإسلامية الأول‮» ‬لكل هذه العوالم والميادين،‮ ‬كانت السنة النبوية‮ «‬بحكم كونها البيان العملي‮ ‬في‮ ‬الفكر والتطبيق لهذا البلاغ‮ ‬القرآني‮» ‬مصدراً‮ ‬للمعرفة اليقينية في‮ ‬كل ميادين ومناحي‮ ‬هذا البلاغ‮ ‬القرآني».‬

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"